الثلاثاء، ديسمبر 25، 2012

كتاب النُّصيرية العلوية: تحذير من مصادرة الطوائف بالسِّياسة

لندن - يأتي كتاب الباحث العراقي رشيد الخيُّون "العلوية النُّصيرية" الجديد، والصادر عن دار "مدارك للنشر" 2012 بمحاولة التمييز بين ما هو سياسي وما هو مذهبي، مع تنويهه في مقدمة الكتاب إلى أن الخوض في الشأن العلوي له حسباته ومخاطره، كونه يمس الحكم بسورية مباشرة، فالهيمنة النُّصيرية العلوية في المراكز الحساسة كانت واضحة وتعطي هذا الانطباع حتى مِن دون أن يكون هناك منعٌ مباشرٌ. بمعنى أن أي الحديث عن هذه الطَّائفة يُفهم أو يُفسر النَّيل مِن النِّظام. 

قائلاً: نحتاج إلى تمييز بين السُّلطة والطَّائفة أو الدِّين، بين الحكم والقوم، فالمسؤول عادة عن المحاسن والمساوئ هو الحاكم لا الطَّائفة التي ينتسب إليها. لقد أُخذت الطَّوائف بجرائر السُّلطات، فالغرب بشكل عام، وعلى الأخص الأميركان، عندما كانوا يتحدثون عن النِّظام العراقي السَّابق يشيرون إليه بالسُّنَّي، وعندما يتحدثون عن الحقوق يشيرون إلى: الكُرد والشِّيعة، على أن المتلقي يفهم أن الحكم كان سُنياً، مع أنهم كانوا يتعاملون مع معارضين سُنيين أيضاً، وأن الحزب الإسلامي العراقي، المعبر عن جماعة الإخوان المسلمين كان في المعارضة، وأول عالم دين قُتل هو الشَّيخ عبدالعزيز البدري (1969)، وكان عضواً في حزب التحرير، ثم شَكل «الكتلة الإسلامية». 

صحيح أن مَن يصل إلى السُّلطة يحاول الاعتماد على الأقربين، مِن أبناء طائفة أو مدينة أو قرية، لكن ليس معنى هذا أن يُشار إلى حزب البعث بالعراق على أنه سُني، وحزب البعث بسورية على أنه علوي نُصيري. هذا ليس كلاماً جاداً، ولا أدري كيف يمر على أهل الأكاديميات. 

إن خطورة هذا التَّأويل تأتي على المجتمع المتنوع، وسيقود إلى ضغائن وممارسات ضد طائفة كاملة، منها مَن صار ضحية للنِّظام، والشَّاهد صلاح جديد وسواه.

أرى أن يجد في التحذير مِن هذه الثَّقافة التي جعلت داخل العراق مثلاً أن المواطن السُّنَّي متهمٌ بجريرة النِّظام السَّابق، بل وأخذت تُحسب عليه ممارسات القاعدة والإرهاب، وكأن ليس هناك مقاتل جماعية بالأنبار وتكريت وديالى والموصل وسامراء بعد التاسع من أبريل (نيسان) 2003 وتصفيات لغير المرغوب فيهم قبل ذلك.

يرى المؤلف أن يُحترس مِن هذا الطرح، وهذا المزج العشوائي، بين الطوائف والأنظمة التي تُقاد مِن المنتسبين إليها، الشيء نفسه الآن يجري في الحديث عن العراق، بأن الشِّيعة الإمامية هي الحاكمة، وبالتالي تُحسب عليها الصَّغيرة والكبيرة، والأمر ليس كذلك. 

عندما انفجرت القضية العلوية بتركيا - إن صحت العبارة - لم تكن مثلما هي عليه الآن، أي تقديم النزاعات على أنها طائفية، هذا مِن جهة ومِن جهة أخرى فإن أغلب المنتفضين داخل البلاد التركية كانوا مِن الأحزاب اليسارية المنتشرة أفكارها بين العلويين، فكان هناك نوع مِن المزج بين حقوق عامة وحق الطَّائفة المهمشة، حسب شعورها بذلك.

التُفت إلى أحوال هذه الطَّائفة، وتاريخها وعقائدها، بشكل آخر واهتمام مثير بعد ولاية أبنائها مراكز قيادية سورية، كصلاح جديد (توفي في سجن ابن طائفته حافظ الأسد السنة 1993)، الذي أصبح الرَّجل الثَّاني بسورية العام (1966) والأقوى على الإطلاق. ثم حافظ الأسد (ت 2000) رئيس الوزراء ووزير الدِّفاع (1970) فرئيس الجمهورية (1971)، وكلاهما مِن قرية قرداحة النُّصيرية العلوية التابعة لمحافظة اللاذقية غرب سورية، التي أخذت تشتهر عن طريق السُّلطة، وهي قرية كانت منسية في ما مضى.

أشار المؤلف إلى مفارقة، ومثلما سماها: دورة مِن دورات الدَّهر، أن يُصلي علوي في محراب المسجد الأموي، الذي طالما سُب ولُعن علي بن أبي طالب مِن على منبره، وهو مَن تنتسب إليه طائفة الرَّئيس، فقد استمر اللَّعن بآل علي نحو نصف القرن ، حتى منعه عمر بن عبدالعزيز حال توليه الخلافة، وكان اللَّعن والسَّب أعلنه معاوية بن أبي سفيان قبل خلافته.

بعد الأزمة السُّورية الجارية (مارس/ آذار 2011) وكسر حاجز الخوف بإعلان العصيان على النِّظام، والمواجهات بين الجيش الرَّسمي والجيش الحر، عاد الاهتمام بتاريخ وجود الطَّائفة العلوية مِن جديد وبقوة أكثر، فبوجود رئيس جمهورية وقائد لحزب البعث الحاكم وأركان فاعلين علويين؛ جعل المعركة كأنها مواجهة بين الطَّائفة النُّصيرية العلوية وبقية السُّوريين، بل أوسع مِن هذا أخذت تُفهم أنها بين شيعة وسُنَّة، على اعتبار أن الطَّائفة محسوبة على الشِّيعة، وبالفعل يصفها فقهاء ومؤرخون، مِن داخلها وبإصرار وأدلة وشواهد، على أنها شيعية جعفرية، مثلما سنرى لاحقاً.

كُتب عن العلويين النُّصيريين الكثير الكثير، لكن يكاد الأعم الأغلب مما كُتب مِن خارجهم يكرر نفسه بنقل ما كان بين العوام مِن ممارسات؛ وما أُضيف إليها أعشار الأعشار فتكرس الموقف السِّلبي والكراهية ضدهم، ويغلب على الظَّن إنه ما كثرت المؤلفات ضد طائفة مِن الطَّوائف، مثلما كثرت ضد العلويين وتجد المَظانّ واحدة. 

يقول المؤلف: مع أن علماء النُّصيريين ظلوا يصرخون، منذ العام 1920 حال قيام دولتهم الطَّارئة في التَّاريخ المعاصر، والتي عُرفت بدولة «جبال العلويين»: نحن مسلمون، نصلي ونحج ونزكي ونؤمن بما جاء به الإسلام، ويعلنون بأنهم إماميون جعفريون، يقرون بإمامة علي والأئمة من أولاده وأحفاده الإثني عشر، وبالغيبة وعدم موت المهدي وبظهوره، لكن لا أحد يسمعهم سوى مراجع مِن الشِّيعة، حتى بعضهم أخذ يتنافس عليهم. 

إن خروج ابن نُصير النّميري من الخيمة الإثني عشرية، على ما يبدو، ليست خروجاً عقائدياً، بقدر ما كان خروجاً سياسياً، جوهره الاختلاف على إدارة شأن الإمامة، ولم يتنبه أحد إلى تلك اللحظة، التي يكمن فيها سرُّ ما جاء في كتب الشِّيعة الأولى ضد هذا الرَّجل، الذي هو بمثابة المؤسس لهذه الطَّائفة، وإن لم يقبلوا هم، أعني النُّصيريين، مثل هذا التَّصور بعد أن وجدوا أنفسهم بحاجة إلى ردم الهوة بينهم وبين الإثني عشرية، وأن عقيدتهم هي عقيدة الإمامية، وبأن مؤسسهم هو النَّبي محمد لا سواه. لكن الحقيقة تقول: لولا ابن نُصير ورأيه المختلف لظلت الإثنا عشرية واحدة، ولا وجود لهذه الجماعة. 

يرى المؤلف: هناك كُتّاب ومؤرخون تورطوا في الكتابة عن النُّصيريين العلويين، بمعلومات منقولة عن خصم أو خارج عنهم، فأخذ الحديث يجري عنهم، وكأنهم هبطوا من كوكب آخر، تجد أخبارهم في هذه الكتب أُناس لا أخلاق لهم ولا يراعون الأعراف والسلوك الاجتماعي المعتاد في هذه المناطق لدى المسلمين، حتى رموا بتهمة إحياء ليلة يجتمع فيها النِّساء والرِّجال، عُرفت بليلة «الكفشة» أو «الماشوش» مثلما سيأتي تفصيل ذلك. وأنهم قتلة يغدرون بالآخرين. أما أصل المعلومة أو مصدرها فتجدها منسوبة إلى رجل أو شاب ضاق به الحال من تلك الممارسات فتحدث عمَّا شاهده، ثم نُقل عنه وشاع وثيقة ضدهم. 

أما شيوخ الطَّائفة وأبناؤها فبدأوا يردون على التقولات المنسوبة في معظمها للمستشرقين، وهؤلاء أخذوها كمعلومات شائعة، ليس مِن مصدر، ولم تتح لهم فرصة الرَّد والتصحيح إلا بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، فيصرون على أنهم مسلمون شيعة يؤمنون بالأُصول الإمامية: التوحيد والرسالة والعدل والإمامة والمعاد، والفروع مثلما هي عند بقية المسلمين، وأن مصادر معاملتهم وعباداتهم هي: القرآن وكتب الحديث ورسائل علماء الشيعة الإمامية الإثني عشرية المعروفة. بينما عدم الاعتراف بالسُّفراء الأربعة يعني عدم الاعتراف بوكلائهم ومِن ثم مراجع المذهب عبر التَّاريخ.

أخذت الكتابات السابقة ضدهم تظهر مِن جديد وبقوة، وتبث فيها الحياة، وأخذت تشيع، على مواقع الإنترنت، الفتاوى القديمة ضدهم، وهي التي صدرت بحقهم خلال نهاية القرن السَّابع والثامن الهجريين. وهنا تنقسم الآراء حسب الموقف السِّياسي، فالضَّد تعلق بما كتب عنهم من غرائب سابقة، ولا يريد قراءة حرف آخر جديد بشأنهم، مع عدم معقولية العديد مما كُتب وقيل، وضيف إلى ذلك أنهم الأقلية الحاكمة للأكثرية. ومَن وجد نفسه معهم تنكر ما قيل فيهم سابقاً، وكأنهم لم يتخذوا أسلوباً خاصاً في شأن الإمامة، ولم تكن لهم نزعة صوفية أبعدتهم عن بقية الشِّيعة، بميلهم إلى الغلو المرفوض لدى الإثني عشرية. 

يقول المؤلف في توظيف الطَّائفية في السِّياسة: إن ما حدث بالمنطقة مِن تغييرات حادة، فسقط حاكمون واعتلى آخرون، والسجان دخل السجن وجلس السجين على كرسي الحكم، وهذه المشاهد تكفي السوريين للتطلع إلى الانعتاق من هيمنة الحزب الواحد ودولة الأجهزة الأمنية، فثاروا. لا نظن أن الأمر جاء بدعوى التخلص مِن العلويين إنما التخلص مِن الحكم. فما يحصل، في الحقيقة، ليس مقابلة بين طائفتين، سُنَّية وعلوية نُصيرية، إنما بين نظام ومعارضة. غير أن هناك وسائل إعلام أخذت تنتبه وحلت تسمية النظام «الأَسدي» والقوات «الأَسدية» محل العلوي والعلوية أو النُّصيري والنُّصيرية، على منوال ما حصل بالعراق وأخذ يوصف النِّظام السابق بالصَّدامي، وكان بالفعل هكذا، لشدة هيمنة رئيسه عليه.

جاء هذا الكتاب، حسب المؤلف: رصد الحالة النُصيرية العلوية، منذ التأسيس، وكيف تم الانشقاق عن الشيعة الإثني عشرية، وعلى ماذا اعتمد الذين كتبوا ما لا يرتضيه العلويون، وكيف قامت لهم دولة، ثم انتهت خلال ستة عشر (1920-1936) عاماً بالذَّوبان بالدَّولة السُّورية، وكيف أن العلويين أنفسهم طلبوا الوحدة مع سورية بعد اعتراضاتهم على الإدارة الفرنسية. لا ينتظر منا أن نكتب في عقائدهم، فالمصادر المعتدلة تنفي أوهام ما كُتب عنهم، ورجالهم يصرون أنهم شيعة جعفرية، وعقائد الشِّيعة معروفة لدى الجميع.

طائفة قلَّ ما كُتب لصالحهم، بينما كثر ما كتب ضدهم، فتوسع البحث ليكون هذا الكتيب، أما حصة المجلة فنشرت ملخصاً مكثفاً مما هو بين أيديكم. مع عدم الرواء مِن البحث، والعذر للاختصار، فقد شعرت أن المصادر لا تعين على المزيد، ومضارب الطَّائفة أبعد ما تكون عني.

1 comments:

Old Mourabit يقول...

المسؤول عن المحاسن والمساوئ هو الحاكم لا الطَّائفة التي ينتسب إليها، فلابد من إشاعة ثقافة الفصل بين الدين والسياسة.

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية