السبت، يناير 25، 2014

يوم كانت سجون نظام الأسد مكبّاً للـCIA

فيما كان وزير الخارجية الأميركي جون كيري يعطي ملاحظاته الافتتاحية في محادثات السلام الخاصة بسوريا في سويسرا الأربعاء في 22 الشهر الجاري، عبّر عن غضبه من الأمور الجديدة التي تمّ كشفها عن الإرتكابات الوحشية التي قام بها نظام الرئيس بشار الأسد. فالأدلة على إعدام آلاف السوريين في سجون الأسد، مثّلت كما قال كيري "اعتداء مخيفاً ليس على حياة الناس فحسب، بل على الكرامة الانسانية وعلى كل معيار يحاول المجتمع الدولي تنظيم نفسه وفقا له".

وكان كيري يشير الى تقرير نُشر هذا الأسبوع استناداً الى شهادة أحد المنشقين عن الشرطة العسكرية السورية، التي يبدو أنها توفّر أدلة على التعذيب الممنهج لآلاف المعتقلين في سجون الأسد. وقد وفّر المنشق، المعروف بالاسم الرمز "قيصر"، نحو 55000 صورة تظهر سجناء موتى تحمل جثثهم علامات تدل على الخنق، والضرب الوحشي والموت جوعاً. ذلك أنّ منفذي أوامر نظام الأسد عمدوا بشكل مفرط الى تصوير الرجال القتلى واحتفظوا بسجل يعرّف عنهم من خلال منحهم أرقاماً – لكي يثبتوا، كما زعم التقرير، لمسؤوليهم الكبار بأنهم نفذوا الإعدامات [المطلوبة منهم].


لم يتمكّن ماهر عرار، مهندس الاتصالات السوري المولود في كندا، من النظر الى هذه الصور أو الى الصور والفيديوات الأخرى التي كانت تصدر من بلده الأم على مدى السنوات الثلاث الماضية. فهذه كلّها تعيد الى ذهنه صوراً من تجربته الخاصة: حيث كان في عامي 2002 و2003 السجين رقم 2 في زنزانة تحت الأرض في فرع فلسطين للمخابرات العسكرية السورية في دمشق، حيث كان يُضرب ويُجلد بواسطة كابلين كهربائيين بغلظ إنشين لحين استسلم لطلبات المحقّق واعترف كذباً بأنه تلقّى تدريباً في أحد المخيمات الإرهابية في أفغانستان.


الأمر الوحيد الذي لا يجد له عرار تفسيراً هو سبب الصدمة التي يشعر بها الأميركيون حيال تقارير التعذيب في السجون السورية. "ما يفاجئني هو ردة فعل بعض الناس في الغرب، كما لو أنّ الخبر جديد بالنسبة لهم"، قال لـ Foreign Policy. "بالعودة الى أوائل التسعينات... كانت تقارير وزارة الخارجية حول سوريا فظّة ومباشرة جداً – الحقيقة هي أنّ سوريا تعذّب الناس".


من المعلوم تاريخياً بأنّ الحكومة الأميركية على معرفة تامة بكل شيء، لأنها في بعض الأوقات استغلّت وحشية نظام الأسد لتحقيق أهدافها الخاصة. فالولايات المتحدة هي التي أرسلت عرار الى سجون

الأسد: في أيلول 2002، قامت دائرة الهجرة والتوطين في الولايات المتحدة باعتقاله خلال توقفه في مطار جون ف. كينيدي الدولي، حسب اعتقاد المسؤولين الأميركيين على أساس معلومات غير دقيقة زودتهم بها كندا، وتقول إنّ عرار هو عضو في القاعدة. وبعد اعتقاله في نيويورك، تم تسفير عرار الى عمّان في الأردن حيث تمّ نقله منها الى داخل سوريا في سيارة عبر الحدود.

"قد لا توافق الإدارات الأميركية المتتالية على سياسة بشار الأسد، ولكن عندما يكون لديك عدو مشترك يُسمّى القاعدة، هذا يغيّر كل شيء" قال عرار. "فمنذ أحداث 11 أيلول ونظام الأسد يُستخدم من أجل ما تسميه وسائل الإعلام بـ "التعذيب بالوكالة".


إلاّ أنّه في حالة عرار، فليس لديه علاقات حقيقية تربطه بالقاعدة لكي يعترف بها. ومن ثم في النهاية أطلق سراحه في تشرين الأول 2003، وقد اعترفت كل من سوريا وكندا بأنّه لم يكن لديهما أدلّة على ارتباطه بالإرهاب. وقد أصدر رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر اعتذاراً سابقاً قدّمه لعرار، أعلن فيه أنّه سوف يدفع له مبلغ 10 ملايين دولار كتعويض عن المحنة التي مرّ بها. وعرار يعيش حالياً في كندا.


بعد اعتداءات 11 أيلول، فإن إمعان الاستخبارات المركزية الأميركية CIA في اللجوء الى طريقة إرسال المتهمين بالإرهاب الى بلد ثالث للتحقيق معهم باستخدام طرق قد تُعتبر غير قانونية في الولايات المتحدة "توسّع الى أقصى حدوده"، كتب الصحافي جاين ماير في صحيفة النيويوركر. وبالإضافة الى سجون سوريا، اعتُبرت منشآت الاعتقال في مصر، والمغرب، والأردن، وجهات أساسية لمثل هؤلاء، الذين كانوا يُسفّرون حول العالم بطائرات خاصة مسجّلة باسم شركات أميركية صورية، على حد قول ماير.


هذا ولم يكن عرار المعتقل الوحيد الذي رمته الـ CIA في سجون الأسد. ففي 1 كانون الأول 2001، طالبت الولايات المتحدة بأن تقوم السلطات المغربية باعتقال محمد حيدر الزمار، وهو مواطن ألماني متهّم بمساعدة خليّة هامبرغ في القاعدة، التي كانت لاعباً أساسياً في اعتداءات 11 أيلول. وما أن تمّ اعتقال زمّار، وفقاً لمعلومات حصل عليها الصحافي البريطاني ستيفن غراي، حتى قام ضباط من الـ CIA باستجوابه في المغرب ومن ثمّ نُقل الى دمشق – حيث اعتُقل على غرار عرار في فرع فلسطين.


وكان التعاون بين الوكالات الاستخبارية السورية والأميركية وثيقاً جداً بحيث أنّ الـ CIA وفّرت حتى لضباط الاستخبارات الألمانية الفرصة لطرح أسئلة محدّدة على زمّار عندما كان في سجون الأسد، وفقاً لما جاء في كتاب غراي، Ghost Plane: The True Story of the CIA Rendition and Torture Program. ولم يُعرف شيء عن مكان وصحة زمّار منذ إرساله رسالة الى عائلته في ألمانيا عام 2005.


هذا ويوفّر تقرير "عولمة التعذيب"، الذي نشرته مبادرة العدالة في المجتمع المفتوح، أسماء الـ 136 معتقلاً الذين كانوا عرضة للنقل الى بلد آخر [للتحقيق معهم] أو للاعتقال السرّي. ومن بين هؤلاء المعتقلين، أرسلت الـ CIA ثمانية منهم الى سجون الأسد. وشملوا أشخاصا يشكّلون على ما يبدو خطراً ضئيلاً أو معدوما – مثل نور الدين، المراهق السوري الذي اعتُقل مع أبو زُبيدة، الذي اعتقدت الولايات المتحدة بدايةً أنّه عميل أساسي في القاعدة ولكنّها ستعترف لاحقاً بأنّه لم يكن يوماً من أفراد القاعدة. وكان من بينهم أيضاً شخصيات خطيرة فعلياً مثل أبو مصعب السوري، الذي أطلق نظام الأسد سراحه وأصبح لاحقاً أحد أبرز العقائديين الجهاديين في العالم.


وعلى الرغم من اتسّاع الخلافات بين إدارة بوش والأسد، فقد مثّل التعاون المخابراتي السوري- الأميركي من أجل تعقّب القاعدة انفراجاً نوعياً في العلاقات بين الحكومتين. وعندما فسدت العلاقات عام 2006 [بين البلدين]، قال نائب مقرّب من منفّذ أوامر الأسد الذي يخشاه الجميع، آصف شوكت، لدبلوماسيين أميركيين إن شوكت "لا يزال يعتبر نفسه صديقاً للولايات المتحدة". وفي شباط 2010، عندما كان يحاول مسؤولون أميركيون إقناع الأسد بوقف تدفّق الجهاديين الى العراق، قال الجنرال علي المملوك، رئيس الاستخبارات، لوفد أميركي في دمشق: "الرئيس الأسد يريد التعاون، ويجب أن نقود هذا التعاون".


وها هو نظام الأسد يحاول مرة أخرى أن يُصلح علاقاته مع الولايات المتحدة وأوروبا من خلال استحضار أهدافهم الاسخباراتية المشتركة: فقبل أن تبدأ محادثات السلام الخاصة بسوريا، قال الأسد إنّ هدفهم الأساسي يجب أن يكون "محاربة الإرهاب"، في حين أعلن مسؤولون سوريون رفيعون بأعلى الصوت عن زيارات يقوم بها ضباط مخابرات غربيون الى دمشق لمناقشة محاربة المتطرفين الإسلاميين.


ولكن فيما تسليم المعتقلين الى سوريا غير ممكن في هذه الأيام، فإنّ إدارة الرئيس أوباما لم تتنصّل من هذه الممارسة التي تعود الى حقبة الرئيس بوش الى الحد الذي يُثلج قلوب الناشطين. إذ أعلنت إدارة أوباما أنها سوف تستمر بإرسال المعتقلين الى خارج البلاد، ولكنّها وعدت بأن لا يتعرّض المعتقلون للتعذيب. ووفقاً لتقرير نشرته The Notion، لا تزال وكالة الاستخبارات المركزية تموّل سجناً يديره الصوماليون في مقاديشو، حيث يستطيع ضباط المخابرات الأميركية التحقيق مع أعضاء متهمين بالانتماء الى مجموعة "الشباب" الإرهابية التابعة للقاعدة، بعد أن اعتُقلوا في الصومال أو سلّمتهم كينيا.


كما أنّ الحكومة الأميركية لم تعتذر أبداً من عرار على تسليمه الى سوريا، ولم تعترف بأنه عُذب في سجون الأسد. ولذلك فمن غير المفاجئ ربما بأن يرى عرار أنّ تفاجؤ المسؤولين الأميركيين من الأمور التي كُشفت مؤخراً ليس سوى شكل من أشكال النفاق.


"بالطبع الحكومة الأميركية سوف تطلب دائماً ضمانات بعدم تعرّض الناس للتعذيب"، قال. "ولكنّهم يعلمون بأنّ هذه  التطمينات ليست سوى حبر على ورق. وما إن يدخل المرء الى هناك، فإنهم يعلمون ما سيلاقيه".

دايفيد كينير

فورين بوليسي

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية