الأحد، أبريل 01، 2018

جهاديو الأموال السائبة

غادرت الفصائل المسلحة مدن الغوطة الشرقية التي صارت في عهدة القوات النظامية. كان للمدنيين من سكان تلك المدن تأثير إيجابي في إقرار المسلحين المحاصرين بهزيمتهم والقبول بمغادرة المنطقة من خلال اتفاقيات كانت روسيا هي الطرف الضامن فيها.
"دوما" التي هي واحدة من أقدم المدن السورية التي فقد النظام سيطرته عليها لا تزال وحدها محاصرة ولم تنجح محاولات المدنيين من أبنائها في اجبار مسلحي جيش الإسلام على الخروج منها بناء على اتفاق مع الروس.
اللغة التصعيدية التي يتحدث بها أولئك المسلحون لا تقول الحقيقة.
فهم يقولون إنهم باقون خوفا على المدنيين من انتقام وبطش قوات السلطة. أو أنهم سيقاتلون حتى الموت اخلاصا منهم لمبادئ الثورة. كله كلام ناقص.
الواقع يقول إنهم يتخذون من المدنيين دروعا بشرية بعد أن تعثرت مفاوضاتهم مع الروس.
كما أن الواقع نفسه يقول إن امارتهم الإسلامية التي اقاموها في دوما لا علاقة لها بأي من شعارات الثورة.
وبالرغم من أنهم يدركون أن هزيمتهم العسكرية مؤكدة وما من فرصة لتفاديها إن قررت القوات الحكومية اقتحام المدينة غير أنهم يمنون النفس ويأملون في أن تشكل أرواح المدنيين التي يُحتمل أن تزهق عنصر إحراج لروسيا فتضطر إلى أن تضغط على الحكومة السورية من أجل تأجيل تطهير المدينة من المسلحين.
كل ذلك العناد صار سببه واضحا وهو يشكل في حد ذاته واحدة من أكبر فضائح الحراك المعارض الذي أشعل حربا عالمية في سوريا لا تزال مستمرة منذ سبع سنوات.
جيش الإسلام الذي يقوده سياسيا من الخارج محمد علوش، الرجل الذي اختارته المعارضة ليكون كبير المفاوضين المعارضين في استانه اشترط أن يغادر دوما مصطحبا الأموال التي في حوزته.
المفاجأة الصاعقة تكمن في أن تلك الأموال تُقدر بـ900 مليون دولار.
"مقاتلون من أجل الحرية يملكون حوالي مليار دولار" كما لو أن الأمر ينطوي على مزحة أو فكرة خيالية تسخر من الواقع.
أولئك المقاتلون الأثرياء أقاموا في دوما عبر سبع سنوات من النضال امارة إسلامية متقشفة وزاهدة وفقيرة تشبه إلى حد كبير امارة طالبان في أفغانستان التي هي الأخرى يملك زعماؤها أموالا طائلة.
لقد فرض أولئك المجاهدون الشريعة على الناس بطريقة صارخة في فقرها في حين كانوا يخزنون الأموال في انتظار لحظة الهروب الكبير. وهو ما فعلته التنظيمات والجماعات المسلحة الأخرى التي كانت المعارضة الرسمية إلى وقت قريب تفاخر بنضالاتها من أجل الشعب ومن أجل قيم الثورة.
فضيحة جيش الإسلام يمكن اعتبارها فضيحة للمعارضة السورية.
كانت هناك أموال مخبأة في دوما تكفي لإنعاش الحياة في الغوطة لسنوات. غير أن الجهة التي امتلكت تلك الأموال لم تكن على استعداد لإنفاق جزء يسير منها من أجل اطعام سكان دوما وتلبية حاجاتهم الأساسية.
ما افتضح أمره في دوما يمكن توقع حدوثه في أماكن أخرى من سوريا.
لقد انفقت مليارات الدولارات من أجل هراء ليس له معنى إذاً.
سيبدو سؤال من نوع "هل تدرك الدول التي مولت تلك الجماعات بالأموال إلان عبث ما فعلته بالأمس القريب؟" ساذجا ولا ضرورة له.
فبعد أن انتهت اللعبة لم يعد أي حديث عن دعم الشعب السوري مقنعا لأحد.
فالشعب السوري كان ضحية لتدفق تلك الأموال. لو لم تتدفق تلك الأموال لما كان هناك وجود لأكثر من أربعمئة تنظيم وجماعة أصولية متشددة رفعت راية الشريعة في حين كانت في حقيقتها شركات لتكديس الأموال وانفاقها في عالم الجريمة المنظمة.
لم يكن المجاهدون في حقيقتهم إلا حراسا مؤقتين لتلك الأموال التي أُزهقت من أجل الحصول عليها أرواح بشر أبرياء وهدمت مدن ودُمر مستقبل أجيال من السوريين.
فاروق يوسف

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية