الخميس، يوليو 26، 2018

ظاهرة "الضفادع" وأسباب بروزها في الثورة السورية

مقدمة

طفا على السطح مؤخراً في أحداث سوريا مصطلح "الضفادع"، لوصف الشخصيات التي تعقد تسويات مع النظام السوري، أو تقبل العودة إلى سلطته بشكل مفاجئ بالتزامن مع الحملات العسكرية التي تشنها روسيا والميليشيات الإيرانية وقوات النظام على المناطق الخارجة عن سيطرتهم.
ويعود أصل التسمية إلى الشيخ "بسام ضفدع" المنحدر من بلدة كفر بطنا بالغوطة الشرقية، والذي ساهم مع أتباعه في إحداث خرق بجبهات القطاع الأوسط لصالح قوات النظام خلال حملتهم الأخيرة على مدن وبلدات الغوطة، الأمر الذي سرّع في انهيار الجبهات العسكرية.
ونحاول من خلال هذه الورقة البحثية دراسة أسباب نشأة هذه الظاهرة بشكل موضوعي بالاستناد إلى الوقائع، والعمل على تحديد مدة تأثيرها، والحلول التي يمكن اتخاذها لقطع الطريق على تكرار هذه التجربة في الشمال السوري المنطقة الوحيدة المتبقية خارجة عن سيطرة النظام السوري وروسيا.
تمهيد:
شهد العامان الماضيان حالات متفرقة لانقلاب بعض المشاهير والضباط المنشقين ورموز عشائرية على مواقفهم، وعودتهم إلى  تأييد النظام السوري بشكل متتابع بما يوحي بأن الأمر فيه شيء من التخطيط، خاصة وأنه تزامن مع استعادة الميليشيات الإيرانية والتابعة للأسد بدعم من الطيران الروسي لمساحات جديدة من الأراضي السورية.
ورغم الحالة النفسية والدلالات الإعلامية والسياسية التي تركتها هذه الحالات الفردية، لكن الأخطر منها كان انقلاب بعض القيادات والفصائل العسكرية، أو الرموز الدينية بالتزامن مع الحملات العسكرية على منطقة محددة، وتعاونهم مع قوات الأسد وتسهيل دخولهم لها.
ومن خلال تقصي ودراسة الوقائع والظروف المحيطة بقرارات بعض الفصائل العسكرية أو الرموز الدينية أو العشائرية، يمكننا تحديد أهم أسباب ظهور ما بات يعرف بـ "الضفادع" مؤخراً وهي:
1-الاختراقات الاستخباراتية: حرص النظام السوري واستخباراته على ترك خيوط ربط بينه وبين بعض الفئات الاجتماعية في المناطق الخارجة عن سيطرته، سواء فئة الموظفين الحكوميين، أو بعض الأعيان والوجهاء والمشايخ [1].
وعندما نتحدث عن مسألة الاختراق الاستخباراتي فهنا ليس المقصود العمل الأمني وتجنيد عملاء مهمتهم تزويده بالمعلومات، وإنما استقطاب فئات مجتمعية يمكن استغلالها وتحريكها في وقت محدد.
كما استغل النظام السوري ملف الخدمات و حاجة المناطق الخارجة عن سيطرته لها من أجل إحداث خروقات في البنية الاجتماعية لتلك المناطق، حيث ظهرت بداية الأمر بمظهر المفاوضة للنظام من أجل استجرار الكهرباء والمياه لبعض القرى والبلدات المحاصرة، ثم لعبت هذه الشخصيات في وقت لاحق دوراً مهماً في تغيير قناعات السكان إلى أن انتهى الأمر بعقد اتفاقيات ومصالحات[2].
و للمؤسسة الدينية التي عمل النظام على تدجينها خلال عقود ورجالاتها المرتبطين به دور في قلب مفاهيم بعض المناطق والتأثير على قرارها في لحظات فارقة وحساسة، كما أن بعض تلك الشخصيات جندت مقاتلين ضد الفصائل الثورية في مناطق تواجدهم [3].

2- موجة الاقتتالات الداخلية للمكون العسكري للثورة السورية: كانت أعوام 2016 و 2017 و 2018 هي الأسوأ من حيث ارتفاع وتيرة المواجهات الداخلية بين المكونات العسكرية للثورة السورية وتسارع وتيرتها، وامتدت على رقعة جغرافية واسعة من درعا إلى الغوطة الشرقية وصولاً إلى الشمال السوري [4].
وتركت هذه المواجهات أثراً كبيراً على المكون الاجتماعي، خاصةً وأنها ظهرت في كثير من الأحيان بأنها صراع على الموارد الاقتصادية أو السلطة كمعبر باب الهوى أو أنفاق التهريب في الغوطة الشرقية [5].
ودفعت تلك المواجهات بعض وجهاء المناطق لتفضيل عودة سلطة النظام إلى مناطقهم ظناً منهم أن ذلك سيعيد ضبط الأمن وحصر السلاح في جهة معينة، كما حصل في مدينة سقبا حيث فضّل قسم كبير من مشايخها ووجهائها التنسيق مع النظام كرد فعل على أحداث الغوطة.

3- غياب القيادة الموحدة وتحكم البعد المناطقي والفصائلي بالقرار: مع مرور الوقت وتسارع الأحداث ظهرت الآثار السلبية لفقدان الثورة السورية المرجعية والقرار الموحد.
وعملت روسيا بالتزامن مع تدخلها العسكري على زيادة تفعيل التواصل مع المكونات الاجتماعية في بعض المناطق لإقناعها بالعدول عن موقفها من النظام.
وتمكنت روسيا من إقناع عدد من الشخصيات المحسوبة على المناطق الخارجة عن سيطرة النظام بحضور مؤتمر الحوار الوطني في "سوتشي"  الذي انعقد في مطلع عام 2018 كممثلين عن مناطقهم [6].
وخلال الحملة الروسية على كل من الغوطة الشرقية، وريف حمص الشمالي، ومحافظة درعا ظهر أثر غياب وحدة القرار وتحكم البعد المناطقي بشكل جلي من خلال عقد كل قطاع من القطاعات لمفاوضات مستقلة مع روسيا [7].
ويمكن القول: إن في كثير من الأمثلة تداخل البعد الفصائلي مع المناطقي، على اعتبار أن الفصيل المسيطر في بقعة جغرافية ما تشكل على حامل مناطقي تعزز عنده مع مرور الزمن نتيجة فشل التوصل إلى قيادة موحدة على صعيد المحافظات أو عموم سوريا[8].
4-التدخلات الإقليمية: استفادت روسيا من تفاهماتها مع بعض الأطراف الإقليمية بعد تدخلها المباشر في سوريا بخلق "تسويات" مع بعض الفصائل العسكرية، وهذا الأمر لم يكن متاحاً سابقاً بالنسبة للنظام بسبب عزلته، أو لإيران بسبب كثرة عداواتها في محيطها الإقليمي .
واستثمرت روسيا هذه "التسويات" في حصر دائرة المواجهة ببقعة جغرافية محددة بالمنطقة التي تهاجمها تجنباً لإطالة مدة الحملة، أو الدخول في مرحلة استنزاف، وقد لمسنا هذا جلياً في كل من ريف حمص الشمالي، ومحافظة درعا حيث دخلت كتل عسكرية كبيرة في التفاهمات والتسويات وقبلت أن تكون تحت الجناح الروسي ، و لهذا الأمر أثر كبير على حسم المعركة [9].
5- القوة النارية الروسية : ساهمت القوة النارية الجوية التي تستخدمها روسيا في عملياتها العسكرية، والتي تركز بشكل أساسي على المدنيين في إحداث حالة رهبة وخوف في المناطق التي تهاجمها، وكثيراً ما كان يترجم ذلك بمحاولة البحث عن مخارج لإنهاء الحملة، وبعض القيادات المحلية تجنح إلى خيار التسوية وحتى الالتحاق بصفوف التشكيلات التابعة لروسيا بدافع الرهبة والحرص على حياتها وحياة سكان المنطقة.

ختاماً: إن التأمل في أسباب الخروقات التي حصلت في مناطق عديدة بالحاضنة الشعبية لم يعد ترفاً فكرياً، وإنما ضرورة يدفعنا لها الحرص على بقاء آخر مساحة جغرافية تحتضن ملايين السوريين الرافضين للعودة إلى سلطة الأسد، فلم يعد سراً أن الأنظار تتجه اليوم إلى الشمال السوري الذي يضم قرابة 3 ملايين شخص، وهذه المساحة تمثل عمقاً لـ 3 ملايين آخرين يعيشون على الأراضي التركية.
ويزيد من التحديات في الحفاظ على هذه البقعة الجغرافية تفشي الحالة الفصائلية، وكثرة المكون السكاني الناجم عن اتفاقات التهجير من ريف دمشق وريف حمص ودرعا مؤخراً، لكن في الوقت نفسه فإن الكتلة البشرية المقاتلة الكبيرة التي تتجمع في هذه المنطقة، وإمكانية الحشد الشعبي في صفوف الحاضنة كبيرة الحجم يمكن أن تؤدي لقلب المعادلات شريطة وضع حد للتجاذبات الفصائلية والعمل على تشكيل تمثيل جامع عسكري وسياسي، وازدياد الحزم مع المروجين للمصالحات، والشخصيات الجامعة التي لا زالت ترتبط بعلاقات مع مؤسسات النظام.



 [1] لا يزال الآلاف من الموظفين في سلك التعليم والدوائر الحكومية في الشمال السوري يتقاضون أجرهم الشهري، ويتوجهون إلى مدينة حماة الواقعة تحت سلطة النظام من أجل صرف مستحقاتهم.
  • على الرغم من خروج مناطق جاسم والكرك الشرقي والحراك عن سيطرة النظام إلا أنه ترك مخاتير ورؤساء بلديات تلك المناطق على رأس عملهم ويتقاضون أجورهم ..
[2] في ريف حمص الشمالي قام كل من رغدان الضحيك، وعبد الباسط واكية، وطلال الناصر بالتمهيد للتسوية في تلبيسة والرستن والدار الكبيرة، وبدؤوا تحركاتهم بإقناع السكان بأهمية التفاوض مع النظام من أجل تحييد المدينة عن القصف وإصلاح خط التوتر العالي وإعادة الكهرباء، وإعادة تشغيل الأفران، وعقدوا لقاءات مع ضباط من النظام والروس في فندق سفير حمص.
  [3]     الشيخ "عمر الرحمون" المنحدر من ريف حماة والذي تنقل بين عدة فصائل ثورية  قبل عودته للعمل تحت ظل النظام رسمياً، ساهم في ضمان ولاء بعض المناطق في ريف حماة لتكون خط دفاع أول عن تواجد قوات الأسد بمركز المحافظة، كما أن الشيخ "بسام ضفدع" المدرس في معهد الفتح التابع للنظام، الذي شكل مجموعات مسلحة في كفربطنا بالتزامن مع حملة روسيا والنظام على الغوطة ساعد القوات المهاجمة على اختراق تحصينات القطاع الأوسط، رغم أنه كان محسوباً على الهيئة الشرعية لدمشق وريفها، ومقرباً من شرعيي بعض الفصائل.
[4] استمرت المواجهات في الغوطة الشرقية بين جيش الإسلام وفيلق الرحمن وهيئة تحرير الشام لأشهر طويلة منذ عام 2016 حتى بداية الحملة الروسية على الغوطة أواخر عام 2017، وشهد الشمال السوري موجة مواجهات مسلحة بين هيئة تحرير الشام وغالبية الفصائل التابعة للجيش الحر والمحسوبة على المعسكر الإسلامي.
[5] شاهد الرابط المرفق وفيه مقطع فيديو يظهر الصراع بين قادة فصائل الغوطة الشرقية على الأموال التي دخلت عبر الأنفاق http://cutt.us/qLT8g
  • تصدر المشهد في القتال الأول بين هيئة تحرير الشام وأحرار الشام أحقية السيطرة على معبر باب الهوى الحدودي.
[6] حضر "فيصل الشحادات" مؤتمر سوتشي كممثل عن منطقة داعل، ورغم تهديد دار العدل في حوران باعتقال أي شخص يذهب إلا أنه عاد لبلدته دون أن تتمكن أي جهة من اتخاذ إجراءات بحقه.
[7] في ريف حمص حصل انقسام في هيئة التفاوض واستقلت مدينة تلبيسة بالقرار وتبعتها الرستن وانعزلت الحولة لوحدها، وفي الغوطة الشرقية وقعت حرستا اتفاقاً منفصلاً عن دوما وكذلك عن القطاع الأوسط، وفي محافظة درعا انقسمت المفاوضات إلى قطاع شرقي ومدينة وغربي.
[8] في ريف حمص الشمالي كان "جيش التوحيد" صاحب القرار في تلبيسة ومكون من أبنائها، أما في الحولة فالكلمة لأحرار الشام، وفي الغوطة الشرقية دوما يمثلها جيش الإسلام وحرستا أحرار الشام والقطاع الأوسط فيلق الرحمن.
[9] استفادت  روسيا من تقاربها الأخير مع السعودية في التأثير على قرار "جيش التوحيد" بريف حمص الذي يرتبط بالرياض عن طريق رئيس الائتلاف السابق "أحمد الجربا"، كما عقدت تفاهمات مع فصيل "قوات شباب السنة" في درعا بوساطة "خالد المحاميد" رجل الإمارات في الهيئة السورية العليا للمفاوضات، وفي الحالتين استطاعت روسيا تحييد منطقة جغرافية كبيرة عن المواجهة والحديث عن تلبيسة في ريف حمص، وبصرى الشام في درعا.

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية