الخميس، سبتمبر 26، 2013

حلحلة سوريا بين أجندات 'الكبار' وأحلام 'الصغار'

يبدو أن الأحداث بسوريا هذه الأيام تشير إلى أنه توجد صفقة سياسية بين طرفي النزاع السوري، لسنا نتكلم هنا عن المتنازعين المحليين، وإنما عن عرابيهما من أعلى مستوى إلى المستويات المتوسطة.
بوادي بردى بريف دمشق، حيث الأراضي الخصبة والمناظر الطبيعية الجميلة، والكثير من المصايف والأماكن السياحية التي كانت قبل الحرب الأهلية تعج بالزوار والرواد، بوادي بردى، المنبع الرئيسي لكل مياه مدينة دمشق واقع ميداني آخر عنوانه هدنة وتفاهم بين الجيش الحر الذي يسيطر على المكان وبين الجيش السوري الذي يحاصره، الثوار هددوا خصومهم بقطع المياه عن دمشق، لو قصفوا مواقعهم أو قطعوا الخبز والمؤونة عنهم، فهم في مرحلة رباط على المواقع مع خصومهم في الوطن، لا هجوم ولا انسحاب في انتظار مستقبل سعيد وأيام زاهرة، المياه نازلة إلى دمشق، والخبز صاعد إلى ريفها.
ويبدو أن الأمر سيتطور لتكون الهدنة عامة على الأراضي السورية، هجوم من هنا وهناك لن يؤثر على النسق العام، ولكن على العموم سيتحصن كل طرف بمواقعه في انتظار مؤتمر جنيف2 الذي تكون الأطراف كلها قد وافقت عليه مبدئيا، النظام السوري بكشفه عن ترسانته الكيماوية، يكون قد نزع فتيل عملية عسكرية حاسمة وأليمة ضده، وأدى ما عليه ليس اتجاه الشعب السوري، وإنما اتجاه "المجتمع الدولي"، والذي لا يحتاج المتابع إلى ذكاء خارق لكي يعرف من هو المقصود من طمأنته، والجيش السوري الحر لم يتبقى له إلا أن يصفي ويضعف كلا من جبهة النصرة ودولة العراق والشام الإسلامية، ويسترجع المبادرة الميدانية والسياسية لكي تكتمل الصورة وتجتمع الظروف السياسية لإنجاز الصفقة المتفق عليها لإتمام أسس انعقاد مؤتمر جنيف2.
زد على ذلك على أنه ليس فقط النظام السوري الذي يكون قد حقق بعض الشروط المساعدة على انعقاد مؤتمر جنيف2، النظام الإيراني مأخوذا بالنسمة الجديدة من انتخاب الرئيس روحاني، يكون قد بعث رسائل مطمئنة للغرب من استعداده الجدي لحل الإشكال النووي، ومن صب بعض الماء في كأسه لما اعترف الرئيس الإيراني بالمذبحة اليهودية من طرف النظام النازي على عكس سابقه أحمدي نجاد، حتى الحليف الآخر، حزب الله اللبناني بسماحه دخول الجيش اللبناني إلى الضاحية والتنازل عن سيطرة أمنية محدودة، يكون قد ساهم هو بدوره على طمأنة العرابين الكبار من خصومهم. الثورات المضادة بمصر وتونس وحتى التضييق واللخبطة الحاصلة بليبيا تندرج في خلق الأجواء الإيجابية لانعقاد المؤتمر، سيما أن هذه البلدان كانت أكبر سند للجماعات المسلحة المتطرفة بسوريا التي تكون تنظيم القاعدة هنالك.
تصريح نائب رئيس الحكومة السوري السيد قدري جميل عن استحالة الحسم العسكري بالنسبة للطرفين، تحصيل حاصل، وهي حقيقة يعرفها الجميع، كما يردد الجميع بلا استثناء، أن الحل الوحيد للأزمة السورية سياسي بامتياز، النص الذي يكون الخمس الكبار قد اتفقوا عليه سيخلو بلا شك من الإشارة إلى الفصل السابع، وإن أشير إليه، سيقيد بشروط تعجيزية، وسيدعو إلى مؤتمر سياسي جامع بجنيف يحضره الكل، حتى الإيرانيون الذين يكونون قد غيبوا في البداية منه، صاروا مرحبين بهم سيما بعد المصافحة التاريخية بين هولاند وروحاني بنيويورك.
تبقى فقط مجهولتان في المعادلة السورية المستعصية الآن: الأولى إستراتيجية القاعدة في المنطقة، وقدرتها على التماسك والبقاء على خطورتها، في ظل انحسار شعبيتها نوعا ما عند الشعب السوري، والمجهولة الثانية، هل سيستطيع الائتلاف السوري أن يبسط قبوله المشاركة بالمؤتمر على جميع كتائب الثوار السورية.
وفي انتظار تلك الحلحلة المنشودة، وتفاهم الآخرين على مصالحهم وضبط حساباتهم، يواصل الشعب السوري معاناته مع القتل والتشريد والتضييق والخنق والجوع، من هذا الطرف ومن ذاك.


عبد الكريم رضا بن يخلف

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية