الأحد، يونيو 19، 2011

شيراك في كتابه الجديد يقدم شهادة ضد الرئيس السوري في اغتيال الحريري: الأسد هدد رفيق بتصفيته جسديا


"القصة اللبنانية" من مذكرات شيراك:

خاطر بشار باتخاذ الموقف المناقض، اما بسبب الغرور او فقدان البصيرة، حيث يبدو انه كطاغية لا يقبل احد بالتعامل معه ولا يعي بالتغيير الذي يحدث حوله واكتفى بممارسة القدرة على الاساءة على حساب شعبه وجيرانه.


إسداء نصيحة


في تشرين ثاني/ نوفمبر 2003 بعثت بموريس غوردو مونتاني لإسداء النصيحة للأسد باسم فرنسا وايضا باسم المانيا وروسيا، بعد ان بحثت الموضوع مع غيرهارد شرويدر وفلاديمير بوتين، حيث انهما وافقا على هذا التحرك وعلى المبادرة الدبلوماسية التي تسمح لسوريا بالتأكيد على انها راغبة بالسلام وتعمل من اجل الاستقرار.
المبادرة، أيا كانت، يجب ان تطال لبنان بشكل طبيعي، بالدرجة الأولى.
واكتفى بشار بالقول لمبعوثي الخاص «هل تحملون رسالة من الأميركيين؟» وذلك قبل ان يُندد بعنف بالمخططات الأميركية الهادفة للاطاحة به.


فك العزلة


لم يرد بشار أن يفهم أن مصلحته تقتضي التفاهم مع فرنسا للخروج من عزلته في الوقت المناسب، والإفلات من نبذ الذين وضعوا بلاده في محور الشر.
وسوريا ليست الدولة الوحيدة في المنطقة المعنية بهذه المشكلة، وإيران حالة مشابهة، بسبب برنامجها النووي العسكري، حيث الشكوك تحوم حول نظام آيات الله بأنه يريد الحصول على القنبلة النووية، ففرنسا حاولت استغلال العلاقات الجديدة مع طهران، بعد وصول الإصلاحيين إلى السلطة سنة 1997.

الديون العراقية
وعلى الرغم من أن فرنسا لم تتمكن من إقناع البيت الأبيض بعد سقوط صدام حسين، وانتهاء العمليات العسكرية بتسليم إدارة العراق إلى ممثل الأمم المتحدة، وبوضع قوات الاحتلال تحت إمرة الأطلسي، فإنها حرصت على الالتزام بالمشاركة بإعادة بناء الاقتصاد العراقي. ولهذه الغاية استجابت مع 18 دولة معنية بالديون العراقية، لدعوة البيت الأبيض بإلغاء الجزء الأكبر من هذه الديون العراقية. هذه الدعوة التي حملها إلي وزير الخارجية الأميركي السابق جيمس بيكر، وتم إلغاء جزء من الديون، وفقاً للقواعد المعمول بها في نادي باريس، الذي يضم 19 دولة غنية، ويهدف منذ إنشائه سنة 1956 إلى تقديم حلول تفاوضية لدى مواجهة الدول المستدينة مشكلات في دفع ديونها.
وألغت الدول الدائنة %80 من ديون العراق، وهي تعرف مسبقاً أن بغداد لن تسددها.

الشرق الأوسط الكبير
أحطت في فبراير عام 2004 بخطة الإدارة الأميركية الهادفة إلى إقامة الشرق الأوسط الكبير، وتعاطيت في البداية معها بتحفظ كبير ، انطلاقاً من أن هذا المفهوم الشامل لا يستند إلى واقع جيوسياسي كبير يبدأ من الرباط وينتهي في كابول، وكنت عند قناعتي بأنه لا يمكن حصول تطور شامل إذا لم نتوصل مسبقاً إلى حل النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، والصعوبات المتصاعدة التي تواجهها الولايات المتحدة وحلفاؤها في مواجهة توسع الهجمات الإرهابية تجعل في رأيي عملية عودة الأمور الداخلية إلى طبيعتها في كل بلد من البلدان التي يشملها المشروع الأميركي غير مضمونة النتائج.

شراكة بشأن لبنان
ولكنني وجدت أن هناك مصلحة في إقامة شراكة استراتيجية مع واشنطن، نطبق بشكل محدود كيفية بوش في التحرك في لبنان. وحول لبنان وفي الخامس من يونيو وبمناسبة زيارة جورج بوش لإحياء الذكرى الستين للإنزال الأميركي في النورماندي، أتيحت لي فرصة بحث هذا الموضوع، الذي لم يكن مدرجاً على جدول المباحثات المعدة بعناية مع الرئيس جورج بوش خلال العشاء، في الشرق الأوسط، قلت له : هناك ديموقراطيتان، الأولى قوية هي إسرائيل، والثانية هشة وهو لبنان، ويجب مساعدته! ويبدو أن بوش لا يعرف جيداً هذا البلد، فشرحت له أهمية دعم لبنان، واستعادة استقلاله إن بالنسبة لسوريا أو بالنسبة لحزب الله الذي أصبح قوياً جداً بعد انسحاب القوات الإسرائيلية، وقلت له إن هناك انتخابات رئاسية ستجري في لبنان في اكتوبر، وان هذه الانتخابات يجب ان تشكل مناسبة لانطلاقة جديدة اذا لم يكن رئيس الجمهورية - كالعادة - مفروضاً في دمشق:
"السوريون قد يسعون الى اعادة انتخاب الرئيس اميل لحود من خلال تعديل الدستور، ولكنني سجلت باهتمام اعلان كولن باول وكونداليسا رايس حول ضرورة اجراء انتخابات حرة من دون اي تدخل اجنبي.ولاحظت ان ضمن الشروط لرفع العقوبات الاميركية عن سوريا هناك الانسحاب من لبنان.. لنعمل معاً".
الرئيس الاميركي وافق فوراً. واقترح ان تبدأ كونداليسا رايس، وغوردو مونتاني - مستشاري الدبلوماسي - بالعمل معاً بأسرع وقت ممكن لتحديد الموقف الواجب اتخاذه.

الحريري أخبرني بتهديدات بشار بتصفيته
خلال صيف 2004، وبينما كان موريس غوردو مونتاني وجان مارك لاسابليير يعملان بشكل مستمر مع نظيريهما الاميركيين على صياغة مشروع قرار يطالب باجراء انتخابات حرة، وفي الوقت ذاته بانسحاب غير مشروط للقوات السورية من لبنان، حصل ما توقعناه انا ورفيق الحريري، اتفق بشار الاسد وفزاعته اميل لحود على تعديل الدستور بطريقة تسمح للاخير باعادة انتخابه، والتجديد ثلاث سنوات لولايته. رفيق الحريري الذي كان لا يزال رئيساً للوزراء سارع للتنديد بهذه الخيانة، استُدعي الى دمشق في 26 اغسطس، وذلك بعد ايام من لقائه مع موريس غوردو مونتاني لاطلاعه على مشروع القرار بصيغته النهائية.

تهديد الأسد للحريري وجنبلاط
رفيق الحريري اخبرني بالضبط بكل ما حدث في ذلك اليوم في مكتب الرئيس بشار الاسد، بحضور نائب الرئيس عبدالحليم خدام، الذي اكد ذلك لاحقاً في 25 ديسمبر للجنة التحقيق الدولية.
ذكر رئيس الوزراء اللبناني الرئيس السوري بالتزامه بعدم التجديد لاميل لحود. ورد عليه بشار الاسد بطريقة جافة ان هناك تغييراً في السياسة وانه اتخذ قراره، مضيفاً انه يجب اعتبار لحود ممثله الشخصي في بيروت. ومعارضته تعني معارضة بشار الاسد.
وهدد الرئيس السوري الحريري ووليد جنبلاط «بالثأر جسدياً». اذا ما اصرا على رفض الاعتراف بالدستور الجديد، وبالتالي القبول ببقاء اميل لحود في السلطة. «اذا اراد شيراك اخراجي من لبنان - صرخ الاسد - فانني سأكسر لبنان، واما ان تنفذ ما اقوله لك والا فسنطالك انت وعائلتك اينما كنتم".

حذرت الحريري
رفيق الحريري احاطني علماً بهذه التهديدات في المساء. وبدأت بالطلب منه ان يحيط نفسه بأقصى الاجراءات الامنية. وان يتجنب الى اقصى حد مغادرة مكتبه. حتى انني طلبت منه ان يبتعد عن لبنان، واتفقنا في الوقت ذاته على الاسراع بالتصويت على مشروع القرار في مجلس الامن.
وبالرغم من انشغالها بالتحضير للانتخابات الرئاسية الاميركية المقبلة، فان كونداليسا رايس - وبموافقة جورج بوش - ساهمت بنشاط في صياغة مشروع القرار.
وأجرت عدة مكالمات هاتفية مع موريس غوردو مونتاني الذي كان يرد عليها من مكتبي، وكنت على الهاتف مع رفيق الحريري. وفي الوقت ذاته جان مارك لاسابليير كان يسعى لتجميع اكبر عدد من الاصوات في مجلس الامن لاصدار القرار. وبشكل خاص التأكد من عدم استخدام روسيا او الصين لــ «الفيتو».

القرار 1559


علاقاتي الممتازة مع فلاديمير بوتين وهو جينتا و لعبت دوراً في المفاوضات في الثاني من سبتمبر ثم تبني القرار 1559 بتسعة اصوات وامتناع ست دول عن التصويت، بينها روسيا والصين والجزائر، وينص القرار على انسحاب القوات السورية وحل كل المليشيات اللبنانية واجراء الانتخابات الرئاسية وفقا للقواعد الدستورية اللبنانية.
وفي اليوم الثاني ناور بشار الأسد حتى النهاية، عبر الحكومة الاسبانية، لمنع صدور القرار، مطلقاً الكثير من الوعود، أعلن انه لا يأخذ القرار بالاعتبار وانه سيفرض التمديد للحود، وصب غضبه على رفيق الحريري. الذي حمله مسؤولية الوقوف وراء المؤامرة بالتواطؤ مع فرنسا، التي خانته، وبدأت الاعتداءات في بيروت ضد خصوم سوريا.
في 21 اكتوبر- تشرين الأول استقال رفيق الحريري من رئاسة الحكومة ليترأس المعارضة. وفي ذات الوقت قررت ارسال برنار ايميه كسفير الى لبنان وهو احد الرجال الذين التقى بهم بشار الاسد.

شتائم للارسن
وبالرغم من اوامر الامم المتحدة واصل ضغوطه التهديدية في لبنان، في بداية عام 2005 اعد استقبال حافل بالشتائم لممثل الأمم المتحدة النروجي تيري رود لارسن المكلف بالاشراف على تطبيق القرار 1559. وخلال استقبالي لكونداليسا رايس في الثامن من فبراير- شباط 2005 اطلعتها على قلقي من تصلب النظام السوري، المستعد للقيام بكل شيء، لكي لا يغير شيئا بلبنان، بما في ذلك دعم المنظمات الارهابية حالياً لضعضعة الاستقرار فيه.
"لا يمكننا ، قلت لها، اترك الديموقراطية تخنق في لبنان، يجب تهديد سوريا بعقوبات مالية جديدة، انها الطريقة الوحيدة التي يمكن فيها اصابة نظام الفساد الذي اقيم بين دمشق وبيروت، يجب ان نطالب بتطبيق القرار 1559. ولان من شأن ذلك اضعاف صقور النظام في دمشق، لانه ليس لنا أي مصلحة برؤية قوس شيعي يمتد من طهران إلى حزب الله مروراً بالعراق وسوريا".
وزيرة الخارجية الاميركية عبرت لي عن موافقتها الكاملة على تطبيق التدابير التي اقترحتها، ولكن مأساة غير منتظرة، علماً للأسف انها كانت متوقعة، غيرت مجرى التاريخ اللبناني..

انهرت عندما تلقيت خبر اغتيال الحريري
قبل ظهر الرابع عشر من شباط/ فبراير كنت اعقد اجتماعا في قصر الاليزيه عندما اعلمت ان اعتداء استهدف رفيق الحريري في بيروت، ولم يكن معروفا اذا كان جرح ام انه قد توفي، وبينما كنت اسرع بالعودة الى مكتبي جاءني الخبر انه لم يعد هناك اي امل، رفيق الحريري قتل بالانفجار الذي استهدف سيارته في حي السان جورج بالقرب من البحر، بينما كان يتوجه باتجاه الكورنيش. لقد انهرت وكان خبر اغتياله واحدا من اسوأ الصدمات في حياتي. شعرت باغتيال رفيق كانني فقدت اخا، أنا كنت اقلق عليه منذ عدة اشهر، وعبثا حاولت ان احذره عدة مرات من التهديدات التي تتربص به. لقد كان رفيق واعيا لها، وهذا الرجل الكبير لم يرض بالرضوخ لها، وكان في ذات الوقت يؤمن بالقضاء والقدر. «ليس لدي معلومات محددة، قلت له قبل اسبوعين من اغتياله عندما زار باريس، ولكن عليك توخي الحيطة. انهم مجرمون لا يتورعون عن شيء». وقبل ان يغادر مكتبي التفت رفيق اليّ وقام باشارة تعني «انهم لا يفعلون هذا!» وبعدها بيومين اتصلت بصديقنا المشترك باسيل يارد وطلبت منه ان يوصي رفيق بالحذر لان شعوراً سيئا انتابني.
اخبرت برناديت بالنبأ وتوجهنا الى منزل رفيق الحريري الباريسي، لنقف إلى جانب زوجته نازك، ولدى وصولنا كان هناك اصدقاء اخرون يلتفون حولها وسارعوا الى منزلها ما ان تلقوا النبأ، ضممت نازك الى صدري وقلت لها عدة كلمات، وعبرت عن حزني وقلت لها "انني لن اترك هذه الجريمة من دون عقاب".
وبالرغم من انني نُصحت بعدم الذهاب الى بيروت لأسباب أمنية، فإنه بالنسبة لي لا بد من توجيه التحية لذكرى رفيق الحريري، والمشاركة في الحداد مع مواطنيه، ولكنني استبعدت فكرة المشاركة في التشييع، لكي لا أجد نفسي الى جانب الشخص الذي يتحمل مسؤولية كبير في دورة العنف والكراهية : أميل لحود.

المصدر يقال.نت

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية