الثلاثاء، أبريل 17، 2012

سوريا، أزمة الضمير العالمي

سابقا قيل إن من يسكنون القصور الفارهة، لا يأبهون ولا يعلمون شيئا عن أحوال ساكني الأكواخ والحارات المتهالكة، واليوم وبعد أكثر من مليون نازح داخل الوطن بحاجة إلى مساعدات إنسانية وحياتية عاجلة، ما زال ساكنو القصر يهيمون في عالمهم الافتراضي ويصرون على أن الأحوال بألف خير، وان الحكاية خلصت.

لكن الحقيقة هي إن الحكاية مازالت في بدايتها، فحين كان المتظاهرون في بابا عمرو والخالدية يهتفون ضد النظام، وكانت صور المظاهرات تجتاح كل القنوات الفضائية وعبر وسائل بسيطة هي الهواتف النقالة وعبر صحفيين هواة، حينها كنا نقول إن النظام مازال بعيدا عن استخدام قبضته العسكرية العنيفة، وفعلا صدق حدسنا عندما أخذ النظام يقصف المدن والبلدات والقرى المزدحمة بالسكان بالمدافع والرشاشات وأحيانا بالطائرات لتظهر صور المدن المنكوبة والأشلاء المتناثرة في الطرقات، وليتدافع السكان في طرق الجبال الوعرة باتجاه دول الجوار هربا من الموت المحتم أو الاعتقال والتعذيب المميت، وحين شمل العنف والقتل الفظيع كل معالم الحياة في اكثر من مدينة سورية ظهرت المأساة السورية على حقيقتها الرياضية المخيفة، الآلاف من المعتقلين في أقبية السجون لا يدري عن مصيرهم أحد، ومثلهم الآلاف من الجرحى في البيوت والمستشفيات الميدانية بحاجة إلى إسعافات عاجلة وأدوية، مليون نازح ومشرد داخل سوريا يحتاجون إلى الأكل والشراب واللباس والمواد الطبية اللازمة لمداواة حالاتهم الطارئة، الشوارع التي حفرت فيها الدبابات والمصفحات أخاديد، والبنايات المتهدمة والمنهارة بفعل طلقات المدافع والرشاشات.

صور تذكرنا بصور بيروت أيام الحرب الأهلية والاجتياح الإسرائيلي للبنان والقنيطرة بعد رحيل الاحتلال الصهيوني عنها، صور حمص المنكوبة تذكرنا بسراييفو ودارفور، مدينة النكتة تحولت فجأة إلى مدينة للنكبة، مدينة الفقراء سابقا، تحولت إلى مدينة قفراء، كل هذه المآسي لم تحرك الضمير الإنساني إلا بعد اكثر من سنة، ليفرج مجلس الأمن أخيراً عن قرار بإرسال بعثة مراقبة إلى سوريا، حقيقةً تمخض الجبل فولد فأرا، يبدو إن اكثر من 12 ألف قتيل لا يشبع غريزة أصحاب القرار في المجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات اكثر صرامة لوقف العنف في سوريا والانتقال إلى نظام ديمقراطي يرضى عنه الشعب السوري.

لكن الواضح الآن إن مقولة النظام من إن أي هزة في سوريا ستصيب المنطقة كلها بشروخ واهتزازات عنيفة ربما تؤدي إلى تقسيم المنطقة وتعميم الفوضى والحروب الأهلية في مجمل الشرق الأوسط، أرعبت كل العواصم الكبرى وجعلتها تحسب حسابات كثيرة وكبيرة، وهذا ربما ما يدفع روسيا والصين ومعهما أطراف إقليمية إلى الدفاع المميت عن النظام ضد طموحات ورغبات الشعب السوري المشروعة، إنها أزمة الضمير الإنساني العالمي، التي تتجلى في صراع الارادات على الأرض السورية وتقاطع المصالح أحيانا وتضاربها أحيانا أخرى بين الدول والمحاور على حساب المآسي السورية، وكلما طال صراع الارادات هذا وتفاقم، طال أمد الأزمة في سوريا، وبالتالي تدهور الوضع الإنساني اكثر فاكثر، مع ما يحمله ذلك من كوارث واضطرابات مجتمعية وجروح وأحقاد، ربما لن تندمل بسرعة.

إن إقامة ممرات إنسانية داخل البلاد لإيصال المساعدات الإنسانية والحياتية إلى المحتاجين والنازحين، أمر في غاية الأهمية، واعتقد انه من الأولويات التي يجب أن يتضمنها أي قرار لمجلس الأمن بعد وقف العنف والقتل وقصف المدن، فحياة البشر والسكان أغلى من أي كرسي يتصارع عليه السياسيون، إن أطفال سوريا الذين بدأت من حناجرهم الثورة، يصيحون الآن أبعدونا عن فوهات مدافعكم ومحاوركم ومؤتمراتكم، امنحونا أياما من الهدوء، وهواءً خالياً من دخان الموت، وبعضا من خبز وزيتون وحليب بلادنا الحرة.

د. شمدين شمدين

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية