لكنّ هذا التيار اصطدم بحائط المحافظين الأصوليين والمتنفذين في النظام الإيراني ومفاصل لدولة الذين أفشلوا ولاية خاتمي، فلم يستطع أن يحقق أيّاً من الآمال المنشودة خلال فترة رئاسته في ظل دعم الولي الفقيه لمناوئيه، فبدأت صفوف التيار تضعف وتتفكك في ظل خيبة الأمل والاختلاف على طريقة الإصلاح وبرنامجه، وفقدت شرائح كبيرة من المؤيدين حماستها في تأييد هذا التيار بسبب الفشل في تحقيق أي من الانجازات على صعيد المطالب، وانتهت الحالة بخسارتهم الانتخابات البلدية 2002 والبرلمانية 2003 والرئاسية مع وصول نجاد إلى الحكم في العام 2005.
ولدت الحركة الخضراء كردّة فعل بداية على تزوير الانتخابات، واكتسبت اسمها من وشاح أخضر كان يميز الحملات الانتخابية للشخصيات الإصلاحية ولا سيما موسوي.
وسرعان ما تحولت إلى حركة معارضة ولدت من رحم النظام وخاصة من معين التيار الإصلاحي؛ زعماؤها أو رموزها كانوا وما زالوا أعلاماً من أعلام الثورة الإيرانية، وهو الأمر الذي أعطى هذه المعارضة زخماً أكبر وحضوراً أكبر من سابقاتها في المشهد السياسي الإيراني.
لكنّ ذلك طرح في المقابل تساؤلات حول مدى قدرتها على استغلال تمثيلها لمختلف الشرائح المعارضة لنظام الحكم في البلاد، أو المطالبة بإصلاحه، وتوظيف قوتها في تحويل المطالب التي تحملها إلى أفعال من شأنها فعلاً أن تغيّر من شكل النظام السياسي الإيراني أو من طبيعة عمله في ظل الضغوطات الكبيرة والضخمة التي تتعرض لها من قبل التيار المحافظ الجديد الذي يقوده أحمدي نجاد بدعم من المرشد الأعلى، وفي ظل القمع الشديد الذي تتعرض له من قبل قوات الحرس الثوري والباسيج وأجهزة النظام.
من هذا المنطلق من الممكن الحديث عن الحركة الخضراء من خلال ثلاثة مستويات: المستوى السياسي، والمستوى الاجتماعي، المستوى الديني.
أولاً- المستوى الاجتماعي: الجمهور العام هو الشرارة التي أطلقت التظاهرات العفوية الأولى المعترضة على نتائج الانتخابات والتي ظلّت تكبر وتتأطر حتى أصبحت ما يعرف فيما بعد باسم الحركة الخضراء. وقد استطاعت هذه التظاهرات أن تصل ذروتها مع نزول الملايين تحت لوائها إلى الشارع.
ثانياً- المستوى السياسي: يقود المستوى السياسي للحركة الخضراء كل من الزعيمين مير حسين موسوي، وهو رئيس وزراء أسبق، إلى جانب رئيس مجلس النواب (الشورى) سابقاً مهدي كروبي.
وفي الوقت الذي أظهر فيه موسوي كاريزما أكبر خاصة مع لعب زوجته "زهرة راهناورد" دوراً في الحملة السياسية المعارضة، أظهر كروبي جرأة أكبر في النقد والمواجهة، وقد لعب دوراً كبيراً فيما بعد في كشف عمليات الاعتداءات والتعذيب والاغتصاب في السجون.
مع توالي الأحداث واتساع دائرة المعارضة وانضمام الكثير من الشخصيات والتيارات، توسعت مطالب الحركة الخضراء، وتم تأطير أهدافها بشكل أكثر وضوحاً وتحديداً.
فانتقلت من حركة احتجاجية معترضة على نتائج الانتخابات المفبركة والمزيّفة ومطالبة بإعادة إجراء الانتخابات على أسس نزيهة وعدم الاعتراف بنجاد رئيساً للبلاد، إلى حركة معارضة أوسع وأشمل وأكثر تنظيماً.
1. استقالة السيد محمود أحمدي نجاد من منصبه كرئيس للبلاد، وإجراء انتخابات رئاسية جديدة تحت إشراف أجهزة محايدة؛ وإلغاء عملية الفحص للمرشحين من قبل مجلس صيانة الدستور.
2. الإفراج عن جميع السجناء السياسيين، والتحقيق في تعذيب وقتل المتظاهرين والتعويض لأولئك الذين تعرضوا للأذى ولأُسَرِهم.
3. إطلاق حرية وسائل الاتصال الجماهيري، بما في ذلك الصحافة، والإنترنت، والإذاعة، والتلفزيون؛ وإلغاء الرقابة على المطبوعات وإتاحة الفرصة لظهور أجهزة إعلام غير حكومية مثل القنوات الفضائية، ووضع حد للرقابة على الإنترنت.
4. الاعتراف بحقوق كل الجماعات السياسية المشروعة، مثل الطلاب الجامعيين والحركات النسائية، والمنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني، والنقابات العمالية، والسماح لها بممارسة أنشطتها المشروعة والحق في الاحتجاج السلمي وفقاً للمادة 27 من الدستور.
5. استقلال الجامعات (من التدخل السياسي)، وتسييرها بالطرق الديمقراطية من قبل الأكاديميين أنفسهم؛ وإجلاء القوات العسكرية وشبه العسكرية منها، وإلغاء التدخل غير القانوني للمجلس الأعلى للثورة الثقافية في شؤون الجامعات.
6. مقاضاة جميع المسؤولين عن تعذيب وقتل (الناس).
7. استقلال القضاء من خلال انتخاب (وليس تعيين) رئيسها، وإلغاء المحاكم الاستثنائية غير المشروعة (مثل المحكمة الخاصة برجال الدين)، وتطهير الجهاز القضائي من القضاة غير العادلين، ومنع مسؤولي السلطة القضائية من إلقاء الخطب السياسية وتنفيذ أوامر من أعلى المسؤولين (الرئيس والزعيم الأعلى)، بدلاً من تطبيق القوانين بشكل عادل ومحايد.
8. حظر تدخل الجيش والشرطة وقوات الأمن في السياسة، والاقتصاد، والثقافة.
9. استقلال المدارس والمعاهد الاقتصادية والسياسية، ومنع تسييس رجال الدين، وحظر استخدام خطب صلاة الجمعة للإساءة للأديان أو إصدار أوامر غير مشروعة.
10. انتخاب جميع المسؤولين الذين يجب أن يصبحوا قابلين للانتقادات.
لقد فاجأت الاحتجاجات الشعبية النظام الإيراني، إن من حيث حجمها أو زخمها أو طريقة تعاملها مع التزوير الكبير الذي حصل في الانتخابات الرئاسية، فتم التعامل مع المتظاهرين بداية بصورة عشوائية.
لكن سرعان ما كشف تسلسل الأحداث أنّ النظام الإيراني اعتمد خطّة تتضمن عدداً من التكتيكات لضرب وإنهاء الحركة الخضراء في مهدها.
تضمنت هذه التكتيكات: الاعتقالات: وهي تتم بشكل مدروس في ما يتعلق بالقيادات والرموز والسياسيين، بمعنى أنه يتم اختيارهم عمداً لإخافة البقية أو للضغط من خلالهم على قاعدتهم أو أحزابهم أو المقربين منهم.
والقمع الأمني الميليشيوي: ويتم من خلاله التدخل بكل قوة وعنف لإرهاب المتظاهرين وبالتالي إنهاء التظاهر.
ويقوم النظام بتكليف الميليشيات التابعة له للقيام بهذا العمل، وتتوزع المهام بين الحرس الثوري والباسيج وحزب الله الإيراني وأنصار حزب الله.ولهؤلاء صلاحيات مطلقة في قمع المتظاهرين إلى حد القتل العمد، وهم لا يتمتعون بصفة رسمية لكي لا تتم محاكمتهم، فغالباً ما تنسب أعمالهم إلى مجهول أو إلى الغوغاء...الخ.
وقد قام هؤلاء بمهاجمة المتظاهرين وقنص الكثيرين منهم.
ولعل أشهر الحالات التي تم تصوريها هي لندى آغا سلطان، كما قاموا بمداهمات للمنازل والمستشفيات والجامعات وغرف سكن الطلاب، ومنعوا معالجة الجرحى وتسجيل عدد القتلى أو السماح لأهلهم بدفنهم أو القيام بجنازات لهم، كما قاموا بدوريات لقمع كل من يتعاطف مع هؤلاء.
ونتيجة لذلك حصل شحٌّ في ما يتعلق بأرقام القتلى والجرحى، لكن العدد الأكبر منهم كان في الشهر الأول حيث تشير بعض التقديرات إلى مقتل 180 إيرانياً على يد هذه الميليشيات التابعة للنظام.
التعتيم الإعلامي: التعتيم الإعلامي كان من أول قرارات النظام الإيراني، حيث منع أي تغطية إعلامية للتظاهرات، كما تحكّم بما يخرج من تقارير إعلامية، وأُعدم وسجن عدد كبير من الإعلاميين والصحفيين المحليين، فأصبحت إيران الدولة الأولى في العالم في اعتقال الصحفيين.
كما أغلقت السلطات صحفاً ومجلات ومواقع الكترونية تابعة للحركة الخضراء والإصلاحيين.
كذلك سيطر الحرس الثوري على جزء كبير من الاتصالات، فأصبح المالك لكبرى الشركات والمؤسسات بما يحد من استخدام وسائل الاتصال في نقل المعلومات التي لا يريد النظام لها أن تُكشف للخارج.
الاغتصاب والتعذيب في السجون: تمّ تعذيب عدد كبير من المعتقلين الشباب في السجون، ولعل أشهرهم على الإطلاق سجن "كهريزاك" سيئ السمعة الذي يعرف باسم "غوانتنامو طهران".
وشمل التعذيب الوحشي تكسير العظام والتحرش الجنسي والاغتصاب وذلك للشباب والبنات وحتى الأطفال، ومات عدد من المساجين نتيجة لهذا التعذيب، فيما تم تقديم عدد آخر للمحاكمات، وحكم عليهم بالإعدام بتهم محاربة الله ورسوله والتجسس والانتماء إلى جماعات يعتبرها النظام إرهابية كمجاهدي خلق أو جمعية الملكية المحظورة، ووصل عدد الذين تم إعدامهم خلال 50 يوماً بعد الانتخابات إلى15.
الإعدامات والمحاكمات الصورية لعدد من الرموز والشباب: في أغسطس (آب) 2009، بدأت المحاكمات الصورية لعدد كبير من الرموز والشباب.
وقد تم تقديم المئات للمحاكمة من بينهم، على سبيل المثال، قادة حكوميين سابقين وأعضاء فاعلين في الحركة الخضراء ومعروفين، للضغط على موسوي وكروبي وخاتمي ورفسنجاني وعزلهم سياسياً عبر الضغط على ذويهم ومحاكمة المقرَّبين منهم، ومن بينهم على سبيل المثال محمد علي أبطحي نائب الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، بهزاد نبوي نائب رئيس البرلمان الأسبق.
ومن مؤسسي حزب الإصلاح، محسن فرحاني نائب وزير الاقتصاد الأسبق، عبدالله رمضان زادة المتحدث الأسبق باسم الحكومة الإيرانية، محسن أمين زادة نائب وزير الخارجية الأسبق، محمد أتريان فار نائب وزير الداخلية الأسبق والذي شغل منصب كبير مستشاري هاشمي رفسنجاني في مرحلة من المراحل، إضافة إلى كل من سعيد هاجريان نائب الرئيس السابق محمد خاتمي، ومحسن ميرامادي رئيس أكبر حزب إصلاحي في البلاد ونائب سابق ورئيس سابق للجنة الشؤون الخارجية والأمن القومي وأحد أهم ثلاثة خططوا لاحتلال السفارة الأميركية عندما قامت الثورة.

الخميس, أبريل 19, 2012

Posted in:
0 comments:
إرسال تعليق