ان السياسه الحديثه التى اصل لها المفكر السياسى الإيطالى نيكولوماكيافيلى اثناء عصر النهضه فى كتابه الامير...والتى اُختُزِلَت فى المقولة الشهيره... الغايه تبرر الوسيله ،سياسة المصلحه النفعيه والتى قد تطور التعبير عنها الى حد احتلال الشعوب، وإنحصار قيمة الانسان فى المنظور السياسى البراجماتى المعاصر... الى حد الافراط فى ان يستحل القرار السياسى دمه وعرضه وامانيه، والقبول بفعل سياسى هنا وعدم قبول ذات الفعل فى حاله آُخرى والفيصل هوالمردود النفعى ،وغالباً مايكون لطرف واحد.
من هذه المقدمه المتواضعه لمقالتنا ندخل بشكل مفصل يتعلق بالحدث التاريخى ألا وهو ثوره الشعب السورى المباركه... بقراءه فى الدور الروسى والإيرانى فى دعم النظام فى سوريا ،وموقفيهما من الثوره التى أخذت منحى دراماتيكى...بإسرار النظام البعثى فى دمشق على الحل الامنى...ومحاولته خداع الرأى العام بوجود عناصر مسلحه تقوم بسحل واستباحة دم المتظاهرين .
روسيا فى مسعى الان لكسر اٌوحادية القطب الامريكى...وبداية حرب بارده آُخرى... تمثل هذا على سبيل المثال فى الصفقه التى عقدتها لشراء غاز اسيا الوسطى وبحر قازوين عبر مناقصات سريه...وإيجاد مواطأ قدم عده للتسويق لشركة -غاز بروم -التابعه لها حتى فى النمسا...لإنها ارتأت ان من يتحكم فى الطاقه يتحكم بدوره فى القرار السياسى العالمى ، وسوريا تساهم مع العراق وإيران ولبنان من خلال الاتفاق المبدئى على مد انابيب للغاز الطبيعى بدأً من بحر قازوين وانتهاءً فى البحرالابيض المتوسط...وهذا مايُثلج صدر الجانب الروسى لإنه يقطع الطريق على مد انابيب - نابكو- الامريكيه هذا امر، الامر الثانى انها تريد ان تحتفظ بوجود سياسى فى المتوسط على الارض يحقق لها مصالح اقتصاديه...خاصةً بعد ان فقدت النظام الليبى بإسقاط القذافى ،ولم يعد امامها الان سوى الجزائر وسوريا فى البحر المتوسط ،الامر الثالث مخاوف الكرملن من وصول التيارات الاسلاميه الى سُدة الحكم خاصةً بعد ماتبين لها ذلك فى تونس ولاح لها فى افق مصر..وهذا يفسر لنا موقف روسيا الرافض لعقوبة حظر السلاح على سوريا وتعارض التدخل الاجنبى وتشاطرها الصين الرأى لصداقتيهما ،بل تعرقل روسيا السعى التركى نحو الضغط على نظام بشار.. بورقة الاكراد ..لوجود جسر من العلاقات مع المنتميين لحزب العمال الكردستانى، منذ الفتره التى كان يعيش فيها زعيم الحزب عبدالله اوجلان فى روسيا .
اما ماوراء الموقف الإيرانى من الثوره السوريه فهو يثير الدهشه للوهله الاولى ...ولكن عندما نستعرض معاً بعض من الواقع تفصيلاً ستزول هذه الدهشه اوتخبوا ، تعود العلاقات بين دمشق وطهران الى الثمانينات حيث حافظ الاسد الاب، ما يزيد عن ربع قرن...وامتدت العلاقات السياسيه والاقتصاديه بين البلدين وتجلت فى الاتفاق العسكرى الذى اُبرم بين البلدين فى يوليو 2006 والذى على إثره تعهد قادة إيران بالدفاع عن سوريا .
ان ثمة عوامل مشتركه بين البلدين ساهمت فى تعميق التحالف...بدأ من الصدام الذى حدث بين حزب البعث العراقى والبعث السورى والذى وصل زروته وكاد ان ينزلق لمواجه عسكريه بين البلدين عندما اقدمت د مشق على بناء سد على نهر الفرات ،والذى كان من شأنه نقص فى حصة العراق من المياه...ثم اشتعلت الحرب بين العراق وإيران 1981...لتبدأ توطيد العلاقه السوريه الإيرانيه على انقاض توتر العلاقه مع العراق وهذا عامل،تبنى كلاً من إيران وسوريا الدعم الفنى واللوجستى لحركات المقاومه فى لبنان -حركة أمل القوميه ،حزب الله ،حماس فى فلسطين- ،تركيبة الداخل الاجتماعى الإثنى المتقارب للبلدين ،حيث ان سوريا فيها ثلاثة ارباع يمثلون السنه والربع الآخر موزعون بين نصارى ودروز والشيعه النصيريه التى تحتل السلطه مع الفارق ان الشيعه فى إيران يمثلون الاغلبيه العدديه هذا عامل ايضاً وهو الاهم فى بناء العلاقات الإيرانيه مع سوريا...ونستعرض بعض الامثله للتوضيح ،إيران تعلن عبر دستورها المكتوب انها دوله شيعيه -جعفريه إثنى عشريه-والقائمين على السياسه فى طهران لهم ثوابت عامه ينطلقون منها ومرجعية هذه الثوابت مستوحاه من المذكره التى تحمل عنوان -مقولات فى الإستراتجيه الوطنبه- لأكبر منظر استراتيجى فى إيران محمد جواد لاريجانى...وهو من أكبر الإختصاصيين فى الفيزياء وعضو مجلس الامن القومى الإيرانى...وتتداول هذه المذكره بين الاوساط السياسيه منذ الثمانينات ،مفادها انه ينبغى ان تتحول إيران الى دولة المركز للعالم الاسلامى ..وينبغى ان يكون ولى أمر المسلمين هو الولى الفقيه الذى يحكم إيران ،وينبغى ان تتحول – مدينة قُم -الى ام القرى اى مكه... وانه ينبغى ان تنبنى كل السياسات الإيرانيه الخارجيه على هذا الاساس الايدولوجى،ومحمد جواد لاريجانى مَثَله فى ايران كَمثل هنرى كيسنجر فى البيت الابيض وبريماكوف فى الكرملن.
ولذلك كان رد فعل إيران حيال سحق وقتل الاخوان المسلمين فى حماه إبان فترة حكم الاسد الاب عام1982 الوجوم التام...لكنه اختلف عندما ساعدت سوريا حركة امل القوميه وقت إحتدام الصراع مع حزب الله فى لبنان وتدخلت ايران لفك الاشتباك والمصالحه بينهم وذلك لانهما ينتميان الى مرجعيه مذهبيه واحده.
لتفكر إيران لمصالحها كيفما شاءت وكذلك روسيا حسبما شاءت... ومهما حرِصتا على بقاءالنظام فى دمشق ،فإن الثوره فى الشام لاتخضع لمنطق اي منهما وستسقط كل الحسابات والتوقعات الاستراتيجيه لكليهما وغيرهما، وان دماء الاف الشهداء لن تضيع ادراج الرياح ...هذه سنه اكدتها لنا مراحل التاريخ المتعاقبه ، فكما ان الشعب ا لسوري كسر الصمت والخوف وباغت ا لعالم بثورته... فسوف يباغت المُعرقلين بتحقيق طموحاته... وهذه هى الحتميه القدريه لغضبة الأمم .
0 comments:
إرسال تعليق