تكمن المشكلة في الحديث عن "ألم اليهود في المحرقة" أن قائلها يظن أن "المحرقة اليهودية" مذبحة أو مجزرة مثل غيرها يمكن أن يكون البشر قد تعرضوا لها عبر التاريخ، دون أن يفطن أن أيديولوجيا المِخرقة التي تتبوأ مكانة خاصة في الثقافة الغربية، وعبرها في الثقافة الكونية من خلال العولمة الثقافية، تقدم المِخرقة باعتبارها المذبحة.. المجزرة... الكارثة (بأل التعريف دوماً) الأولى في التاريخ، فهي أم المجازر كلها من ثلاث نواحٍ محددة ترقى من خلالها فوق كل ما عداها، ومنها المعاناة الفلسطينية أو العراقية وغيرها. فهي الأكثر تميزاً، حسب زعمهم دوماً، في: 1) طريقة تنفيذها (غرف الغاز المختلقة)، 2) نسبة الذين أبيدوا فيها من مجموع السكان المستهدفين، أي من اليهود، و3) كونها نتيجة سياسة إبادة جماعية.
لكن مجرد الحديث عن "أفران غاز"، بل مجرد التلفظ بتعبير "أفران الغاز" التي يفترض أن اليهود قضوا فيها، يجعل المِخرقة حدثاً استثنائياً في التاريخ البشري بأسره، وهنا بيت القصيد، لا عدد الذين قضوا في المِخرقة، وما إذا كانوا ستة ملايين أو أقل.
فلم يحدث في التاريخ البشري من قبل أن تمت عملية إبادة منهجية بهذا الحجم من خلال استخدام أفران غاز. أي أن هذا هو مصدر فرادة المِخرقة، الفرن، وليس العدد: الفرن، القربان، الأضحية اليهودية التي قدمت على مذبح البشرية، والتي تبقي البشرية برمتها مدينة لليهود إلى الأبد، وهذا الفرن بالتحديد هو الذي يسخف كل معاناة أخرى، من احتلال فلسطين إلى حصار العراق إلى غيرهما، وهو الذي يبقي العالم في حالة عجز معنوي دائم إزاء اليهود. ولهذا أصبحت المِخرقة أيديولوجية السيطرة الصهيونية، لا حدث تاريخي.
فمجرد أن نقبل بفكرة إبادة بضعة ملايين من اليهود في غرف غاز مزعومة، وهو ما يشكل نسبة عالية من مجموع اليهود في العالم، نتيجة قرار نازي بإبادة اليهود منهجياً، تصبح القضية الفلسطينية أو العراقية برمتها أشبه بمشادة كلامية بين الجارات في فيلم مصري أبيض وأسود، ويضحك الغربيون واليهود في سرهم من غبائنا كثيراً عندما نتبع طريق مقارنة القضية الفلسطينية بالمِخرقة اليهودية، ففي الأرقام، ضحايا اليهود المزعومين بالملايين، وضحايانا بعشرات أو بمئات الآلاف، وفي الطريقة، هم يدعون الموت الفريد من نوعه في غرف غاز، غير موت البشر العادي بالرصاص والقنابل والتعذيب وما شابه، وفي النسب المئوية، هم يجعلون نسب ضحاياهم في المِخرقة نصف عدد اليهود تقريباً، ويذكروننا بضآلة نسب ضحايانا وتزايدنا السكاني الكبير بهذا الغرض بالذات...
ولهذا كله لا يمكن أن نقارن المِخرقة، لو قبلنا بأساطيرها، بأي شيء أخر، وتصغر القضية الفلسطينية بالذات أمامها.
ولهذا كله لا مفر من تحطيم أيديولوجيا الهيمنة اليهودية: المِخرقة، وتفكيكها علمياً وسياسياً وثقافياً، وهو ما يفعله العلماء المراجعون الذين يتعرضون لأعظم اضطهاد في الغرب!

الأحد, أبريل 15, 2012
Posted in:
0 comments:
إرسال تعليق