الاثنين، أبريل 16، 2012

مهلاً يا نجاد فأراضينا خطوط حمراء!

تستميلني الحكمة القائلة: "إنّ القائد الناجح هو من لا يفقد أعصابه أولاً". فرباطة الجأش والعقلانية في التعاطي مع البيئة المحيطة وضبط النفس في المواقف التي يصعب فيها ذلك هي من صفات النُخبة من القادة. أما الانفعالية والتهوّر في اختلاق مشاكل أو زيادة حدّة المتأجج أصلاً منها فما هي إلا صفةٌ للشخصية المهزوزة والتي يبدو واضحاً للعيان أنها تتزعزع حكمتها –إن وجدت- كلما توترت من حولها الظروف وساءت معطيات الواقع المعاش فلا يكون أمامها إلا إتّباع تصرّف شمشون الذي روته الأدبيات السامية عندما دمّر المعبد على نفسه ومن كان يواجهه بجملته الشهيرة: عليّ وعلى أعدائي!

لم تكن هذه الديباجة لمجرد التأطير العام ولكنها وصفٌ يختصر تشنّجات السياسة الإيرانية الحالية والتي يبدو أنها لكثرة ما "استعدت" من دولٍ ومنظمات لم تَعُد قادرةً على المراوحة والمماطلة والممانعة بين هذه الملفات التي كَثُرت وكَبُرت وزادت من تأزيم الداخل الإيراني والذي يُعاني الويلات منذ تلك الثورة المزعومة في نهاية سبعينات القرن الماضي وما انطوت عليه من تحجيرٍ للعقل وتضييقٍ على الحريات وتكميم للأفواه وإدخالٍ للبلد في سلسلةٍ متجددة من المناكفات والصراعات مع من يدعوهم ساستها "قوى الاستكبار العالمي" وأعوانهم –في عُرفهم-ممن يحاولون جاهدين ايقاف ووأد الثورة الخمينية في المنطقة وهم هنا لا يعنون إلا دول الخليج تحديداً!

إن الصَلف والتعالي والاستفزاز الممجوج الذي شكّلته زيارة الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد لجزيرة أبوموسى الإماراتية المحتلة لم يكن مجرد خروج سافر عن النص، بل كان إسفيناً في علاقات الجوار مع دول الخليج، وتصرفاً أخرقاً لرئيس حكومة يُفترض فيها أن تتعامل بالمثل تجاه هذه القضية والتي حاولت حكومة الإمارات جاهدة أن تُبقها في إطارات الود والدبلوماسية والتفاهم. ولكن تأبى السياسة الايرانية أن تتغيّر سواء اعتلى الكرسي الشاه السابق والذي على عهده احتلت ايران جزرنا الثلاث أو أتت عمائم الشرّ والتي تاجرت بالإسلام أيّما متاجرة، فالفكر ذاته وإن تغيّرت الوجوه والنظرة المتعالية تجاه العرب لا تتبدل في أروقه القصر الرئاسي بطهران واللهجة المعادية و"الاستعدائية" لا تهدأ نبرتها ولا تتوقف سيل النبال التي تطلقها بمناسبةٍ أو بدون مناسبة، لذلك لم يكن بالمستغرب أن يخرج علينا محسن رضائي أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام ليقول بأنّ زيارة رئيس الجمهورية الى جزيرة أبوموسى (الايرانية) "كانت في محلها وخطوة صحيحة"، داعيا الامارات الى "تقديم اعتذار الى الجمهورية الاسلامية الايرانية وعدم الانجرار وراء المخطط الصهيوني"!

هل بعد هذا الصَلف السياسي المتهوّر من صلف؟ ألم يعلموا بأنّ الجغرافيا لا يمكن أن تتغيّر لمجرد أن تعاموا عن حقيقتها وأن دولنا ستبقى جيران حتى نهاية الحياة على هذا الكوكب؟ ألم يعلموا بأنّ الحق الثابت لدولة الإمارات في جُزرها لا يمكن مصادرته بتصريحٍ متشنّج أو زيارة هوجاء طال الزمن أم قَصُر؟ ألا يعلم السيد محسن رضائي أن الإمارات ومنذ نشأتها هي أولى الدول التي تُبادر لمساعدة منكوبي الزلازل والأزمات في دولته على رغم التأزيم المتعمد والمتكرر من طرف حكوماته لقضية الجزر وأنه لا معنى من الإعراب لكلامه القائم على نظرية التفسير التآمري للأحداث عندما هاجم قادة الدولة بقوله: "اذا كانوا يعتقدون أن ايران اصبحت ضعيفة فانهم مخطئون، فايران حاليا اقوى بكثير وستدمر أي عدوان"!، فعن أي عدوانٍ يتكلم ودولتنا منذ ذلك الاحتلال الغاشم في 29 نوفمبر 1971 وهي تطلق المبادرات السلمية الواحدة تلو الأخرى لقادة ايران للجلوس على طاولة التفاوض والتفاهم لايجاد حلٍ عادل للجزر المحتلّة أو رفع القضية لمحكمة العدل الدولية، ثم لماذا ادّعاء القوة والاقتصاد الإيراني يترنّح وعملتها تتهاوى بسقوطٍ حُر وصادراتها من النفط تتقلّص بشكلٍ كبير والحصار الدولي يزداد حِدّة ووطأة لإرغام ذلك النزق والتطرف السياسي ليعود إلى جادّة الصواب!

الكل يعلم بأنّ الاحتقان الشعبي في إيران في تزايد وأنّ الأزمة الداخلية تتنامى وتكبر بمعدلاتٍ واضحة وأنّ سياسات الكبت والإرغام تجعل مستقبل البلد مكفهراً لا يبشّر بخير فضلاً عن انقسام السلطة إلى طرفين متضادين أحدهما مع الرئيس والآخر مع المرشد ورموز المحافظين. ولئن كان نجاد يتبع سياسة الإلهاء للسيطرة على بقية خيوط اللعبة بافتعال هكذا مواقف كما ذكرها نعوم تشوميسكي في الاستراتيجيات العشرة للسيطرة على الشعوب.

إلّا أن الوضع قد أصبح مختلفاً تماماً، فلا الاقتصاد بقادرٍ أن يوفر الغطاء الداعم للسياسات العدائية والاستفزازية للحكومة الايرانية ومشروعها التوسعي، ولا الفكر الديني المتزمت القائم على ولاية الفقيه بقادرٍ على إلهام وإلهاب فكر وحماسة جيل الشباب والذي رأى ما جرّته سياسات "العمائم" من ويلاتٍ على شعبهم وتأليبٍ لدول العالم عليهم، ولا الطروحات السياسية المتزمتة في التعامل مع المجتمع الدولي ودول الجوار بقادرةٍ على فتح قنوات تواصل أو حتى قنوات تعامل مع حكومة لا تلقِ للاتفاقيات ومعاهدات حسن الجوار بالاً!

عندما تنقل وكالة أنباء إرنا الإيرانية الرسمية عن أحمدي نجاد تصريحاتٍ أطلقها أمام مجموعة من ساكني جزيرة أبوموسى قال خلالها إن "كل الوثائق التاريخية تثبت أن جزيرة أبوموسى هي جزيرة إيرانية"، ثم يخرج عقب ذلك رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى (البرلمان) الايراني علاء الدين بروجردي ليُكمل السوء بما هو أسوأ منه بقوله: "أبوموسى جزء لا يتجزأ من أراضي ايران، ومن الطبيعي ان يزورها الرئيس، مثل أي منطقة أخرى في البلاد، الموضوع الذي طرحه المسؤولون الإماراتيون والجامعة العربية، ليس مقبولاً مطلقاً، وملكية ايران الجزر الثلاث موضوع ثابت ودائم، ولا مجال للتفاوض في شأنه". فهل بعد هذه التصريحات من مبرّر أو مخرجٍ لحسن ظن بسياسة وفكر الحكومة الايرانية والتي يبدو أنها تزداد تمادياً وعدوانية كلما احتفظت الإمارات بهدوئها ومساعيها السلمية لايجاد حلٍ لهذه المشكلة التي لا نقبل أنصاف حلول لها؟

إنّ محاولة القفز على مشاكل الداخل الايراني بافتعال "شوشرة" ساذجة ومستفزة لدولةٍ يعيش بها مئات الآلاف من الايرانيين في ظروفٍ معيشية كريمة لا يحلم برُبعها سُكّان طهران نفسها لهي خروجٌ سافرٌ عن نص الدبلوماسية وعلاقات حسن الجوار الأزلي بين الدولتين، لذا لم يكن بمستغرب أن نسمع تلك النبرة الصارمة من الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية عندما استنكر بشدّة تلك الزيارة اللامسؤولة واعتبرها "انتهاكاً صارخاً لسيادة الإمارات العربية المتحدة على أراضيها ونقضاً لكل الجهود والمحاولات التي تبذل لإيجاد تسوية سلمية لإنهاء الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى) عبر المفاوضات المباشرة أو اللجوء لمحكمة العدل الدولية، وإن هذه الزيارة لن تغير من الوضع القانوني لهذه الجزر كونها جزءا لا يتجزأ من التراب الوطني للإمارات" مؤكّدا أن هذه الزيارة وما حواه الخطاب الاستفزازي للرئيس الإيراني يكشفان زيف الادعاءات الإيرانية بشأن حرص إيران على إقامة علاقات حسن جوار وصداقة مع الإمارات ودول المنطقة. وعبّر وزير الخارجية عن استهجانه لتوقيت الزيارة والذي أتى بعد أن اتفقت الدولتان على بذل جهود مشتركة لطي هذه الصفحة من خلال التوصل إلى حل لهذه القضية، وفي الوقت الذي التزمت فيه دولة الإمارات بما تم الاتفاق عليه بين الدولتين رغبة منها في تهيئة الأجواء للتوصل إلى حل يعزز الاستقرار في المنطقة تأتي هذه الزيارة لتعكس خرقاً واضحاً وصريحاً لهذا الاتفاق!

إن جزيرة أبوموسى والتي تبعد عن مدينة الشارقة نحو 60 كيلومتراً وتُقارب مساحتها العشرين كيلو متراً مربعاً والتي تمثل مع شقيقاتها طنب الكبرى وطنب الصغرى مواقع تحكّم مهمة على مضيق هرمز والذي تمرّ من خلاله خمس إمدادات العالم من النفط، ليست مجالاً للمزايدة من قبل دولة الإمارات فضلاً عن التسليم بسياسات الأمر الواقع والتي تنتهجها الحكومة الإيرانية، ولن تهزّ تلك التصريحات المحمومة من بعض رموز النظام الإيراني من ثقة الامارات وإيمانها بحقها الشرعي في عودة جُزرها، وإنّ الإرث العظيم الذي تركه الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله تعالى من تدعيم وسائل وسبل حُسن الجوار وعدم ردّ الإساءة بمثلها واللجوء للقنوات الدولية لاسترداد الحقوق المسلوبة هي ما سارت عليه القيادة الرشيدة حالياً، ولم يكن تنديد الحكومة الواضح بزيارة الرئيس الايراني خروجاً عن ذلك المسار ولكنه تنبيه للطرف الآخر أنّ سكوتنا ليس وليد ضعف وهدوءنا ليس دليل استكانة وأنّ هناك خطوطاً حمراء لا نسمح بتجاوزها، وأنّ من أراد إلهاء شعبه عليه أن يبحث عن أماكن أخرى غير أراضينا وحقوقنا حتى تستر عورات سياساته الهوجاء!

عائشة سيف السويدي

كاتبة إماراتية

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية