الاثنين، مايو 07، 2012

هنود حمر في فلسطين أيضا


ماجد عزام *



يمتلك السيد وليد جنبلاط شجاعة استثنائية في الكر والفر أيضاً و قدرة فائقة على قراءة وتحليل الواقع كما استشراف المستقبل، جنبلاط قال منذ فترة أن الموارنة والدروز تحولوا إلى هنود حمر بالمعنى السياسي طبعاً القرار الوطني بات أسير التفاهم- وحتى التنازع -السني الشيعي، زعيم المختارة تجاهل عامدا متعمداً نصف الحقيقة الآخر، منذ الطائف اصبح القرار الوطنى أسير الطائفية الإسلامية باركانها الثلاث السنة والشيعي والدروز بعدما همش المسيحيون نتيجة لعنادهم الذي أدى إلى خسارتهم الحرب، بعد 2005 نظرياً ربما بعد اتفاق الدوحة وعملياً اضحى القرار سنيا شيعيا فقط أي أن الموارنة تحولوا لهنود حمر بالمصطلح الجنبلاطى، ، بعد اتفاق الطائف بينما الحق بهم الدروز اثر اتفاق الدوحة.



للأسف حتى الآن لم يمتلك أحد الشجاعة للقول أن ثمة هنود حمر في فلسطين أيضاً أن القرار الوطني ظل محصوراً لعقود طويلة بحركة فتح وتوجهاتها قبل أن تدخل حماس الى الصورة فى السنوات الاخيرة ويصبح القرار أسيراً لتوافق او تنازع حركتي فتح وحماس . بدات ظاهرة الهنود الحمر في فلسطين منذ البدايات ربما مع انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة وسيطرة الثوار الشباب انذاك على منظمة التحرير أواخر الستينات من القرن الماضي براءة والق البدايات واحتدام الاشتباك والقتال مع إسرائيل وأطراف أخرى منعت فى الحقيقى تفشى الظاهرة رغم أنها كانت ملحوظة لمن يتابع أو يقرأ بدقة، اورد الشهيد جورج حاوى في مذكراته التي نشرتها مجلة الوسط أوسط التسعينات من القرن الماضي حادثة لافته قال " اجتمعت القيادة الوطنية اللبنانية مع القيادة الفلسطينية للتداول وأقرت مقترح يتضمن تفاصيل عملية، واستدعى الشهيد ياسر عرفات القائد الميدانى الفلسطيني-الشهيد ابو حميد- لابلاغه بمقررات القيادة فرد هذا الأخير أن نسخة من التعليمات وصلتههم منذ الصباح وأنهم باشروا بتنفيذها على الفور " اضاف الشهيد حاوى أن إن كل الحاضرين بما فيهم ابى عمار انفجروا ضاحين ولكن هكذا هو الرجل وهذه هى طريقته .



اثر الخروج من بيروت والضعف الذي عصف بمنظمة التحرير والمشروع الوطني بشكل عام بدت الظاهرة اكثر وضوحا وتمثلت اساسا في هيمنة فتح على مكاتب منظمة التحرير-السفارات- كما معظم المؤسسات الاتحادات الفلسطينية على اختلاف أبعادها واتجاهاتها، في الحقيقة ثمى معطى مهم منع تفشى الظاهرة واستفحالها بشكل كامل تحديدا فيما خص القرار السياسى وتمثل بوجود قيادات تاريخية مثل جورج حبش ونايف حواتمة خاصة الأول الذي كان بمثابة الضمير أو الحكيم للثورة وكان من الصعوبة بمكان تجاوزه خاصة في القرارات الوطنية الكبرى هكذا مثلا تم إسقاط اتفاق عمان وخوض سلسلة طويلة من الحوارات التى التي توجت بإعلان الاستقلال - الدولة الفلسطينية- في الجزائر فى تشرين ثاني نوفمبر 1988.



مع المتغيرات الفلسطينية و الإقليمية والدولية العاصفة التي توجت باتفاق أوسلو او بالاحرى كان الاتفاق ترجمة لها وتعبيرا عنها تكرست ظاهرة الهنود الحمر على الساحة الفلسطينية بات القرار الوطني رهنا بحركة فتح والمتنفذين فيها وبينما تم تهميش منظمة التحرير بل تهشيمها كانت السلطة الفلسطينية و المؤسسات المنبثقة عنها، خاصة الأجهزة الأمنية من نصيب حركة فتح مع بعض استثناءات تثبت القاعدة ولا تنفيها، اندلاع الانتفاضة الثانية والانخراط الوطني الواسع فيها ثم فقدان قائد ومؤسس الثورة المعاصرة بالتالي الحاجة إلى الاصطفاف و الوحدة والتوافق وإعادة بلورة برنامج الحد الأدنى والقيادة المرجعية العليا، بدت جميعهاً وكأنها تؤسس إلى نهاية او انهيار ظاهرة الهنود الحمر، غير أن كان ذلك لم يكن سوى سراب للاسف ، في جولة الحوار الموسعة والمنتجة التي انعقدت في القاهرة آذار مارس 2005 بدا أن الظاهرة تستنسخ أو يعاد إنتاجها ولكن بشكل جديد، أصبح القرار الوطني الفلسطيني رهنا بتوافق او تنازع حركتى فتح وحماس فيما بات الباقون هنود حمر وفق المصطلح الجنبلاطى أحد القادة وصف ما جرى في القاهرة على النحو التالي" اللى بفصلوه حماس وفتح بنلبسوا " وفيما قال آخر إن وثيقة القاهرة التى نتجت عن الحوار هى فى الحقيقة ثمرة لجولات عمر سليمان المكوكية بين جناحى محمود عباس وخالد مشعل .



منذ ذلك التاريخ تبدت ظاهرة الهنود الحمر بحلة جديدة، ذهبت فتح وحماس إلى المحاصصة --اتفاق مكة- ثم الاقتتال دون أي اكتراث لباقى أطراف الساحة السياسية الحزبية الصراخ من هذه الاخيرة لم يجد نفعا أمام احتام الصراع والنزاع بين الحركتين ، ثمة أدلة اضافية على الظاهرة بحلتها الجديدة أهمها منها الانقسام السياسي والجغرافي بين الضفة الغربية وغزة وانتهاكات حقوق الإنسان المتواصلة ضد الجميع-وان بدرجات متفاوتة- البرهان الأقرب والاكثر وضوحا يتمثل فى ما بات يعرف بالورقة المصرية للمصالحة التي كانت في الجوهر نتاج الحوارات بين مصر وكل من حماس وفتح عندما أصبح الورقة جاهزة قدمت أولاً إلى فتح وحماس للتوقيع عليها على ان يتم ارسالها بعد ذلك للفصائل الاخرى وهو الامر الذى لم يتم حتى الان التصرف المصري عبر بدقة عن المشهد الفلسطيني الحالي القرار الوطني رهن بمشيئة فتح وحماس وبقية الأطراف بلا قوة ولا حيلة انهم مجرد هنود حمر وفق التعبير البليغ لوليد جنبلاط. .



انسداد افاق التسوية والتهدئة غير المعلنة فى غزة وتعثر المصالحة واعادة الاعمار واستمرار الحصار كما تقرير غولدستون الذى يفترض انه اسس لمرحلة جديدة فى الصر اع مع اسرائيل مرحلة تلعب فيها مؤسسات المجتمع المدنى والمنظمات الاهلية دورا مركزيا ومحوريا العوامل السابقة تؤكد ان ثمة طريق ثالث فى الساحة الفلسطينية بل اوتوستراد واسع بانتظار من يملاءه بجدارة واقتدار كماة انها تمثل فى السياق بيئة مناسبة لانهاء او على الاقل تحجيم ظاهرة الهنود الحمر .




* مدير مركز شرق المتوسط للدراسات والإعلام

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية