الثلاثاء، أكتوبر 09، 2012
هل هناك تفسير آخر غير التقية؟
مشكلة حزب الله أنه لم يتوقع في يوم من الأيام أن تحدث ثورة شعبية في سوريا تجعله مضطرا لدفاع عن النظام والانخراط إلى جانبه في مواجهة شعبه بالسلاح. لذلك كان زعيمه حسن نصرالله قد بلغ في الفترة التي سبقت الثورة السورية قمة الخطاب الأخلاقي المتعالي الذي نزه فيه الحزب ومناضليه وأغدق عليهم بأوسمة الشرف والطهر إذ جعلهم خيار الأمة الذين لا يمكن لأحد أن يسيء لهم كونهم يتقدمون الصفوف في مواجهة عدوها الصهيوني، وألح دائما على حصر معركته مع إسرائيل فقط.
ولما كان من الحتمي أن يسقط ضحايا في الحروب، كان لزاما أن يلقى بعض مقاتلي الحزب حتفهم على الأرض السورية، وهو ما نشهده بين حين وآخر من إعلانات للحزب عن استشهاد مناضلين أثناء أداء واجبهم الجهادي. وتتعاظم المشكلة أكثر لما يكون هؤلاء من قيادات الصف الأول على غرار علي حسين ناصيف المكنى بأبي عباس إذ يضطر الحزب لإقامة جنازات رسمية لهم لضمان صورته أمام جمهوره، حيث أن التكتم عن مثل هكذا أحداث ودفنهم دون جنازات رمزية قد يحدث أزمة ثقة بينهما، وتصبح كل أعمال الحزب محل شكوك من الأهالي، وإذا كان موتهم ليس شهادة فهذا معناه أن الحزب يزج بأبنائهم في حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، الأمر الذي يجعله في موقف حرج لصعوبة التوفيق بين جمهوره الخاص والجمهور العربي العام، إذ يستحيل أن يحصل ذلك خاصة ونحن أمام خيارين يفصل بينهما نهر من دماء السوريين، فإما مع هذا الطرف أو ذاك.
الواجب الجهادي يفهمه جمهور الحزب من الطائفة على أنهم استشهدوا في سوريا، وهذا على حد تعبير الكاتب عبد الوهاب بدرخان بمثابة السر الذي يعلمه الجميع في الجنوب اللبناني. كل هذا أمر طبيعي وليس بغريب، ولكن الموقف الحرج الذي وجد الحزب نفسه فيه هو في كيفية تبرير ذلك للجمهور العربي الواسع الذي كان مبهورا بحسن نصرالله والذي لا يستسيغ أن يقف الحزب المقاوم إلى جانب نظام دموي يقتل شعبه، خاصة وأن الحزب ما فتئ ينفي وجود مقاتليه في سوريا ويصف ما يجري على أنها مؤامرة ضد محور الممانعة. لذلك لجأ الكتاب والإعلاميون الموالون له لاختلاق تبريرات من قبيل أن الحزب حصلت عنده مثل هذه الأحداث سابقا، وقد يكونوا قتلوا في مراكز التدريب الخاصة أو بسبب عمليات استخبارية.
والسؤال الذي يطرح هو في كيفية تلقي أهالي المقاتلين وجمهور الحزب لهذا الخطاب الموجه للجمهور العربي والذي ينكر حقيقة يعلمونها جميعا ولماذا يتهرب من التصريح بمكان استشهاد قياداته مادامت المهمة جهادية والجائزة الشهادة والجنة؟
لا يوجد تفسير آخر يجعل هؤلاء يتقبلون مثل ذلك غير مبدأ التقية الذي يمثل ركنا أساسيا من المعتقد الشيعي، والذي ترتبط إستمراريته به وفي ذلك نصوص كثيرة ليس هذا مجالها. ويوجد فيديو على الانترنت يقر فيه حسن نصرالله بولائه المطلق لمرجعه المرشد الأعلى الإيراني وأن عدم التصريح بذلك مراعاة لظروف والمعطيات الداخلية والإقليمية التي لا تسمح بذلك. ومصطلح المهمات الجهادية هو مصطلح تقيوي خالص وهو الأسلوب الذي يجيده الشيعة بامتياز.
ما دام الأمر كذلك فلاشك أن حكاية المؤامرة على محور الممانعة والمقاومة لا تخرج عن إطار الخطاب التقيوي بدليل أن حركة حماس وخالد مشعل تحديدا تحولا بين عشية وضحاها إلى متشردين وبائعي للقضية بل وحتى عميلي الصهيونية ومتورطين في اغتيال عماد مغنية. وما يفهمه جمهور الحزب حقيقة أن ما يجري في سوريا هو حرب تستهدف آل البيت وأن الحزب يترك الجبهة الإسرائيلية ويرسل مقاتليه إلى الشام ليدفع عنهم شر أحفاد الأمويين وأن مشروع الثأر للحسين كان يجري على قدم وساق حيث مكن الأسد الشيعة من التغلغل في عاصمة الأمويين ونشر المذهب في سوريا. والمهمة في ظل هذه الظروف تقتضي عدم التصريح بكل هذا، لأنه لما يعلم أعداء آل البيت من أهل السنة ذلك سيحاولون مرة أخرى القضاء عليهم وتصبح سوريا ولبنان كربلاء أخرى.
هذا التصور ليس خياليا، وفي أسوأ الأحول فإن الحزب وجمهوره يتحرك لا شعوريا من هذه الخلفية سابقا ولاحقا، وهذه الأخيرة (أي لاحقا) تعني مما تعني أن من يتوهم أن الحزب أو القوى الشيعية الموالية لإيران والتي تسيطر على قرار الطائفة في العالم العربي يمكن التعويل عليها في مصالحة ما أو ضمن مبادئ مشتركة حتى وطنيا مجرد واهم.
وذلك لأن الحزب ومن على شاكلته إذا أضطر لتجاوز التقية بمستواها التأويلي إلى المستوى التصريحي والمتمثل في الكذب الفاضح فلن يكون من الصعوبة عليه بأي حال نقض عهوده أو التغطية عليها بإثارة زوابع من القضايا إعلاميا، ومن يشك في ذلك ليسأل الحزب عن معنى لبنان وطن نهائي كما أعلن عنه في وثيقته الثانية في ظل المشهد الحالي؟
بوزيدي يحيى
كاتب من الجزائر

الثلاثاء, أكتوبر 09, 2012

Posted in:
0 comments:
إرسال تعليق