الأربعاء، أكتوبر 31، 2012

لجنة الدستور في مصر: آسفَةٌ أَرفُض الطلاق!

تشبه لجنة إعداد وصياغة الدستور المصري لعبة السودوكو المنتشرة بين الشباب والسيدات المصريات وبعض الموظفين الإداريين بالدولة في أوقات العمل الرسمية معلنين جميعاً رفضهم لمشروع نهضة البلاد والعباد أو عناداً وتحدياً لخطط الرئيس الشرعي المنتخب في إعمار الوطن. وجه الشبه بين اللعبة واللجنة أن كلتيهما تتطلبان جهداً وتفكيراً وبعضاً من الملل الذي يصاحبه تجنب ممارستها مرة جديدة ورغم ذلك أول ما يبحث عنه هؤلاء في الجريدة بعد مطالعة تصريحات الجماعة الإخوانية هو لعبة السودوكو. ولكن أعضاء اللجنة ذاتها يذكرونني بشئ آخر لا علاقة لها باللعبة المكرورة المملة، ألا وهي حيلة المرأة المستدامة حينما تطلب الطلاق من زوجها ليل نهار وهي في الأصل تريده وتحبه بل وتتمرمغ في ثرى قدميه، وما هذه الحيلة سوى إضافة نوع من التوابل الحارقة الحارة على حياتها الزوجية. هكذا يقوم أعضاء اللجنة التأسيسية لصناعة الدستور وليس تأسيسه لأنهم بالفعل يصنع دستوراً دونما اللجوء إلى الأعراف الدستورية والدساتير المصرية الضاربة في القدم، فتجد أحد هؤلاء الأعضاء عقب خروجه من اجتماعات اللجنة التي باتت غير ساخنة أو جديدة يهرع إلى محرري الصحف الصفراء والخضراء والحمراء والسوداء أيضاً ويقف بالساعات أمام عدسات القنوات الفضائية الفارغة من الفكرة والمضمون والكوادر الإعلامية ليعرب عن قلقه بشأن مواد الدستور، وتخوفه الشديد من هيمنة التيارات الدينية على صياغة مواده. ليس هذا فحسب بل يعلن رفضه لكل مشاريع المواد الدستورية التي تمت مناقشتها منذ قليل داخل اللجنة، وبالرغم من ذلك الرفض والشجب يأبى أن يتنحى عن عضوية اللجنة بل تراه أول المسرعين ذهاباً في اليوم التالي لمتابعة ومناقشة المواد الجديدة. وكم هو مضحك أنه بمجرد انتهاء مسودة الدستور وانتهاء القراءة الأولية لمواده أن نجد نسبة غير قليلة من السادة الأماجد أعضاء اللجنة التأسيسية يقيمون حفلات تأبين لما قاموا بالمشاركة فيه يندبون ويبكون على ضياع الشرعية ويتباكون على ضياع وتقويض مدنية مصر وانهيار قيم الدولة المدنية رغم أنهم مشاركون أساسيون في صنع هذا الانهيار، وهذا يضعنا في مأزق معالجة هؤلاء نفسياً واجتماعياً من الوجهة السيكولوجية البحتة. فإما هؤلاء يعانون فصاماً ذهانياً معضلاً ولا يدركون وجودهم في أثناء مناقشات أعمال اللجنة التأسيسية، أم أنهم يهابون التيارات المهيمنة على أعمال اللجنة من أصحاب اللحى والتوجهات الدينية الأصولية والوصولية أيضاً فيكتفون بالصمت والابتسامة داخل اللجنة ثم يعبرون عن كبتهم وامتعاضهم فور خروجهم من قاعة المناقشات. إن مجرد فكرة صياغة دستور جديد لمصر في هذا التوقيت أمر بالغ الحساسية السياسية أشبه بالمثل الألماني الذي يقول: نقيم التماثيل من الثلج ثم نشكو من أنها تذوب. فالشعب الذي رفض الآن هيمنة تيارين سياسيين وانفرادهما بوضع دستور ذي صبغة دينية لدولة مدنية هو نفسه الذي هرول منذ شهور ليست بالبعيدة نحو المشاركة في غزوة الصناديق لتصعيدهما نحو سدة السلطة التشريعية والرقابية في مصر. ولولا أن التيارين لم يقدما أدنى أداء برلماني وتشريعي لولا ارتفعت الأصوات بعدم عدالة ودستورية هذه اللجنة التي تعد دستور مصر للمستقبل. وورقة التوت التي سقطت عن التيارات الدينية التي استهوتها لعبة السياسة في ظل فوضى ممنهجة تعيشها مصر هي التي كشفت استخدام الأحزاب السياسية الدعوة الدينية كوسيلة استقواء، وهي التي دحضت مزاعم إصابة الشعب المصري بفقدان الذاكرة التدريجي، بل إن الأداء التشريعي والرقابي المتردي، وتصاعد حدة الرفض الشعبي للتيارات السياسية ذات الهوية الدينية هو الذي أعاد من جديد ظهور شعارات مصر للمصريين والمواطنة والمشاركة لا المغالبة وهي التي أوضحت الهوة السحيقة بين البرلمان والرأي العام. والذين فروا من لجنة تأسيس الدستور سابقاً يكونوا قد أجرموا في حق مصر من زاويتين رئيسيتين؛ الأولى أنهم تخلوا عن البلاد في مهمة قومية تعادل الجهاد، ذلك المصطلح السحري الذي طالما استخدمته التيارات الدينية وهي تتصارع من أجل الصعود السياسي لها، والزاوية الأخرى أنهم تركوا الساحة خالية لتيارين لا يزالان جالسين بمقاعدهما في اللجنة، وكان عليهم الاقتداء بمقولة مالكوم إكس المناضل والسياسي الأميركي حينما قال: يجب أن تثير ضجة لتحصل على ما تريد. فالناجون أو الفارون من اللجنة افترضوا مسبقاً تحويل دستور مصر المدنية إلى وثيقة دينية سلفية قد تقمع الآخر وتستبعده اجتماعياً، وربما وجودهم قد يغير من الأمر شيئاً، اللهم لو سار التصويت على مواد وبنود الدستور بنفس الطريقة التي يجري التصويت عليها في مشروعات وقرارات برلمان المرجعية الدينية المنحل، لكن الأمر هنا قد يختلف كثيراً، فقرارات المجلس الموقر المنحل حول البنزين والانفلات الأمني ومشكلة ترعة المحمودية والحمى القلاعية سات 2، تمر بصورة روتينية لأن أغلب النواب المنحلين قد لا يكونوا من المتخصصين في مجالات يناقشها المجلس، أم الجمعية التأسيسية للدستور فهي الاختبار الأخير لتيارات بعينها للكشف عن مدى صلاحيتها لبناء وتشييد مصر. د. بليغ حمدي إسماعيل

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية