الأربعاء، يونيو 12، 2013

لبنان في لعبة رسم الخرائط: حزب الله أزال حدود لبنان الكبير ووسّع "رقعته الشيعية"

إنها إعادة رسمٍ للخرائط في الشرق الأوسط. الجميع بدأ يقتنع. وهذه الخرائط المرسومة مسوَّداتها بالحبر منذ عشرات السنين، تتكرّس خطوطها بالدم السوري، بعد الدم العراقي... واللبناني، وبدماء كثيرة عربية وشرق أوسطية آتية. لكن أحداً في لبنان لا يجرؤ حتى على الهمس:... وماذا عن لبنان في ترسيم الخرائط؟

إجتاز "حزب الله" حدود الهرمل إلى القُصير بآلاف المقاتلين. وهناك، دفع من دم مقاتليه ضريبة غالية لحسم المعركة. وبعد القُصير، هناك مهمات تنتظره، وأثمان غالية في أنحاء أخرى من سوريا.

 عندما كانت تتوارد النعوش بالعشرات من "أرض الغربة" في سوريا، وفيها نخبة المقاتلين، لم تَظهر على "الحزب" ومحازبيه ومناصريه علامات الوهن، خلافاً لما سرَّبه البعض. والذين شاركوا في المآتم التي يقيمها "الحزب"، أدركوا أنه مستعدٌّ لبذل عشرات الأضعاف من الأثمان البشرية والمادية هناك.

 فهل هناك مَن يستميت في الدفاع عن أرضٍ ليست أرضه؟ وهل مَن يدفع بألوف مقاتليه إلى أرض الأَنفاق والأفخاخ لمجرد حماية حليف عادي؟
 بالنسبة إلى "الحزب"، القُصير أكبر من "أرض أجنبية"، والنظام أكبر من مجرد "حليف".

 وأكثر: ليس صحيحاً أن "حزب الله" أداة إيرانية تمّ تكليفها الدفاع عن النظام. إنه وطهران وبغداد والنظام يخوضون معركة واحدة، ليس فيها رؤوس ولا أدوات. إنها معركة المحور المذهبي الواحد، وفيها يضطلع الجزء بالدور الملائم للدفاع عن الكل. وهذا أبرز أسرار القوة في هذا المحور.

 ليس هناك حساب بين "حزب الله" والرئيس بشار الأسد. وإستطراداً، لا حساب بين الهرمل والقُصير وحمص وحلب والساحل السوري، ولا بين بعلبك ودمشق، ولا بين الجنوب والجولان.

 في مفهوم إرتسام الخرائط، أزال "حزب الله" حدود لبنان الكبير ووسّع "رقعته الشيعية" إلى القُصير وأخريات. وإستطراداً، أزال حدود سوريا المرسومة في العام 1936 لتصبح أكثر إتساعاً، لمصلحة الحليف المذهبي السوري، من الجهة اللبنانية. وكان هذا الحليف قد "توسَّع" طويلاً في لبنان، قبل أن تضطره ظروف 2005 إلى "الإرتداد". ومن هذه الزاوية، يمكن إطلاق البحث عن الحصة اللبنانية من مشهد الخرائط الآتية.

 بين 1925 و1927، وضعت الثورة السورية الكبرى حدّاً لطموحات الأقليات السورية التي كان الإنتداب الفرنسي تجاوب معها، معلناً نشوء 5 دول في سوريا على أساس مذهبي وعرقي ومناطقي: علوية وكردية ودرزية وسنيّة في كل من دمشق وحلب.

 وتؤدي الثورة الحالية إلى إنهاء مفاعيل الثورة الكبرى، وتالياً العودة إلى ما قبلها، إلى مرحلة الدويلات. ويتبيّن أن ثنائي الإنتداب الحالي على المنطقة، أي الولايات المتحدة وروسيا، الذي ورث الإنتداب الفرنسي - البريطاني، بدعم من إسرائيل من جهة وإيران من جهة أخرى، يرسم سايكس - بيكو جديداً. ولأن لبنان الكبير كان وليد المرحلة السورية عينها، فإنه سيتأثر بأي تعديل يطرأ في سوريا. واللافت أن هذا الـ"لبنان" الذي رسا على ميثاق وطني، نواته الأساسية مارونية - سنيّة، يهتزّ اليوم من خلال نواته الشيعية.

 وعندما تُقاتِل "البندقية الشيعية" دفاعاً عن قرى شيعية في سوريا، وعن مناطق علوية قد تترسّخ إقليمياً ودولياً، فهذا يعني في المقابل أن النفوذ العلوي قد يصبح مؤثراً في ترسيخ مناطق النفوذ الشيعي أيضاً، إذا إقتضت الحاجة ذلك. وفي الحالين، هناك وحدة قضية وهدف.

 ومن هنا، يجدر التفكير في كلّ المظاهر السياسية والدستورية والعسكرية الحاضرة في الواقع اللبناني: من "بروفا" الهواجس المذهبية في طرابلس وعكار وعرسال وبيروت وصيدا، إلى تعطيل البرلمان والحكومة والرئاسة، إلى الإرهاصات الفدرالية في "الأرثوذكسي"... و"المؤتمر التأسيسي".

 "لبنان أصغر مِن أن يقسَّم وأكبر مِن أن يُبتلع". هذا الشعار يجب أن يكون صحيحاً، خصوصاً أن الدم اللبناني المدفوع حتى اليوم لتكريس الوحدة أكبر من الدم المراق لتكريس الكيانات. لكن مَن يوقف الإنزلاق التقسيمي، بتأثير من الحدث السوري.

 إنها ليست "نظرية المؤامرة"، كما يتوهّم البعض، بل إنها المؤامرة بعينها. فلا ربيع عربياً ولا مَن "يُربْعِنون". وحلمُ الديموقراطية بعيدٌ عن العرب إبتعادَ الشرق عن الغرب، والجزء الإسرائيلي من اللعبة هو الخفيّ، ولكنه مكشوف إلاّ للمصابين بالعمى!

 فهل مَن يتذكّر، لمرّة، تحذيرات الكبار من المتنوِّرين العرب واللبنانيين، وفي مقدمهم ريمون اده؟

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية