يعيش
لبنان هاجس الضربة، ومن التداعيات حتى الآن: نزوح سوري كثيف، وإرتفاع في
أسعار النفط، وإقبال على المواد الغذائيّة... وسؤال يتناقل: ماذا عن "حزب
الله"؟ إنه امام حسابات جديدة نتيجة "الجبهات المستحدَثة".يكفي أن يُجنّد مئات الشباب ليلاً نهاراً للعمل على حراسة مربّعاته الأمنية في الجنوب والضاحية وبعلبك، للتأكيد أنّ حربه المفتوحة مع "التكفيريّين" بدأت مكلفة، وستستمرّ. كان بوسعه الإفادة من هذه الطاقات الشبابية في مجالات أخرى.
السيارات المفخخة، والعبوات الناسفة، والصواريخ المتنقلة، "جبهة مستحدَثة" لا تقتصر أضرارها على مربعاته بل تطاول جميع اللبنانيين، والحقيقة أنّ الجبهة السياسيّة التي يخوض غمارها قد إستولدت جبهة "إرهابيّة"، كان بوسعه تفاديهما لو وظَّف فائض القوة عنده لخدمة لبنان، لا إيران.
إنخراطه في القتال كان مكلفاً أيضاً. بدأ بسقوط عشرات الضحايا في صفوفه، ويُستكمل الآن بنقل الصراع من الداخل السوري الى الداخل اللبناني لتكون الساحة مماثلة للساحة السورية، على رغم إرادة الدولة، وغالبية الشعب اللبناني.
يخشى اللبنانيون من جبهة جديدة قد يستحدثها الحزب في حال قرَّر التحالف الدولي توجيه ضربة عسكريّة. هناك حبس أنفاس، ماذا سيفعل؟ كيف سيتصرّف؟ وما التداعيات التي سترتدّ على لبنان في حال قرَّر المشاركة في عمليات "الدفاع عن النفس" كما أعلن وزير الخارجية وليد المعلم؟ هناك قطيعة تامة ما بينه وبين الدولة، يُؤخذ عليها أنها لم تعدّ العدّة لمواجهة المضاعفات، والتحوّط لما قد يحصل.
ويأتي الجواب: كيف السبيل طالما أنّ أحداً لا يستطيع أن يعرف كيف يفكّر الحزب؟ وكيف سيتصرّف؟ وهل يُقدم على خطوات منفردة كفيلة بزج جميع اللبنانيين بوحولها، أم أنه سيصغي الى صوت العقل والضمير، ويلتزم الحياد؟!
هناك من يقول إنّ القرار ليس عنده، بل عند الحرس الثوري الإيراني. فهو الذي يقرِّر، وهو الذي يوزّع المهمات، وما على الحزب إلّا أن يستجيب ويباشر بالتنفيذ؟! مشكلته أنه لم يقتنع بعد بأنه خسِر الكثير من رصيده، وصدقيّته عندما أعلن خروجه عن "إعلان بعبدا"، ومشاركته في القتال داخل سوريا. لم يتمكن من إقناع كثيرين بخياراته، على رغم بلاغة السيّد حسن نصرالله وفصاحته، وحججه الدامغة.
لم يتمكن من إقناع فئة واسعة من الطائفة الشيعيّة: هناك قطيعة شبه تامة ما بين الحزب وفاعليات روحية وسياسية وإجتماعية شيعيّة ترفض خروجه من المحيط اللبناني، والإندلاق في الحضن الإيراني. وإذا كان للشيعة مآخذهم على المسار الذي يسلكه الحزب، فكيف باللبنانيين؟!
جبهات يستحدثها الحزب "عا مد عينك والنظر"، مع البحرين، مع السعودية، مع قطر، مع غالبية دول مجلس التعاون الخليجي، ثم مع بلغاريا، وغالبية دول الإتحاد الأوروبي، ومع القارة الإفريقيّة من نيجيريا وغير نيجيريا. ومن المفيد التذكير أيضاً بالجبهات "التقليدية" مع إسرائيل، والولايات المتحدة، وغيرهما. والآن الجبهة داخل سوريا وعليها، والأسئلة التي لا تعرف أجوبة حول موقفه، كيف سيتصرّف؟
وأيّ مفاجآت ستدهم اللبنانيين إذا ما حصلت الضربة، وجاء القرار الإيراني بالرد، ووجوب تحريك صواريخ الحرس الثوري بإتجاه إسرائيل؟! يسأل الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند: ماذا فعلتم لتلافي التداعيات في حال حصول الضربة؟ وماذا تفعلون؟... بصراحة لا شيء.
لا شيء البتة. وماذا بقي لدينا كلبنانيين أن نفعله طالما أنّ حيزاً كبيراً من القرار الوطني يصادره الحرس الثوري ممثلاً بـ"حزب الله"، والبقية الباقية تتحكم به السعودية، كل ذلك وسط تغاضٍ دولي، او إستلشاق، أو سياسة متعمّدة إقتضتها لعبة المصالح في زمن الربيع العربي.
ذهب الشيعة عند السنّة بعد تفجيرَي طرابلس، وجاء السنّة عند الشيعة بعد تفجيرَي بئر العبد والرويس، وذلك لمنع الفتنة المذهبيّة، لكن ماذا بوسع المجتمع المدني أن يفعل أكثر من ذلك إذا كان القرار الوطني مسلوباً ومصادَراً؟! ينادي رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان بالحوار، بالوفاق، بالتلاقي حول الطاولة في القصر الجمهوري، بحكومة وحدة وطنية، بضرورة النأي بالنفس.
لكن لا حياة لمَن تنادي لأنّ القرار لم يعد عند أصحاب القرار. لقد سُلب، وهو مصادَر الآن. وتعِب البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وهو ينادي بالتلاقي والمصارحة، والمصالحة، والتنافس على الخدمة العامة بدءاً بخدمة الوطن، وتوفير إحتياجاته، ولكن لا جواب، ولا حتى صدى. فالوطن مصادر عن بكرة أبيه، ولا أحد يعرف ماذا يريد الحزب، وكيف سيتصرف في ما لو حصلت الضربة؟

السبت, أغسطس 31, 2013
Posted in:
0 comments:
إرسال تعليق