ودعت الأكاديمية الجديدة أمناء المكتبات السويديين لترشيح كتّاب من كل أنحاء العالم ليتنافسوا على الجائزة، كما أدرجت بعض الشروط لقبول المرشحين، فعلى الكاتب أن يكون قد سبق له تأليف كتابين على الأقل، ونشر أحدهما خلال السنوات الـعشر الأخيرة، كما تبحث اللجنة عن عمل أدبي يروي قصة الإنسان، على عكس جائزة نوبل الأصلية التي تتطلع لتكريم صاحب "العمل الأدبي الأكثر تميزاً على الإطلاق".
وعن آلية عمل الجائزة أوضح البيان أنه بمجرد استلام الترشيحات، ستطلق الأكاديمية الجديدة تصويتًا عامًا، مع وضع المؤلفين الأربعة الأكثر شعبية على هيئة المحلفين. وتترأس المحررة آن بولسون لجنة التحكيم، كما تضم أستاذة جامعة جوتنبرج ليزبيث لارسون وأمينة المكتبة جونيلا ساندن، وستعلن اللجنة عن الفائز بالجائزة في أكتوبر/تشرين الاول المقبل، وهو الشهر الذي يتم فيه الإعلان عن الفائز بـ"نوبل للآداب" عادة.
فهل الإعلان عن تلك المبادرة محاولة لتجميل وجه الجائزة الذي علاه التراب أم يمثل خطوة تمهيدية لإعلان موت الجائزة العجوز؟
عالمية مزعومة
يعلق الكاتب التونسي المقيم بباريس أبو بكر العيادي قائلا: لنضع الأمور في نصابها ، لجنة نوبل تعيش منذ شهر أبريل/نيسان الماضي فضيحة أخلاقية تسبب فيها فرنسي هو زوج الشاعرة كتارينا فروستنسن العضو في الأكاديمية السويدية التي تمنح جائزة الآداب، فقد تبين في إطار الحملة العالمية مي تو أنه تحرش بعدة نساء رفعن ضده قضية، مثلما تبين أنه اعتاد أن يفشي أسرار اللجنة وتسريب أسماء الفائزين، في خضم تلك الفضيحة طالبت السكرتيرة الدائمة سارا دانيوس بفتح تحقيق داخلي، رفضه جانب من الأعضاء، وأغلبهم ذكور، ما اضطر السكرتيرة إلى الاستقالة، وتبعتها ثلاث استقالات أخرى، ما قلص عدد الأعضاء إلى 11، وهو عدد دون النصاب القانوني الذي تعتمده الأكاديمية في إسناد جائزتها، أي 12.
بيد أن مجموعة من الصحافيين والفنانين استاءت من هذا الإرجاء فقررت بعث أكاديمية وقتية، وليست بديلا للأكاديمية الأصلية، تتولى إسناد جائزة هذه السنة، فليس من المعقول في نظرها أن يعاقب الأدب بسبب سوء تصرف أعضاء الأكاديمية أو بعضهم، على أن يقع حلها في السنة المقبلة عندما تعود المياه إلى مجاريها.
ويضيف العيادي: "بغض النظر عن هذه المعطيات الجديدة، فإن صورة نوبل للآداب مهتزة من زمن طويل، أولا بسبب انحيازها الواضح حتى نهاية الثمانينات إلى الآداب الأوروبية (بما فيها الناطقة باللغة الإسبانية في المستعمرات اللاتينية القديمة) والأميركية، فحاولت أن تعدل الأمر لتستعيد عالميتها المزعومة، فأصابت مرة أو اثنتين وأخطأت مرات، ورغم أنها حافظت على الانفتاح على ثقافات الأمم غير الغربية، فقد ظلت مرتهنة لتصور أعضائها المحافظين لماهية الأدب، وخلطهم الأدب بالسياسة، فجازت نكرات لمجرد وقوفهم ضد الإسلام مثل نايبول، أو عدائهم للاتحاد السوفييتي مثل جوزيف برودسكي، أو انشقاقهم عن النظام الصيني مثل غاو سنغجيان، وغفلت عن أسماء بارزة أمثال تولستوي، وتشيخوف، وإبسن، وسيلين، وعزرا باوند، وبريخت، وجورج أمادو، وبورخس، وفيليب روث، ويشار كمال، وروبرت موزيل، وشنوا أشيبي، وإيطالو كالفينو، ومحمود درويش… وليس أدل على احتكامها إلى أمزجة أعضائها في أحيان كثيرة إسنادها جائزة 2016 لبوب ديلان، ما دفع فارغاس يوسا إلى القول: "السنة القادمة سوف تمنحها للاعب كرة قدم".
أما الناقد المصري د. صلاح فضل فيرى أن الإعلان عن الجائزة الجديدة دليل على شعور المعلنين عنها بالمسئولية التاريخية تجاه الأدب العالمي، وعلى رغبة في ألا يغيب اسم وطنهم الذي يقرر في كل عام من الذي يوضع على القمة فى الإبداع الإنساني. لكنه يتشكك في إمكانية نجاحها، يضيف الدكتور فضل: في تقديري أن الجوائز بحاجة إلى ثلاثة عناصر جوهرية لكي تضمن نجاحها، الأول أن تكون ذات طابع إنساني، بريء من العنصرية، والتحيز، والغلو، وأن تستهدف رفع منظومة القيم المؤسسة للثقافة البشرية، وهذه قيم من الممكن أن تتوفر في المبادرة الجديدة، لكن الضلع الثاني، وهو دقة وعدالة ونزاهة التحكيم، وكفاءة معايير التفاضل، لا يمكن أن تكون متوفرة بالنوايا فحسب، ولكن لا بد من اختبارها عند التطبيق، أما عن الضلع الثالث، فلا يتم اثباته إلا بالتجربة العملية، وهو اكتساب الثقة من أبناء الثقافات المختلفة، وتقدم المستحقين للترشح عبر هيئات جديرة بتحمل مسئولية هذا الترشح وهذا الجانب أيضًا لا يتوفر في أية مبادرة جديدة لأنه يصنع تدريجيا ويبنى بمرور الأعوام، وبالتالي في تقديري أن نسية نجاح هذه المبادرة واحتمال تبوؤها مكانة موازية لجائزة نوبل للآداب في بدايتها لا يزيد عن 30%.
من جانبها قالت الروائية والمترجمة العراقية لطفية الدليمي، إنه موقف مشرف لهؤلاء المثقفين السويديين الذين شاؤوا أن يردوا الاعتبار لنوبل وجائزته بإعلانهم عن أكاديميتهم المؤقتة. ويخيل إلي أن ألفرد نوبل قد استشاط غضباً – وهو في رحابة الخلود – من خلل لجنة جائزته المخصصة للأدب واختياراتها وسلوكيات أعضائها وفضائحهم، وأظنه اشتعل غيظاً أيضاً مما يرافق الجائزة من مراهنات مشينة – كمراهنات سباق الخيل – تقوم بها مكاتب متخصصة بالتعاون مع دور النشر العالمية لتحصد الملايين من رهانات الجماهير على اسم الكاتب الفائز، ويبدو أن لهذه المكاتب التي حولت فرسان الأدب إلى خيول رهان علاقات خفية مع بعض أعضاء اللجنة الفاسدين الذين لايتورّعون عن اقتراف أحطّ السلوكيات من أجل ملذاتهم وأرباحهم، وهم من حوّلوا مجد جائزة نوبل للأدب إلى سوق بشعة تجللها الفضيحة وسوء الاختيار والتواطؤات السياسية المكشوفة في منح جوائزها بخاصة في السنوات الأخيرة .
لقد لقّن هؤلاء المثقفون الشجعان الأكاديمية العتيقة درساً بليغاً وردّوا الاعتبار لثقافة بلادهم واعتذروا إلى الفرد نوبل الذي ارتكِبت باسمه إنحيازات سياسية في الأدب مثلما اقتُرِفت بسلاحه مجازر الحروب طوال قرن من زمننا الدموي، وأجمل ما في هذه الحركة الاحتجاجية برأيي أن الأكاديمية الموازية ستحلُّ نفسها حال إعلانها الجائزة لهذا العام فتكون قد وجّهت صفعة استنكار مدوية للأكاديمية العتيدة وقالت بصوت عال: سيبقى الأدب قوة عظيمة لمواجهة الظلم وتعزيز القيم الانسانية .
أما الروائي والأكاديمي الجزائري عز الدين جلاوجي فيقول: "لا يمكن أبدا أن نتصور أن الجوائز الأدبية والعلمية الكبيرة ترصد خالصة لوجه الإبداع والمعرفة فقط، ولا يتوقف الأمر عند من يؤسسها ويدفع جائزتها ولكن الأمر يمتد إلى المشرفين ولجان التحكيم والجماعات الضاغطة مما لا يجعلها تختلف عن أي مسابقة فيها تتويج مادي أو معنوي، وجائزة نوبل بالذات ضوء أخضر لمرور أفكار وقيم ستظل تؤثر على البشرية قرونا من الزمن، فمن الحمق أن نعتقد بحياديتها أو على الأقل بقاءها بعيدة عن تأثير القوى العالمية المتصارعة.
وقد تزعزعت صورة نوبل في السنوات الأخير مثلها مثل جوائز عالمية أخرى أيضا، مما يَرْشُح من صراع الفيلة في مضمارها، أو من الأعمال الهزيلة إن لم نقل الرديئة التي صارت تحقق الفوز بهذه الجوائز، ولا شك أن الضمائر الحية في السويد لن تظل صامتة أمام الانحراف الذي طال هذه الجائزة العالمية الكبرى وأصاب تاريخها بالتشويه، لذا وجب إعادة الاعتبار لها بالأساس من خلال افتكاكها من العصابات التي استولت عليها، وأتصور أنه أولى من تأسيس أخرى ستحتاج إلى وقت طويل لإثبات وجودها، ولعل رغبتهم في تأسيس أخرى موازية دليل على أن جهودا بذلت لتحريرها ولم تفلح".
ضد كهنوت نوبل
ويرى الأكاديمي والناقد المصري حسين حمودة، "إنها فكرة إيجابية، لأنها تمثل احتجاجًا على ما يمكن أن يكون نوعًا من "الكهنوت" الذى يحيط بأعضاء جائزة نوبل للآداب، فضلاً عن المشكلات الخفية فيما بينهم، والتي يمكن أن تؤدي إلى مثل هذا الانهيار، الذي شهدناه مؤخرًا لكنها سوف تواجه اعتراضات كثيرة، ممن آمنوا بجائزة نوبل للآداب، وبتاريخها وبتقاليدها، باعتبارها أكبر جائزة أدبية فى العالم كله تقريبًا.
وتوقع حمودة نشوب معركة بين مؤسسة نوبل كلها، من جهة، والمثقفين الداعين إلى هذه الجائزة الموازية الجديدة. وسواء كانت وقائع المعركة المتوقعة علنية أم سرية فمن المؤكد أنها ستؤثر ايجابيا في مستقبل الجائزة القديمة ذات الكهنوت، وربما وعي أصحاب الجائزة الموازية بذلك هو ما دفعهم للتأكيد على أن جائزتهم ستمنح فقط لمرة واحدة، في موعد الغياب المؤقت للجائزة الأم التي يتمنون استعادة وجهها المشرق كموسم للاحتفاء بالأدب وبالسويد نفسها. (وكالة الصحافة العربية)
0 comments:
إرسال تعليق