” في رأيي أن أسوأ اختراعات البشر على مر العصور هي الكنبة و الكرسي، فالأولى تلغي العقل، و الثاني يلغي الضمير” …. هكذا انطلق لساني بعد ساعة من الصمت قضيتها في التفكير فيما نمر به فيما يخص الأحوال السياسية لهذا البلد المسكين- العظيم سابقًا- مصر.
و بدأت أبحث عن من هو أول من صنع كنبة أو كرسي و لكني للأسف لم أتوصل إليه، و يبدوا أنهما من أقدم الصناعات على وجه الأرض، حيث أنه منذ قديم الأزل و هناك طغاة و مستضعفين و مستكينين، و بالتالي لابد من تواجد أداة الاستكانة- ” الكنبة”- و أداة الاستبداد-” الكرسي”- منذ قديم الأزل أيضًا، و بدأ خيالي ينساب ليرسم صورة هذا الشخص الذي صنع الكرسي و الكنبة، فهل كان مجرد نجار؟؟ أم سياسي محترف ألّم بمهنة النجارة؟؟ أم نجار يعمل بناء على تعليمات حاكم مستبد؟؟ أم هو أحد هؤلاء السنيدة من محترفي الدور الثاني الذين يزينون حاشية أي طاغية أو ديكتاتور، و يلعبون بأحلام البسطاء من العامة، ليسلبوهم حقهم الإنساني في العيش بكرامة و حرية.
فالكنبة مبالغة في الراحة حيث لا يكتفي الجالس عليها بالجلوس و حسب بل يتمادى ليصل إلى الاسترخاء و الاستراحة الرحبة التي تصل إلى حالة الترهل في الشعور، فالمستريح على الكنبة يتكاسل عن المشاركة في أي شيء: فهو لايكلف نفسه عناء بذل المجهود في أن يقوم و يحول قناة التلفاز حيث يستند إلى ظهر الكنبة و يقلب بالريموت كنترول و الأدهى من ذلك- في حالة سقوط الريموت من يديه- عادة ما ينادي على أحد ما ليجلب له الريموت من تحت قدميه!!!
كما أنه يتغاضى عن الفكر النقدي لما يُملى عليه فهو متلقي مستهلك ليس بمفكر أو منتج، و هذه هي الكنبة و هذا هو فعلها، فهي تؤدي إلى حالة استرخاء جسدي و ترهل فكري يصل إلى البلاهة، و يتنازل الإنسان عليها عن صفاته البشرية المميزة لجنسه على سائر المخلوقات من تفكير و إنتاج و وعي، فيتساوى مع ما هو دونه في مطالبه التي تنحصر في اشباع غرائز أولية من مأكل و ملبس و مشرب و مسكن ، و لا شيء آخر….
أما الكرسي فيستدعي الجلوس عليه انتباه تام للجهاز العصبي، و استقامة للظهر تجعل من الرأس تاج مرفوع، و يخلق بداخلك احساس بالنشوة لا تعلم مصدرها تجعل رأسك تميل قليلا مع رفع للأنف في كبرياء و تعالٍ، و الكرسي دائمًا ما يجلس عليه صاحب سلطة ما، إما مديرك في العمل، أو والدك في المنزل، أو موظف في مصلحة حكومية، أو ضابط شرطة يدير تحقيق ما، كلها مناصب تتعدد في المكانة و القدر و القيمة و لكن يجمعها أنها ذات سلطة دائمًا ما تتبني سياسة الرأي الأوحد و أنه لا يجب أن تناقش من يجلس على الكرسي في أي أمر يأمر به لأنك تفتقد الخبرة و الحنكة و المكانة التي يتبوأها.
و لذلك تكون طاعة صاحب الكرسي طاعة عمياء و الويل أشد الويل لمن يجرؤ على مناقشة صاحب الكرسي أو تعديل ما أمر به، و مع مرور الوقت تتعاظم الأنا داخل الجالس على الكرسي و يرى أن الكون كله بيديه و سيتوقف و تعم الفوضى أركانه إذا ما ترك مكانه لغيره و هذا ما يجعله يتشبث بكرسيه و يتكالب عليه و يستعمل كل الحيل و الوسائل التي تحول دون أن يصل غيره إلى ذاك الكرسي، و يستوحش قلبه فيتجرد من معاني الحب الإنساني و يحل محله الأنانية و الانتهازية و الحقد الذي يبعده أيضًا عن كونه إنسان له حقوق و عليه واجبات و مفروض عليه العطاء.
و لذلك أدعو لجميع أصدقائي و أنا معهم أن يقينا شر الكنبة و الكرسي و ألا يجلس عليهما أحد من أحبابنا و أهالينا، حتى لا تصيبهم لعنتهما، فعلى الكنبة و الكرسي يا صاحبي لا تجلس……..
تقرير: خالد مكاوى
0 comments:
إرسال تعليق