درعا بحد ذاتها ليست مشكلة إسرائيلية، وإنما الجزء الخاضع لسوريا في الجولان، فوفقا لاتفاقية فك الاشتباك الموقعة عام 1974 تتعهد سوريا بإبقاء هذا الجزء منزوعا من السلاح، وهذا بدوره يطرح إشكالية؛ إذ كيف لقوات بشار أن تدخل هذا الجزء لإخراج الثوار المقيمين هناك. فإذا قامت قوات بشار بذلك دون موافقة إسرائيلية، فإنها تخرق اتفاقا ما يستدعي ردا إسرائيليا يعقد من حسابات أطراف الأزمة كافة.
الجدل الإسرائيلي المحتدم يدور حول خيارات مطروحة، فهناك من يرى بأنه من الأفضل إقناع الثوار بالخروج طوعيا حتى لا يكون ذلك مبررا لقوات بشار في الدخول إلى تلك المنطقة، لكن هذا بدوره يتطلب حصول إسرائيل على تعهد روسي — سوري لعدم التعرض للثوار، والخيار الثاني يتعلق بدخول قوات الأمم المتحدة التي كانت في المنطقة قبل بدء الحرب، والخيار الثالث أن تدخل قوة روسية سورية مختلطة إلى المنطقة لإيجاد مخرج للثوار والنازحين.
هناك من بين الإسرائيليين من يرى بأنه يمكن التعامل مع بشار الأسد، شريطة أن يدرك الأخير أن الوجود الإيراني في سوريا سيكون له تبعات ترهق النظام، فمصلحة تل أبيب هي واحدة وواضحة تكمن في حرمان إيران من المكاسب الجيوسياسية التي حققتها في الحرب في سوريا، فإيران التي استثمرت ما يقارب من ستة مليارات دولار سنويا في الأزمة تسعى للحصول على وجود ثابت ودائم على الأرض السورية، ما يقلق مضاجع الإسرائيليين.
في السابق لم تعارض إسرائيل دخول قوات تابعة لإيران طالما أن هدفها هو إنقاذ الأسد ونظامه من سقوط كان حتميا، غير أن إعلان إيران عن نيتها في بناء قواعد عسكرية دائمة في سوريا، دق ناقوس الخطر في تل أبيب التي بدأت تستهدف هذا الوجود دبلوماسيا وأحيانا عسكريا.
الأنظار ستتجه بعد أيام قليلة قادمة إلى قمة بوتين وترامب المزمع عقدها في السادس عشر من الشهر الجاري، فهناك رغبة روسية في التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة بشأن سوريا، وتسعى روسيا إلى الحصول على اعتراف بوضعها في سوريا وهو أمر لم تعارضه الولايات المتحدة من البداية، والحق أن ترامب لا يريد إبقاء قواته في سوريا لأنه لا مصلحة له هناك غير محاربة داعش وهي مهمة أنجزت. لكن الأمر ليس بهذه البساطة، فأمريكا تربط بين انسحابها من سوريا وإخراج إيران والمليشيات التابعة لها من سوريا بأكملها، وهي مهمة ألمح وزير خارجية روسيا لافروف بأنها غير واقعية.
بتقديري أن الحل هو بيد روسيا، فهي تريد إنهاء الحرب بسرعة حتى يمكن لها الإعلان عن النصر وطي ملف الحرب، وهي من أجل ذلك مستعدة لاحترام مصالح إسرائيل في سوريا، لكن يبقى السؤال يدور حول قدرة بوتين على التوفيق بين المصالح المتناقضة لإسرائيل وإيران. قبل أكثر من شهر فشلت قوة روسية في محاولة إخراج حزب الله من القصير، فهذا المحور يعتقد بأنه قدم تضحيات كبيرة من أجل سوريا ولا يقبل أن يخرج خالي الوفاض.
بكلمة، عنوان الصراع من الآن فصاعدا سيكون الوجود الإيراني، وستقاوم طهران قدر المستطاع المساعي التي تستهدف وجودها لحرمانها من أهم مكاسب جيوسياسة حققتها في تاريخها الحديث.
الشرق القطرية
0 comments:
إرسال تعليق