الأحد، أغسطس 05، 2018
عويس: جنّي مصري صدّر الحريات والمساواة والانتشاء بالمخدرات إلى العالم
الأحد, أغسطس 05, 2018
اضف تعليق
غادر إلى
مصر بعد أن تعلّم اليوغا في الهند، وأتقن الّلغة العربية، ووقع في غرام
التصوّف، واستأجر منزلًا في القاهرة حوّله إلى معمل لاستحضار أرواح الآلهة
المصرية أثناء قضاء شهر العسل مع زوجته روز، ولكن أثناء تواجده في المتحف
المصري فوجئ بزوجته تُردّد: "إنّهم ينتظرونك".
إ رتَبك الشاعر والروائي الانجليزي أليستر كراولي؛ فزوجته لم يكن لها اهتمام بالسحر والتنجيم، تجلّى له شبح مصري، تحدث على لسان زوجته وأملى عليه كتابًا كان رائدًا في الترويج للمساواة الجندرية، والحريات الجنسية، مبكرًا في العقد الأول من القرن المنصرم.
أثّر في ثورة الهيبيين، والنزعات المعادية للثقافة الغربية في ستينات القرن المنصرم، وحَظِيَ بحضورٍ يصعب تجاهله في أغاني الميتال، إنّه "كتاب القانون".
أراد أليستر كراولي أن يتأكد من أنّ الروح التي تُحدّثه من جسد زوجته فرعونية، وسألها عدّة أسئلة عميقة عن الحضارة الفرعونية وكانت تُجيب، نظرَ خَلفه لمرةٍ واحدةٍ حيث تجلّت الروح في أحد أيام الظهيرة ليتبينه بملامح فارسية، ووجهٍ يرتدي قناعًا، سَأَلَه عن اسمه فأجاب: "عويس Aiwass".
أمرت روز زوجها كراولي بالجلوس في مكتبه يوم الجمعة 8 إبريل 1904، وفي اليومين التاليين كتب ما سمع، وكان مطيعًا، ومعه ورق وقلم رصاص بريشة، أحسّ بحضور ساحق ومظلم وراءه، وسمع صوتًا دقيقًا "مذهلًا وعجائبيًا"، وصفه بالعاطفي، والعميق، والموسيقي، والمُعبّر، لأنّه كان خاليًا تمامًا من أيّ لهجة، كان صوتًا غير إنساني، وشعر بالصوت كما لو كان اهتزازًا غريبًا في قلبه.
ان لعويس، يُذكر في الترجمات العربية باسم "إيواس"، مظهر شبحي، طويل القامة، وداكن اللون، وأنيق المظهر، ورياضي الجسد، وذو هيئة أرستقراطية، يحمل ملامح فارسية آشورية، ووجهًا مثل وجه ملك وحشي، ممّا أصاب كراولي بالخوف، لذا لم يُلقِ عليه غير نظرة واحدة، وكان يرتدي حجابًا أو قناعًا.
وعرّف عويس نفسَه باعتباره المتحدث في "كتاب القانون": "تماسك! هذا ما يكشفه عويس وزير حوربركات"، وألهم كراولي ديانة "الثيليما"، وأتباعها يطلق عليهم "ثيليمايت".
يقول عويس بصوته غير الإنساني لكراولي في "كتاب القانون": أنا الأفعى التي تمنح المعرفة..وتُحرّك قلوب الرجال بالسكر..كن سكرانَ..استمتع بالمشاعر والوجد وانتشِ، لا تخشَ من أيّ إله ينكر عليك هذه الأشياء".
ويقدم "كتاب القانون" إلهامًا جديدًا، وإحياءً لعقيدة نويت، وحديت، وحورس، وخصّص لها كلّ فصل من فصوله الثلاثة، إنّه عمل متطور يحمل العديد من المعاني الخفية، والرموز العددية، والأفكار العميقة، ولا يزال منذ ظهوره الأوّل حتّى اليوم تتم دراسته بعناية.
ويشير "كتاب القانون" إلى بداية "عيون" "Aeon"، ويعني بها عصرًا جديدًا ابتداءً من عام 1904، سمّاه باسم "عيون حورس"، وكان قبله عصر أو "عيون" الرب الميّت "أوزيريس" ابن "إيزيس"، وهذا العصر "عيون" يتبع حورس الذي هو ماعت، أو الحقيقة، وتعتبر تلك علامة إتمام دورة كبيرة من الزمن الكوني، بحسب تقرير نشرته مجلة "الفجر الجديد".
ويختلف مصطلح "عيون" قليلًا عن مصطلحات "العمر" أو "الدورة الزمنية"، فبحسب تقرير المجلة تعود كلمة "عيون" إلى المدارس الغنوصية، ويُنظر إليها باعتبارها انبثاقًا من الإله الذي يتوسّط الإنسان والتسلسل الهرمي الروحي.
ولعلّه يقصد بها مفردة "عين" كما يتناولها المتصوفة المسلمون، والتي تحمل معاني مثل: حقيقة الشيء، ومقامات وأحوال الأولياء، والجوهر.
وباستخدام هذا الفهم، لا تعتبر "عيون" مجرد مدة زمنية، ولكن فترة زمنية تحت حكم قوة روحية معينة "حورس" تجلب معها ممارسة وصياغة روحانية محددة، ونبوءة خاصة، في هذا السياق يرى كراولي نفسه نبيًا لـ"عيون" جديد، دينه "ثيليما".
يدعو "كتاب القانون"، بحسب التقرير السابق، إلى التخلّي عن جميع الفلسفات الدينية السابقة، ورفض صورة الإله الميّت الذي يُركّز على الألم والمعاناة والكبت الجنسي والذنب. واستبدلها بصيغة "الطفل الإلهي" حورس، ابن إيزيس وأوزوريس، حيث تجلب براءته الشهوانية والانفتاح. ويرتبط حورس في الوقت ذاته بإله اليونانيين مارس، إله الحرب، لذا يؤمن كراولي بفترة كبيرة من العنف بعد بداية "العيون" الجديد الذي سيستمر حتى الإعلان النهائي لـ"عيون ماعت".
وفي الأساطير المصرية يمتلك حورس شقيقًا شرّيرًا يُدعى ست، وهو يُمثّل روح "عيون" حورس حيث تمتاز بالكآبة، والتقلب، والبرودة، وعدم التوقع.
وبالنسبة إلى الوصايا الأخلاقية التي أملاها عويس في "كتاب القانون" نَلمح شكلًا من الأناركية مع الحرية الكاملة للفرد، ويقابل ذلك مسؤولية كاملة، ينصّ "كتاب القانون": "افعلوا ما تُمليه عليكم إرادتكم؛ فهذا هو القانون الكلّي". فهو لا يقول افعلوا ما يحلو لكم، أو ما تشاؤون، ولكن تتبعوا مصيركم الحق، هذا القدر يأتي عندما تعثر على نفسك فعلًا، هذه الذات الحقيقية تُعرف باسم الإرادة، أو النجم، والعلاقة بين النجوم هي "الحب"، ومِن ثَمّ "الحبّ هو القانون، الحبّ تحت الإرادة".
مفاهيم الإرادة والحب مركزية في "كتاب القانون"، ويربط بين النجوم في السماء والكينونات البشرية على الأرض، وتعتبر السماء في مصر القديمة الحياة الآخرة، وعندما يموت الشخص يُصبح "نجمًا"، ولكلّ نجم مكانه الفريد في الكون ومداره الخاص ومصيره، وهذه المُثُل الأساسية في البُعد السياسي لديانة "ثيليما" حيث "كلّ رجل وكلّ امرأة نجم".
ويؤمن "كتاب القانون"بالنخبوية، يقوم على مفهوم "آريتي" أو التفوق، ويمكن أن نُفسّره بأنّه "الجدارة"، على الرغم من أنّ الفرد مزوّد بإمكانية الحرية الكاملة، فهو يجب أن يمارسها في مسعى لإيجاد نفسه، أو كما ينصّ الكتاب: "ليس لك الحق في شيء سوى القيام بإرادتك".
كينيث غرانت"2011-1924" أحد الممثّلين الأكثر إثارة للجدل لـ"ثيليما" في القرن الماضي، يرى أنّ وجهة النظر الهيبية المُستَغرِقة في الملذّات، وهي النسخة الشعبية لتلك الديانة في الستينات والسبعينات، روّجت لوجهة نظر ضيّقة.
بدأ غرانت يُحقّق في أفكار "كتاب القانون"، متتبعًا أصولها في الثقافات السابقة، وجد أنّ التعاليم المُتعلّقة بالجنس في الكتاب ليست مجرد دعوات لقضاء وقت جيد مع فتاة، ولكن جزءًا من تقليد تانتري أو يوغي قديم، يُطالب بانضباط كبير، ومثابرة.
التعاليم العامة لـ"كتاب القانون" تعرض مستوى من الإرشاد والتوجيه للرجل والمرأة العاديين، إنها تعاليم داخلية يمكن أن تتماشى مع التانترا، واستمرت هذه التعاليم في الغرف المغلقة للخيميائيين والسحرة.
هذا الفهم الجديد لـ"ثيليما" يعتبر إعادة لثقافة طائفة تيفونيان المصرية، ويصل بنا إلى إعادة اعتبارها كشكل فريد للإيمان الفرعوني بالآلهة مع فلسفة اجتماعية وسياسية وروحية متقدمة للغاية، وفي جوهرها الكشف عن "عيون" جديد عبر التواصل مع ممثل غير أرضي "عويس" ومعه آخرون، وتمثّل استمرارًا لأقدم الأشكال الدينية المعروفة في مصر وما خلفها.
لذا يعتبر التقرير أنّ فلسفة ديانة "ثيليما" و "كتاب القانون" تمنحنا لمحة فاتنة حول تكييف الديانة المصرية القديمة لتتماشى مع العصر الحديث.
يكتب سكوت ثاير في مقال على موقع "كايرو
سين" أن ما حدث لكراولي وزوجته أطلق دينًا وفلسفة جديدين استمر تأثيرهما في
كل شيء منذ الستينات حيث النزعات المعادية للثقافة، من البيتلز إلى الهيفي ميتال، ولكن هذا الرجل باتت سمعته في الألفية الجديدة سيئة، ولُقب بأنه "أخبث رجل في العالم"، وربطوا اسمه بالسحر والشعوذة وعبدة الشيطان.
ويدافع ثاير عن كراولي بأنه كان مستاءً من
التربية الدينية المتشددة التي وُلد فيها، ووصفته أمه بـ"الوحش"، وأحبّ
كراولي هذا اللقب، وأكمل نشاطه الذي بدأ ينمو ضدّ التسلّطية، وسيشير إلى
نفسه بعد ذلك باعتباره الوحش العظيم 666.
عندما ذهب إلى مصر وتجلّى له عويس وسمّاه
"رسول حورس"، وكتب في الوقت الذي لم يكن للمرأة فيه حق التصويت: "أقول أن
"كل رجل وامرأة هو نجم" نحن لا نخدع ونضرب النساء، ولا نكرههن، ونسيء
إليهن، بالنسبة لنا المرأة في حد ذاتها مطلقة، أصيلة، مستقلة، حرة، لها
تبريرها الذاتي تمامًا مثل الرجل".
وروّج لأفكار مثل تحدّي الأعراف والتقاليد،
والحياة بحسب إرادة الشخص بدون تدخل إرادة الآخرين، كان كراولي صوت
المساواة الجندرية، وتحدّث علنًا ضد استغلال الأطفال، وناصر توسّع العقل
عبر المخدرات، مثل الحشيش والكوكايين، وكان متقبّلًا للمثلية.
ويوجز ثاير: كراولي هو جزء من العالم الذي نعيش فيه الآن، واللحظة الفارقة كانت في القاهرة.
0 comments:
إرسال تعليق