السبت، سبتمبر 22، 2018

العراق.. الأحزاب الطائفية لا تبني ديمقراطية ولا اقتصاد مزدهر

أكثر من خمسة عشر عاما مرَّ حتى الآن على حكم الطائفيين الفاسدين برعاية المحتل الأمريكي أولاً، وهيمنة إيران على القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومنها الخدمية، والبيئية، ومن خلال الفئات الحاكمة ذاتها، على الكثير من الإجراءات القضائية، ثانياً، رغم إن الدور الأمريكي لم ينته بعد ولن ينتهي ما دامت السيطرة الفعلية الإيرانية على السلطتين التنفيذية والتشريعية، وبحدود معينة على السلطة القضائية، شئنا ذلك أم أبينا.
العلاقة الجدلية الحاكمة والحاسمة بين السياسة والاقتصاد، وتوابعها في السياستين الداخلية والخارجية العراقية، تبدو بأجلى وأصرخ مضامينها ودلالاتها. وليس هناك أدل على ذلك من الحراك المدني الذي بدأ من جديد في العام 2015 وامتد ليشمل الانتفاضة الشعبية الجماهيرية في البصرة وبقية مدن الجنوب، المناهضة لتلك السياسات والقوى الإقليمية والدولية المتحكمة فيها. وقد بدأت الحكومة الحالية الطائفية بامتياز، باستخدام قوات الأمن والحشد "الشعبي" والميليشيات الطائفية الشيعية المسلحة والقوات الخاصة بقمعها بكل السبل المتاحة لديها، ولاسيما حملة الاعتقالات الواسعة وأساليب والتعذيب الصدامية البعثية- الإسلامية الشيعية الجادرية، على وفق التعبير النابت الذي استخدمه الكاتب المبدع الدكتور رشيد الخيون بصدد التمييز بين حسين الغاضرية، (أحد أسماء كربلاء، الطف، نينوى...)، وحسين الجادرية لصاحبها نوري المالكي.
لماذا لا تستطيع هذ الفئات الطائفية الرثة الحاكمة بناء الدولة الديمقراطية الحديثة؟ هذه الحلقة تجيب عن هذا السؤال، في حين ستجيب الحلقة الثانية عن عجزها على بناء اقتصاد وطني مستقل ومتوازن ومزدهر.
هذا السؤال والمشروع يؤكده الوضع المأساوي والكارثي الذي يعيشه الشعب العراقي ومشكلاته المتفاقمة منذ عقد ونصف. والإجابة على وفق رؤيتي يمكن في أن حكام الدولة العراقية الهامشية الراهنة:
  •     لا يعتقدون ولا يؤمنون بأن عليهم بناء الدولة الديمقراطية العلمانية ولا المجتمع المدني الديمقراطي على وفق هوية المواطنة الموحدة والمتساوية، بل يعملون على تعزيز مكانة الدولة المعتمدة على هوية فرعية واحدة هي الهوية الشيعية دون الهويات الأخرى ويعملون على بناء دولة ثيوقراطية مماثلة لدول إيران الشيعية المذهب الطائفية الهوية وممارسة هذه الإيديولوجية الدينية الطافية باستبداد شرقي مريع ومدمر وحدة الشعب وازدهاره.
  •  إن هذا الحكم القائم يمار التمييز بأقسى وأشنع أشكاله إزاء أتباع الديانات والمذاهب الأخرى منطلقاً من قاعدة شاذة وغير ديمقراطية تؤكد بأن دين الدولة العراقية هو الإسلام، في حين أن الدولة لا دين لها، وهي حيادية إزاء جميع الأديان والمذاهب، إن الدولة التي يفترض أن تبنى في العراق هي التي تفصل بين الدين والدولة وبين الدين والسياسة.
  •  إن حكام هذه الدولة النفطية (على شاكلة دول الموز) لا يؤمنون بالوطن العراقي المستقل وصاحب السيادة الوحيد على أرضه وثرواته ومستقبل شعبه، وهم بعيدون كل البعد عن القناعة بصواب استخدام هذه الثروات لصالح الشعب وتقدم اقتصاده وتطوره وازدهار حياة ومعيشة وعمل شعبه.
  •  إنها حكام هذه الدولة فاسدون شريرون نهبوا وفرطوا وهربوا عشرات المليارات من الدولات الأمريكية وسيطروا على عشرات الآلاف من الهكتارات من الأراضي والعقارات في بغداد وفي كل أنحاء العراق، كما هربوا النفط الخام ولا يزال هذا الفعل الإجرامي مستمراً.
  • إن حكام الدول النفطية سخّروا لأنفسهم ولتوابعهم السلطات الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية والهيئات والمؤسسات المستقلة كافة لتحقيق مصالحهم، واستباحوا الدولة كلها لصالحهم دون ذمة أو وخز من ضمير.
  • استخدم هؤلاء الحكام السادرون في غيهم السلاح والرصاص الحي وخراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع وأساليب الغدر والاعتقال والتعذيب كافة، وداسوا على الدستور بأحذيتهم وكلاشاتهم، لشل الحراك الشعبي لصالح التغيير وضد النظام الطائفي المحاصصي الفاسد، واديا الى استشهاد وجرح وتعويق الكثير والكثير جداً من أبناء وبنات الشعب منذ سنوات الجماهير في العام 2011 وما بعده وفي الوقت الحاضر.
  • هذه الفئات الحاكمة لا تعتقد بالدولة المؤسسية الديمقراطية ولا بالمبادئ الديمقراطية وشرعة حقوق الإنسان، بل تعتقد وتؤمن بمصالحها الذاتية أولا وقبل كل شيء، وتستخدم بالديمقراطية الشكلية كأداة للوصول إلى السلطة، كما فعل "الرجل الفاقد للبصر والبصيرة، نوري المالكي، وعلى حد تعبير أحد الطائفيين حتى النخاع من قياديي حزب الدعوة وقائمة " دولة القانون!".
  • في هذه الدولة الطائفية نشأت وتطورت وتحكمت في البلاد ميليشيات إسلامية سياسية فاشية السيرة والسلوك، فاشية الأساليب في قمع المطالبين بحقوقهم، بزجهم في زنزانات بسراديب سرية، وممارسة أشد الأساليب القمعية مع المعتقلين التي تنتهك بشكل كامل حقوق الإنسان، بما فيه احتمال الموت تحت التعذيب، إذ لا نعرف ما يجري للكثير منهم ممن يختطف من الشوارع من قبل هذه الميليشيات المافيوية، إلا ما رشح منها عند خروج بعض المعتقلين أحياء، وأغلب هذه الميليشيات يعود لأحزاب مشاركة في الحكم، ومنها الأكثر تابع لإيران وبعضها للقوى الإسلامية السياسة التكفيرية. وما يجري في البصرة يؤكد ما نؤكده من استخدام اُساليب فاشية في التحقيق.
  •  في هذه الدولة حكام وقادة ميليشيات طائفية شيعية مسلحة تقدم ولاءها الأول والأخير للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران علي خامنئي وتقلده فيما بفتي به لها، وبالتالي فهي في قراراتها ليست مستقلة وليست لصالح العراق، بل ما يقرره المرشد لمقلديه ولصالح إيران وسياساتها الداخلية في العراق والخارجية للعراق. مثل هذا الأمر بعيدً كل البعد عن مصالح وطموحات الشعب العراقي، فهو لا يريد الخضوع لدولة مهيمنة أو مستعمرة له وتريد تحويل العراق إلى ولاية تابعة لحكم الإمبراطورية الإسلامية الشيعية الإيرانية، كما صرح مسؤول كبار جداً في غيران قبل أشهر ولا زالوا يرون في العراق "دار سيدهم المأمونة!".
  •   وفي هذه الدولة توزع المناصب في الدولة بسلطاتها التنفيذية والتشريعية والقضائية على أساس المحاصصة الطائفية أولاً وعلى أسس بيع وشراء المناصب الحكومية ايضاً وثانياً، وعلى أساس رضا الدولة الإيرانية على هذا المسؤول الأول أو غيره بالأساس. هذا يمس منصب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء والوزراء ...الخ. وفي مثل هذه الدولة تضيع الكفاءات والقدرات التي حملها بناء وبنات العراق من مثقفين ومثقفات وعلماء ومختصين ومبدعين في جميع الحقول والمجالات.
  •   مثل هذه الدولة لا يمكنها محاربة الإرهاب لأنها قائمة على التناقضات والخلافات والصراعات الدينية والمذهبية وعلى المصالح الذاتية لكل من هذه الأحزاب الإسلامية السياسية والقومية والمستعدة لتحويل الخلافات إلى قتال مسلح، كما سيفلت الأمر من يديها كما حصل في اجتياح الموصل ونينوى وقبل ذاك المحافظات الغربية بقوى القاعدة الإرهابية ومن ثم قوى تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي (داعش). وبالتالي يمكن أن تتفجر في أي لحظة معارك واغتيالات وعمليات إرهابية وتفجيرات انتحارية في جميع أنحاء العراق، وهو ما يخشاه الشعب والمواطن.
  •  ومن المحزن والمؤذي أن نرى ونعيش كيف تدخلت، ولا زالت تتدخل، أيا كان نوع التدخل، المرجعيات الدينية الشيعية والمؤسسات الدينية السنية، بالشأن السياسي العراقي وشؤون الدولة العراقية الداخلية والخارجية، وهو أمر بالغ الخطورة ويلحق أضراراً كبيرة بالدين والدولة، بالمرجعيات والمؤسسات الدينية وبالشعب العراقي والحكم في آن. إننا عشنا بالأمس واليوم أيضاً تدخلاً لتأييد بقاء النظام السياسي الطائفي والتوزيع المناصب على ذات الأسس التي دفعت العراق إلى مستنقع البؤس والرثاثة والموت والتخلف، ومرست أساليب لاستبعاد بعض الفاسدين من رئاسة الوزراء، ولكنها أبقت عملياً على النمط السابق، فلا إصلاح ولا تغيير منشود يرتجى، إنه ليس إلَّا كلاماً يقال ليلاً ويمسح نها
في مثل هذه الدولة لا يمكن للحكام أن يبنوا دولة ديمقراطية حديثة ولا مجتمع مدني حديث، لأنهم ليس أهلاً له ولا مؤمنين بهما. وعليه لا بد من تغيير هذا الوضع جذرياً.

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية