فبعد ثمانية عقود على ما عاشته ألمانيا في حكم النازية، تبدو المقالات الصادرة في ذلك الوقت خارجة عن الزمن، ففيما كان الناس يموتون في معسكر الاعتقال داخاو لم يتردد صحافي في "نيويورك تايمز" في تصويره بأنه أشبه بمكان للراحة.
وفيما كانت القوانين العنصرية تُقرّ، تجرّأت صحيفة "باري سوار" على الحديث عن أن المؤتمر السابع للحزب النازي "كشف النقاب عن ألمانيا قويّة".
يجول كتاب "برلين 1933" لدانيال شنيدرمان بالقارئ على مختارات من الصحف الفرنسية والإنكليزية، وروايات المراسلين الصحافيين.
ويقول الكاتب "في الوقت الذي كان هتلر يتوعّد ويهدّد، تقزّمت لغة الصحافة الأجنبية إلى ثرثرة خارجة عن الزمن"."ويتخيّل دانيال شنيدرمان في كتابه حوارا حول هذه المقالات مع والدته اليهودية الناجية من أهوال الحرب العالمية الثانية.
ويقول "كان بإمكان وسائل الإعلام الديموقراطية أن تكون ذات أداء أفضل، أن تبدأ بإعطاء الصوت للضحايا".
في الأشهر الأولى من إرساء نظام هتلر، كانت هناك "إشارات عدّة" مقلقة تجاهلها الصحافيون الأجانب الموجودون في ألمانيا، كما يقول.
بين السطور
لا شكّ أن قوّة الدعاية النازيّة والرقابة المشدّدة التي كانت تفرضها السلطات أثّرت على التغطية الصحافية وقلّصت مساحة العمل أمام وسائل الإعلام الأجنبية.
ففي السنوات السابقة للحرب، طُرد من ألمانيا عشرون صحافيا، أما الباقون فقد عاشوا تحت رقابة صارمة.
وبعد انتهاء الحرب وسقوط نظام هتلر برّر كثيرون من هؤلاء الصحافيين كتاباتهم بالقول "كان ينبغي القراءة بين السطور".
لكن العداء الغربي للشيوعية والعداء لليهود الذي تصاعد في الثلاثينيات جعل كثيرا من وسائل الإعلام تتجاهل الشهادات المرعبة الآتية من شوارع ألمانيا عن حوادث اضطهاد.
وكان كثيرون من المسؤولين عن وسائل الإعلام يرون أن اضطهاد اليهود ليس سوى عنصر من بين عناصر كثيرة من المشهد العام الذي يظلّله خطر حرب أوروبية، بحسب الكاتب.
ويضيف "في بحر من اللامبالاة"، كان قلّة من "الأبطال المنسيين" من الصحافيين يتمتّعون برؤية ثاقبة، لكنهم كانوا أشبه بصوت صارخ في صحراء مقفرة.
ومن هؤلاء الصحافيين الأميركية دوروتي تومسون والبريطاني نورمان إيبوت وغيرهما ممن طردهم نظام هتلر لأنهم أدركوا كيف يعمل النازيون على إخفاء فظائعهم تحت ستار حياة يومية طبيعية.
في فرنسا، كانت صحيفة "لومانيتيه" الشيوعية وحيدة في مقارعة الهمجية النازية، ثم تبعتها في ذلك شيئا فشيئا صحيفة "لا كروا".
يقول دانيال شنيدرمان إن كتابه هذا ولد من رحم "الخوف من ترامب"، متخوّفا من انفلات زمام الأمور والعجز عن "كبح القطار المجنون"، مع أنه يرى وجود فوارق كثيرة بين الرئيس الأميركي وهتلر.
لكنه يدعو، على غرار صحافيين كثيرين، للبحث في الوسائل اللازم استخدامها في مواجهة التيارات الشعبوية، قبل أن تسفر عن هتلر جديد بشكل لا يمكن توقّعه.
ويقول "آمل أن يكون كتابي وسيلة لنزع سلاح النمط الهتلريّ".
0 comments:
إرسال تعليق