لم يلف الغموض اي ملف لجريمة سياسية، بمثل الغموض الذي احاط ملف جريمة اغتيال معروف سعد، لان كشف الجناة وملابسات الجريمة، يعني كشف من ورَّط لبنان واللبنانيين في حرب استمرت سبعة عشر عاما، وفق ما يقول النائب اسامة معروف سعد، وعلى الرغم من ان ملف التحقيقات باغتيال الزعيم الشعبي معروف سعد بقي فارغا من اي معلومات ذات قيمة، الا ان معطيات ومعلومات ما تزال محفوظة في الذاكرة الشعبية، يرويها مجموعة من الذين عايشوا يوم السادس والعشرين من شباط عام 1975، وتناقلها الصيداويون على امتداد اربعة واربعين عاما، وما يرويه مواطنون وصيادون عايشوا تفاصيل اليوم المشهود في حياة الصيداويين، يُدلّل على اجواء الحدث الدامي الذي عاشته عاصمة الجنوب قبل اكثر من اربعة عقود:
«هناك شيء ما يُحضَّر ضدنا»...
«فرَدَّ معروف «لن اخذل المعترين ونلتقي بالمظاهرة»
قبل ساعات من موعد التظاهرة المقررة في السادس والعشرين من شباط، وصلت الى معروف سعد الذي كان يعاني من «كريب» حاد، معلومات تتحدث عن ان هناك نوايا للتصدي للتظاهرة، لكنه لم ينصع لنصائح رفيقه المربي الصيداوي محيي الدين حشيشو القيادي في الحزب الشيوعي اللبناني الذي اوفد حشيشو (ما زال مفقودا منذ العام 1982، اثر اختطافه من قبل عناصر حزبية في صيدا، بعد ساعات على اغتيال بشير الجميل الذي كان انتخب رئيسا للجمهورية)، لابلاغ معروف ان «هناك نوايا لدى السلطة لمواجهة المتظاهرين... وان شيئا ما يُحضَّر ضدنا، وان على معروف توخي الحذر وعدم المشاركة في التظاهرة، وكان ردَّه « لن اخذل المعترين، نراكم في التظاهرة».
يؤكد على حرص معروف سعد في ذاك اليوم على الحفاظ على سلمية التظاهرة، وهو شارك شخصيا في ازالة اطارات مشتعلة لفتح طريق من هنا او هناك، لكنه تقدم تظاهرة الصيادين، وباصرار على التحدي والمضي الى جانب «المعترين» في صيدا، بالرغم من المخاطر الامنية التي تم استشعارها قبل ساعات من جريمة الاغتيال.
في ذاك اليوم، كان المطر يُغرِق صيدا، والحركة في الشوارع تكاد تكون معدومة، باستثناء انتشار كثيف للجيش اللبناني، انطلقت التظاهرة من صيدا القديمة نحو شارع الاسواق التجارية المعروف بشارع الشاكرية، باتجاه سوق الخضر وصولا الى ساحة النجمة، فسمع المتظاهرون صوت انفجار صغير، قال بعض الشهود انه «اصبع ديناميت»، ثم تلاه بضع رصاصات، ليسقط معروف سعد ارضا، واصيب احد مساعدي معروف بيده التي كانت تحمل مظلة لتحمي معروف من زخات المطر المتساقط، وحصل ارباك في صفوف المتظاهرين الذين هب العشرات منهم لنقل معروف الى مستشفى الدكتور لبيب ابو ظهر، ومن ثم الى مستشفى الجامعة الاميركية، وعلى اثر الاصابة، تدهور الوضع الامني في صيدا، انتشر المئات من الصيداويين في الشوارع الرئيسة وقاموا بقطعها بالاطارات المطاطية، فيما انسحب قوة الجيش التي كانت انتشرت على اثر اصابة سعد، وبدأت الوساطات لفتح الطرقات، بعد ان اعلن رئيس الحكومة رشيد الصلح نيته التفاوض مع الصيادين، لكن ما كان يجري في موازاة ذلك ترجم نية السلطة بالتصعيد، ففيما كانت المفاوضات تدور، كانت دبابات وناقلات الجند تصل الى صيدا ليتدهور الوضع الامني مساء، بعد ان تعطلت الاتصالات الهاتفية مع الحكومة ورئيسها.
اولى الرصاصات التي اُطلِقت... كانت موجهة الى معروف
{ ملف الجريمة في الادراج }
مع كل ذكرى سنوية للشهيد معروف سعد، ترتفع المطالبة بكشف الجناة والجهات المتورطة، مع ان امين عام التنظيم الشعبي الناصري النائب اسامة سعد الذي تسلم امانة الدم من شقيقه النائب الراحل مصطفى معروف سعد، يعتبر في حديث مسجل... ان الجريمة سياسية كان الهدف منها ادخال لبنان واللبنانيين في الحرب الاهلية التي اندلعت في الثالث عشر من نيسان، اي بعد اقل من سبعة اسابيع على اطلاق النار على معروف سعد، وفي حالة هذه الجريمة، فان كشف الجناة يعني كشف الجهة المتورطة في اشعال الحرب عام 1975، وان من شأن الضغوط السياسية ان تمنع كشف حقيقة الجريمة، ويضيف: «نحن دوما نطالب بكشف الجريمة، لان من حق اللبنانيين ان يعرفوا كل التفاصيل، لانها ادخلتهم في حرب استمرت 17 عاما، ويكشف سعد انه لم يكن باستطاعة معروف سعد ان يتحدث خلال خضوعه للعلاج في مستشفى الجامعة الاميركية، لكنه كان بامكانه ان يكتب، فسجل على ورقة العبارة التي كانت مكتوبة على جدار وقف قربه العسكريون الذين اطلقوا النار «لا للاتفاق السعودي ـ المصري»، كأنه اراد ان يقول ان العسكري الواقف قرب هذه العبارة هو مطلق النار، وخلال كل هذه السنوات، كانت الدولة في خانة الاتهام ..فهي ما زالت تحفظ ملف الاغتيال في ادراج المجلس العدلي وهي لا تحرك الملف، والخطورة ان تتعاطى الدولة في ملفات تتسم بالاهمية، حيال رجل قدم حياته من اجل بلده، بهذا المستوى الخطر من الاستهتار».
اما قضائيا، فان قاضي التحقيق في ملف الاغتيال القاضي وليد غمرة، تحدث في تسجيل خاص عن تحديد نوع السلاح الذي اًطلقت منه رصاصات التي اصابت معروف، وقال «اخذنا شظية الرصاصة وتبين لي ان دورية عسكرية كانت تقف عند طرف قصر العدل (القديم) ويظهر عناصرها في صورة فوتوغرافية التقطت في حينها، في الصورة هناك جيب عسكري يصوب بندقيته ويطلق النار مستندا على الجيب، وتمكنا من معرفة اسماء العسكريين، وطلبت من قيادة الجيش تسليم البنادق الخاصة بخمسة عسكريين، اظهرت التحقيقات ان الرصاصة التي اصابت معروف اُطلقت من بندقية العسكري (م.د.ر) وهو من احدى قرى منطقة الشوف.
اربعة واربعون عاما مضت، وبقي الملف خاويا، الا من شظايا رصاصات استقرت في جسد زعيم شعبي وقائد سياسي، شرَّع اغتياله ابواب حرب اتخذت اشكالا طائفية ومذهبية ومناطقية، ما زال اللبنانيون يعانون من ويلاتها ومآسيها، فيما بقي مطلق النار على معروف سعد في عداد «المفقودين»!.
0 comments:
إرسال تعليق