الأحد، يوليو 28، 2019

صراع الإخوة.. حرب «شيعة لبنان» الدامية


رغم بشاعة وفظاعة تلك الحرب واتساع مداها، لكن أحدًا لا يكاد يتذكرها، وذلك لأن كلا طرفيها لم يعد من مصلحتهما نبش ذلك الماضي القريب وإعادة قراءة فترة أصبح فرقاؤها أصدقاء اليوم وحلفاء الدم.

فمن يتخيل الآن، أن وقتًا من الأوقات شهد حربًا بالوكالة بين سوريا وإيران، وبين حركة أمل وحزب الله، أبناء الطائفة الشيعية الذين يقاتلون اليوم في ساحة واحدة وتحت راية واحدة.
 
فقد شهدت الحرب الأهلية اللبنانية في الثمانينيات مواجهات طاحنة بين جميع الأطراف لكن الأكثر إثارة كانت المواجهات بين الجيش السوري وحركة أمل، وبين حزب الله الذي رأت فيه دمشق، منافسًا جديدًا في ساحة كانت تعد تقليديًّا الفناء الخلفي لسوريا، وكانت جزءًا منها من قبل.

ويتحاشى قادة حزب الله باستمرار ذكر أي تفاصيل عن تلك الأحداث التي يكفي ذكرها للقضاء تمامًا على الأسطورة التي تقول إن الحزب لا يوجه سلاحه إلى الداخل ولا يستهدف إلا إسرائيل، فالمواجهات سقط ضحيتها الآلاف في الوقت الذي كان الاحتلال الصهيوني، يرتع في جنوب لبنان، بينما أعضاء الحزب المدعوم إيرانيًا يحتفلون بتحرير الضاحية الجنوبية من قبضة ميليشيات حركة أمل، وكانت الأخيرة تحتفل بنجاحها في انتزاع الجنوب وإقليم التفاح من أيدي الحزب.
 

تأسست حركة أمل، على يد موسى الصدر، عام 1974، وتأسست ذراعها العسكرية في العام التالي، وهو العام الذي اشتعلت فيه الحرب الأهلية داخل لبنان والتي لم تنته إلا بعد مرور 15 عامًا من القتال الدامي، ورغم تدخل الجيش السوري عام 1976 بذريعة السيطرة على الأمور لكن دخوله لم يزد الأمور إلا اشتعالًا، مما فتح المجال أمام التدخل الإسرائيلي عام 1982 واحتلال الشريط الجنوبي. 

بعد التدخل الإسرائيلي انشق بعض العناصر من حركة أمل، وشكلوا مجموعة عرفت باسم حزب الله بدعم إيراني، واتخذت «مقاومة إسرائيل» شعارًا لها، الأمر الذي اعتبرته سوريا مزايدة على دورها بلبنان واعتبرته الحركة مزاحمة لها في ساحتها الصغيرة، وسرعان ما تُرجمت تلك الضغائن إلى مواجهات مميتة بين الطرفين.
 
مجزرة ثكنة فتح الله
شكلت مجزرة ثكنة فتح الله، الإعلان الرسمي عن الحرب التي عُرفت تاريخيًّا باسم «حرب الإخوة»؛ إذ هاجم الرائد في المخابرات السورية، جامع جامع خليفة، عناصر حزب الله في منطقة برج أبي حيدر بشارع المأمون في الخامس والعشرين من فبراير 1987 واعتقل كل من صادفه من عناصر الحزب وقتلهم جميعًا رميًا بالرصاص، وكانوا 21 فردًا.

كثرت الأقاويل عن السبب وراء هذه المجزرة لكن الثابت أنها كانت فاتحة فصول القتال الثأري بين الطرفين، والذي تعددت محاولات وقفه وتكررت التعهدات والاتفاقات التي ما تلبث أن تُنقض ليعود القتال من جديد وتتجدد العهود المنكوثة، وتتوالى الاتصالات بين طهران ودمشق لكبح جماح وكلائهما اللبنانيين دون جدوى.
وشهد مارس من العام 1988، معارك حامية بين الحزب والحركة في «النبطية» في الجنوب، ما لبثت أن امتدت إلى الضاحية الجنوبية بالعاصمة بيروت، لتعلن الحركة في السادس من أبريل سيطرتها الكاملة على «النبطية» بعد دحر الخصوم، لتتجدد في الشهر التالي معارك عنيفة بين الطرفين بالضاحية يسقط على إثرها مئات القتلى والجرحى، ولم يوقفها إلَّا تدخل العاصمتين وعقدهما اتفاقًا لوقف إطلاق النار، ليسيطر الجيش السوري على الضاحية ويدخلها بلا قتال في السابع والعشرين من الشهر نفسه.

لكنها كانت مجرد استراحة للمحاربين لم تطل سوى بضعة أشهر ليستأنف الطرفان في الثامن من يناير عام 1989، صراعهما على تقاسم مناطق النفوذ، لاسيما وقد أوشكت الحرب أن تضع أوزارها، واقترب وقت اقتسام غنائمها فاندلعت المعارك في إقليم التفاح ومحور «جباع جرجوع» في جبل صافي، لتسرع دمشق وطهران بالتدخل أيضًا وعقد الاتفاق الذي عُرف باسم «اتفاق الشرع - ولايتي»، نسبة إلى وزيري خارجية سوريا فاروق الشرع، ونظيره الإيراني علي أكبر ولايتي.

لكن هذا الاتفاق الذي أوقف معارك إقليم التفاح لم يمنع اشتعال المواجهات العسكرية في الجنوب في مطلع يوليو من العام نفسه، ثم يتفق الفرقاء على الالتزام بالاتفاق الماضي ويتوقف القتال لأربعة أشهر فقط وتستعر المواجهات بينهما في الثامن من ديسمبر مرة أخرى.
وبانتهاء الحرب الأهلية عام 1990 اتفق الطرفان على إبقاء الأوضاع كما هي عليه وتقاسم النفوذ بالمناطق الشيعية اللبنانية بشكل دائم، إلى أن تمكن حزب الله عبر الدعم والتمويل الإيراني الهائل من اكتساح الساحة الشيعية كلها واحتواء حركة أمل، التي رأت في الحزب بعد ذلك شريكًا يتقاطع معها في المصالح ويتحد معها في المشروع بعد التقارب الكبير الذي حدث بين إيران وسوريا.

وأصبح الحزب هو الممثل للطائفة الشيعية داخل لبنان، وفرض حظرًا على خلافات الماضي وشطبها من دفاتر التاريخ، وأخذ يسوق لنفسه داخل المنطقة العربية كحركة مقاومة شريفة تتصدى للعدو الإسرائيلي، وتحمل على عاتقها قضية الأمة المركزية عبر المتاجرة بالعداء مع الكيان الصهيوني، متناسيًا ماضيه الدامي داخل لبنان الذي لم يجدده سوى أحداث السابع من مايو 2008، حين حمل الحزب سلاحه مرة أخرى ضد شركاء الوطن من الطوائف الأخرى والتي راح ضحيتها عشرات القتلى من أبناء لبنان كان ذنبهم أنهم اختلفوا سياسيًّا مع الحزب الذي احتكر سلاح المقاومة ورايتها وكمم أفواه المعارضين له بحجة أنه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، حتى ولو كانت تلك المعركة ضد أبناء الوطن نفسه.
 
 

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية