وليد لاجئ فلسطيني، من بلدة الخالصة، قضاء صفد، بفلسطين. ولد وليد وعاش إلى أن استشهد المخيم في تل الزعتر، المخيم الذي كان يضم أكثر من ثلاثين ألف نسمة، ليسوا جميعا فلسطينيين، بسبب المكان الجغرافي للمخيم، وموقعه الديمغرافي الذي حوى كل الفقراء والعمال من مختلف الجنسيات، ومنهم السوريون، واللبنانيون، والفلسطينيون، وجنسيات أخرى، وكان وجودهم في المخيم، بسبب أن المنطقة هي منطقة مصانع.
عاش وليد المعركة كلها، منذ أن بدأ الحصار على المخيم حتى لحظة استشهاده، ويتذكر العديد من المحطات التي حصلت، وسبقت حصار المخيم، وفي أثناء الحصار، وما بعده.
عرف مخيم تل الزعتر نهضة وطنية، مع انطلاقة الثورة الفلسطينية، في ستينيات القرن الماضي، بعد أن كان مسيطرًا عليه من قبل جهاز المكتب الثاني، كبقية المخيمات الفلسطينية، في لبنان، حيث كانت تمارس بحقه مضايقات عديدة.
عند انطلاقة الثورة الفلسطينية، ودخولها المخيمات، كما دخلت مخيم تل الزعتر، انضم العديد من شباب تل الزعتر إلى صفوف المقاومة. منهم من قاتل العدو الصهيوني في جنوب لبنان، وفي الأردن، وأول شهيد من مخيم تل الزعتر، استشهد بالأردن بعملية فدائية، هو محمود محسن، وعندما جيء بجثته، خرج في تشييعه جميع أهل مخيم تل الزعتر.
أما عن أسباب اختيار الفاشيين لمخيم تل الزعتر، لاقتلاعه، كان السبب الأول في ذلك موقعه الجغرافي، هكذا قال وليد، وتابع كلامه: ليس صحيحًا أن بوسطة عين الرمانة كانت هي السبب في ذلك، بل كانت السبب لحصول الحرب الأهلية في لبنان. وقد سبق بوسطة عين الرمانة سلسلة من الأحداث كان يتعرض لها مخيم تل الزعتر بشكل دائم، من محيطه، خاصّة من حزب الكتائب، ومن هذه الاعتداءات: إقامة الحواجز، فقد كانوا يتعرضون للناس حين عودتهم من أعمالهم، ودخولهم إلى المخيم، حيث اكتملت عناصر المؤامرة على المخيم، مع بداية الحرب الأهلية اللبنانية، واستهداف بوسطة عين الرمانة، حيث كان الشبان الموجودون في البوسطة من مخيم تل الزعتر، وقد استشهد حينها واحد وعشرون شابًا، بعد أن أطلق عليهم الفاشيون النار من دون سبب، فقد كمنوا لهم، وهم في طريق العودة إلى المخيم، من احتفال، بذكرى الشهداء الذين سقطوا بعملية الخالصة، وبحسب ما يذكر كان القيادة العامة هي من أقامت الاحتفال، وكان الاحتفال في ساحة الشهداء، ببيروت. وبينما كان أحد الباصات يمر بطريق عين الرمانة، فوجئ بوجود الكمين.
بدأ حصار مخيم تل الزعتر فعليًّا في الثالث عشر من شهر نيْسان عام 1975، وبدأت المضايقات، إذ كان لزامًا على الداخل إلى المخيم أن يمر على حواجز الكتائب، الذين راحوا يضايقون الناس، ويعتقلونهم، ويمارسون بحقهم التنكيل والتعذيب. حينها كانت تتدخل أجهزة الدولة اللبنانية، وتفرج عنهم.
تحت وطأة هذا الأمر، اتخذت قيادة المقاومة قرارًا اعتبرت فيه أنها يجب أن تدخل منطقة سن الفيل، لأن أعمال القنص على المخيم كانت تأتي منها، وحصلت فعليا معركة حرج ثابت، واستشهد في هذه المعركة حوالي ثلاثين شابًا من مخيم تل الزعتر، وقد استطاعت المقاومة السيطرة على المنطقة، وهذا الوضع أزعج كل القوى المعادية، فاتخذ قرار على مستوى دولي، وعربي، ومحلي، بإنهاء كل أحزمة الفقر في بيروت الشرقية ( تل الزعتر، المسلخ، الكرنتينا، ومخيم جسر الباشا).
بدأت السلسلة بإسقاط الكرنتينا، وجسر الباشا، ولم يكن عدد الفلسطينيين كبيرًا في هاتين المنطقتين، لكن سكانه كانوا من مناصري الثورة الفلسطينية. أُسقط الكرنتينا، وهُجر أهله. بعد ذلك انتقلت المعركة إلى منطقة النبعة التي كان غالبية سكانها من الجنوب اللبناني، المؤيدون للثورة الفلسطينية، كما أن غالبيتهم كانوا أعضاء بفصائل الثورة، حوصرت هذه المنطقة، وأسقطت عسكريًّا، وطرد أهلها، ونكّل بهم. ثم انتقل الحصار إلى مخيم جسر الباشا، وبعدها تل الزعتر، حيث بدأ الهجوم عليه في 23 حزيران سنة 1976، وفي هذا يقول وليد: كنا معتادين في تلك الفترة أن نترك بيوتنا ليلًا، ونحتمي في الملاجئ، بسبب القصف الذي كان يستهدف المخيم، ونهارًا نعاود ممارسة حياتنا بشكل طبيعي. في ذلك اليوم حملنا ما تيسر معنا، فقد كانت ليلة هادئة، لكنه الفجر فوجئنا بقصف عنيف على المخيم، لم نشهد مثيله من قبل، فقد سقط على المخيم أكثر من عشرة آلاف قذيفة، على مساحة واحد كيلو متر مربع، بمختلف أنواع الأسلحة. حاولت أن أطل برأسي لأرى المخيم، لم أستطع بسبب الأدخنة التي كانت تغطي مساحة المخيم. في هذا اليوم حاول الفاشيون الدخول إلى المخيم والسيطرة عليه، وشنوا على المخيم أكثر من أربع هجمات من منطقة المكلس/ المصانع، ولم يكن هناك تكافئ بالأسلحة، فالفاشيون كانوا يتسلحون بالأسلحة الثقيلة، بالدبابات، والمدرعات، وكانت أعدادهم بالمئات، في حين كانت عناصر المقاومة تتسلح بأسلحة فردية، لكنهم استطاعوا أن يسدوا ثلاث هجمات، سقط خلال هذه المعركة عدد من الشهداء، ودمر حوالي 80% من المخيم، وهنا بدأ الحصار الفعلي على المخيم، وتم إغلاق كل المنافذ، وقطع الكهرباء والماء. بدأت المعارك وشهد المخيم هجوما من أماكن متعددة، واستمر الحصار لمدة 52 يومًا، والهجوم لم يتوقف، حتى الأدوية انقطعت، والمستشفى الذي كان موجودا تعرض للقصف، حيث لم يعد باستطاعة الطبيبين اللذين كانا يطببان الناس علاج الجرحى. وكان في المخيم حنفية صغيرة لم نعرف كيف لم يستهد الفاشيون إليها، وحصدت هذه الحنفية العديد من الشهداء، فكان الفاشيون عندما يسمعون ليلًا قرقعة الأوعية التي يحملها الناس لتعبئة المياه يبدأون القصف، حتى تاريخ 12 آب استشهد العديد من الناس، وكان البعض يموتون جوعا، وعطشًا، ومن عدم وجود الأدوية للعلاج، حتى الأمهات اللواتي كن يرضعن أطفالهن جف لبنهن. صار مشهد الموت والدم مألوفا بالنسبة إلينا، ولم نعد نخاف.
في 11 آب كانت هناك حركة غير طبيعية، عرفنا لاحقًا أن هناك مفاوضات تجري برعاية قوات الأمن العربية، وكان الاتفاق أن يخرج المدنيون من المخيم، ويبقى العسكريون، ويتم خروج المدنيين بوساطة الصليب الأحمر الدولي، وفي 12 آب عندما خرج الناس من المخيم، وكنت واحدًا منهم ، بدأ إطلاق النار علينا بشكل متعمد، لقتل أكبر عدد منا، سرنا نحو منطقةالكرنتينا، وكان على جنبات الطريق الكتائب، والأحرار، وحراس الأرز، عند مرورنا بالمكان كانوا يأخذون أشخاصا بشكل عشوائي، وبعد قليل يطلقون النار عليه.
يتابع، لقد كنت من بين أحد الأشخاص الذين اختارهم أحد الفاشيين، وكان يحمل بيده قضيبًا من الحديد ، وكان يريد ضربي به، فقفزت من أمامه على الأرض، وصرت أحبو لأختفي بين الناس. وصلنا إلى منطقة الدكوانة، كانت عمليات القتل والتنكيل مستمرة، وفي منطقة سن الفيل كان قتل الذكور من سن 12 عاما وما فوق، أما في الدكوانة فكان تتم تصفية الناس بطريقة بشعة، كانوا يقتلون بالفؤوس، وبالسكاكين، وبزجاج الزجاجات الفارغة، وعندما وصلنا إلى منطقة النافعة ، حضرت سيارتان يعلوها رشاشان، وحاول من فيها إطلاق النار على الناس، فقد كان موجودا في المكان حوالي 1500 شخص، وتزامن هذا الأمر مع وصول سيارات الصليب الأحمر الدولي، نزل من في سيارات الصليب، وجعلوا أجسادهم حائلا بين الفاشيين والناس. ركب من كان موجودا سيارات الصليب الأحمر، وسلكنا طريق جسر الواطي- الأشرفية- حي السريان، وفي هذا المكان كان هناك حاجز، عناصر الحاجز أنزلوا الناس من السيارات وبدأوا بعمليات تصفية بشكل متعمد.
وفي هذه الأثناء وصل أمين الجميل إلى المكان، نزل من السيارة، ومارس ضغطا على المقاتلين السريان لوقف المعركة. سرنا قليلا، لكن عمليات القنص كانت مستمرة، وكان قوات الردع على بعد 5 كيلو متر عنا، لكنهم لم يتحركوا.
تل الزعتر صمود أسطوري، لكن ما يؤلم بقاء 500 جثة في مبنى تهدم على من فيه. وسقوط أكثر من 3000 شهيد وجريح، وكان المطلوب اقتلاع المخيم، الفلسطينيين تحديدا، فجسر الباشا كان فلسطينيوه مسيحيين، ولم يوفروهم، وكانوا يقولون لهم: إن مسيحكم غير مسيحنا.
يقول وليد: أكثر من 80 شخصًا من عائلتي فقدوا في استشهاد مخيم تل الزعتر.
0 comments:
إرسال تعليق