الخميس، مايو 19، 2011

تميز الثورة السورية



محمد نمر المدني يكتب:

تتنوع ثقافات المجتمع السوري, ويعود ذلك الى أسباب كثيرة, هذا التنوع الثقافي يعتبر أحد العقبات الرئيسة في انتشار ثقافة الثورة في سورية. ولعل النظام السوري يراهن على هذا التنوع الثقافي بشكل أساسي. ويرتكز عليه في محاربة ثقافة الثورة.

ففي مصر, دخل المتظاهرين الى الأحياء الراقية, فانضم إليهم على الفور أبناء تلك الأحياء. واجتمع ثمانية ملايين في الساحات لأيام معدودة فأسقطوا النظام. وفي تونس ومصر انضم الجيش الى الشعب واتخذ قرار رفيع المستوى بإبعاد المتسلطين على الشعب بشكل سريع ومفاجئ. مثل هذا لم يحدث في سورية, ولا ينتظر حدوثه أيضاً. فالتغيير الثوري في سورية لايمكن أن يحدث بشكل مفاجئ وعلى المستويات العليا, ولاينتظر حدوث انشقاق في الجيش مثلاً, ولا في الوزارات ولا في أية مواقع قيادية... وإنه رغم أهوال الحرب الحالية في ليبيا, فإن الحالة السورية تعتبر أشد تعقيدا بكثير من الحال الليبية.

ويعود سبب ذلك كله إلى تنوع الثقافات في المجتمع السوري. وهو تنوع قديم ومستمر. يرتبط بالطوائف والشرائح الاجتماعية, ويرتبط أيضاً بالطرق التربوية التي اتبعها النظام خلال مايقارب نصف قرن من الزمن.

فمنذ تأسيس حزب البعث, بدأ هذا الحزب بفرض تقسيم جديد للمجتمع السوري, (بعثي \ غير بعثي).

وبتولي حافظ الأسد للسلطة مورست على السوريين سياسة تجزئة متعمدة للمجتمع. وكانت كل شريحة اجتماعية سورية تعامل من قبل السلطة بموجب مستوى اتفاق السلطة مع قياداتها أو زعاماتها الدينية أو القبلية أو المالية أو السياسية... فإن تعامل السلطة مثلا مع أي مواطن كردي في الشارع السوري مثلاً كان يجري بموجب مستوى التفاهم الآني بين السلطة من جهة وقيادات الأحزاب الكردية من جهة أخرى. ونفس الحال بالنسبة للشركس والآشور والتركمان والأرمن.. ونفس الحال أيضا بالنسبة للمسيحية السورية, والإسماعيلية والدروز.

بالنسبة للمسلمين السنة, فمن الثابت أنهم كانوا يمثلون وحدهم الشريحة الأكثر إقصاءا من قبل السلطة, وهم الذين لم يكونوا على اتفاق مع السلطة طوال العقود الماضية كلها. وحتى تتمكن السلطة من التغلب عليهم قامت بمحاولات لتغيير المذهب السني من أساسه. ومحاولة إحلال فرقة صوفية مكانه. وقد نجحت هذه المحاولة فعلاً. فابتدعت السلطة مشايخ ليحلوا محل علماء السنة. ومن هؤلاء الذين صنعتهم السلطة بعناية فائقة: البوطي وكفتارو, وحبش. وقد فهم هؤلاء الدور الموكل إليهم بعناية, ومارسوه على أحسن وجه. فلبسوا أثواباً دينية وقاموا بتمثيل أدوار لاتختلف أبداً عن أدوار الممثلين الحقيقيين الذين وكلوا هم أيضاً بأداء أدوار تخدم سياسة السلطة فحسب.

لقد استمرت السلطة في تقسيم المجتمع السوري بدون انقطاع... الى شرائح كثيرة جداً.. وجعلت لكل شريحة رابط يوصلها بالسلطة ويبعدها عن المجتمع وعن الشرائح الأخرى.. هذه الروابط تشتغل حالياً بقوة وبتركيز وحنكة.. وهي التي تحافظ على بقاء منظومة السلطة وتقويتها. ومن هذه الشرائح المرتبطة بالسلطة, والتي لها ثقافات خاصة بها, نذكر:

شريحة الموظفين الحكوميين وثقافتهم. إذ لايقدر أي موظف حكومي \مثلاً\ أن يرفع صورة الرئيس عن مكتبه. ولو أنه فعل هذا لقضي عليه وطرد من وظيفته.

وهناك ثقافة العسكري السوري. وثقافة الطالب المدرسي والجامعي. وهناك ثقافة خاصة بكل مذهب ديني في سورية, ولكل أتباع مذهب ثقافة خاصة بهم. وقد فرض على كل مذهب أن يتسيس مع السلطة. فأمسكت السلطة بزعامات رجال مختارة من الطائفة, وعزلت الزعامات المناهضة لسياستها,

ولدينا الثقافة المسيحية الجديدة الموالية للسلطة. والتي فرض عليها أن تعتقد بالخشية من التغيير والإصلاح. ولدينا ثقافة المحرومين, وهؤلاء الذين سرقت ثرواتهم وأموالهم وعقاراتهم. ويسمون بالفقراء أو \المواطن العادي\ وهؤلاء هم وحدهم الذين يتظاهرون اليوم مطالبين بالتحرر والاصلاح. ولدينا ثقافة المستغلين لثروات المحرومين. وهؤلاء الذين امتلكوا ثروات البلد وأصبحوا يسمون بالأغنياء الجدد, وهؤلاء فرض عليهم موالاة النظام طوال حيواتهم. وهم يعتقدون بأن أي تغيير في السلطة سيقضي على أعمالهم. لأنهم في الحقيقة لايعملون. بل يسرقون.

اليوم يتربع رجال السلطة على عروشهم هادئين مطمئنين, لأنهم يعرفون عمق اللعبة القديمة التي مارسها الأب واستمرت في عهد الابن.

كما بنت السلطة علاقات متينة مع كل الدول العالمية بدون استثناء أحد.. ولها علاقات قوية مع دول متناقضة في سياساتها.. فهي صديقة لتشافيز وللولايات المتحدة. وصديقة لإيران وأيضا للعربية السعودية والبحرين. بل وظلت حتى اللحظة الأخيرة تسعى لحيازة كرسي في المنظمة الدولية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة.!. هذه العلاقات الدولية والمحلية الداخلية مكنت الدولة من إدخال الدبابات وراجمات الصواريخ والمدافع الى داخل المدن والقرى اتلسورية. وواجهت بها رجال ونساء وأطفال... وكسبت صمت العالم على أفعالها اللا انسانية.

- كتبه الباحث: محمد نمر المدني

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية