الجمعة، يوليو 08، 2011

السنيورة و ويكيليكس



ابتذل "حزب الله" عبارتي "العمالة" و "الخيانة" الى حد لم تعودا تخدمانه. صارتا جزءاً من خطاب يومي يدرجه مفوّهوه مع وجبات طعامهم، واستمروا بذلك على رغم امتحانين مريرين تعرضوا لهما، الأول امتحان "ويكيليكس" والثاني امتحان شبكة العملاء داخل الحزب. لكن الغريب كل الغرابة ان الامتحانين لم يثنيا الحزب عن الإمعان في التخوين، والانتقاء في التخوين. محمد جواد خليفة وياسين جابر وإبراهيم كنعان وغيرهم من وجوه "8 آذار" ليسوا خونة على رغم كل ما كشفته "ويكيليكس" عما قالوه أمام مسؤولين أميركيين. سعد الحريري وسمير جعجع وغيرهما من وجوه "14 آذار" خونة لأنهم قالوا ما كشفته الوثائق. علماً ان ثمة فارقاً لمصلحة وجوه "14 آذار" يتمثل في ان خصومتهم لـ"حزب الله" معلنة وما قالوه للمسؤولين الأميركيين يقولون مثله كل يوم في وسائل الإعلام، في حين يستبطن ما قاله حلفاء الحزب تقية تشي باستعداد للانقضاض على الحزب ما إن تسنح الفرصة.مناقشة البيان الوزاري في المجلس النيابي كشفت مستوراً أحدثته "ويكيليكس" في وجدان "حزب الله"، فعندما أشار النائب نهاد المشنوق الى ان الرئيس فؤاد السنيورة يكاد يكون المسؤول اللبناني الوحيد خارج "شُبهة" "ويكيليكس"، لم يتمالك أحد نواب "حزب الله" نفسه، فوقف وقال بغضب ان "ويكيليكس" السنيورة كانت على شاشات التلفزيون. رد الفعل الركيك هذا أشار الى مستوى الضيق الذي خلّفته هذه الحقيقة في وجدان الحزب. فالحزب والحال هذه كان يرغب في ان تشمل الوثائق فؤاد السنيورة، ولم تتحقق رغبته. وإذا ذهبنا في الاستنتاج أبعد، نقول ان الوثائق التي توسلها "حزب الله" في خصوماته جعلت تمعن في تمزيق خطاب التخوين الى حد فقد معها هذا الخطاب قدرته الإقناعية في الدائرة الأضيق لمجتمعه.عاقب "حزب الله" حلفاءه الـ"ويكيليكسيين" بصمت. خليفة وجابر هما اليوم خارج الحكومة، وربما تسقط أسماء نواب التيار العوني من اللوائح الانتخابية المقبلة. وسامح وليد جنبلاط لأنه، وفق السيد حسن نصرالله، جاء اليه واعترف واعتذر. لكن الحزب غاضب على فؤاد السنيورة لأن الأخير بقي خارج "ويكيليكس".لم يستثمر "حزب الله" الوثائق المسربة بذكاء، لا بل إن سكين "ويكيليكس" جرحت الحزب قبل ان تجرح غيره. هذا ما حصل مع "حزب الله" في موجة الربيع العربي أيضاً، فهو في البداية هلّل للثورة المصرية معتقداً انه كسب مصر، فإذا به يخسر سورية، فيتداعى خطاب الثورة لديه على نحو كاريكاتوري. هو مع الثورة في البحرين وضد الثورة في سورية. معادلة "ويكيليكس" نفسها تتكرر، فنواب "14 آذار" خونة لأنهم قالوا ما قالوه فيها، اما في حالة نواب "8 آذار" فـ"ويكيليكس" كاذبة.الخطاب الانتقائي الركيك، الصادر عن وجدان قليل التواضع، أمعن أكثر من ذلك، فإذا أجرينا مسحاً لما تم كشفه من شبكات العملاء فسنصل الى نتيجة مفادها ان 80 في المئة مما تم كشفه حتى الآن كان قريباً من "8 آذار"، لا بل من مصادر القرار والنفوذ فيها، وأن الـ20 في المئة المتبقية ضعيفة العلاقة بـ"14 آذار"، وعلى رغم ذلك لم يتوان الحزب عن شحذ سيف التخوين في كل مناسبة وكل خطاب.وإذا افترضنا ان "حزب الله" لا يقصد الإقناع من وراء اعتماده خطاب التخوين، انما هو يتوجه به الى قاعدته بهدف التعبئة والحشد، فذلك أيضاً يحيلنا الى سؤال عن مدى اقتناع هذه القواعد بخطاب التخوين الركيك. الأرجح ان "حزب الله" أصيب بما تصاب به أحزاب السلطة عادة، ذلك ان هذه الاحزاب تفقد مع الزمن حساسية احترام ذكاء جمهورها، وتدرك من جهة أخرى ان الخلل في منطق الخطاب لا يفسد للود قضية مع الجمهور، اذ يتولى الانقسام الطائفي الحاد مهمة تعزيز اللحمة، وليس الإقناع أو تماسك الخطاب.






بقلم حازم الأمين

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية