الأربعاء، يوليو 06، 2011

من شكر قطر إلى مهاجمتها وتخوين أميرها: تحوّل كبير في علاقات سوريا و"حزب الله" بقطر!



في 1/8/2010 حلّ أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ضيفاً على جنوب لبنان، حيث قام بجولة على القرى التي أسهمت قطر في إعمارها بعد العدوان الإسرائيلي في العام 2006.
أمير قطر في الجنوب: علامة فارقة وتوظيف سياسي
شكّلت الزيارة علامة فارقة في جدول أعمال الرؤساء والملوك الذين يفدون إلى لبنان، باعتبارها الزيارة الأولى لزعيم عربي إلى الجنوب منذ عدوان العام 2006. وقد استُقبل أمير قطر، وقرينته الأميرة موزة، بترحاب كبير في البلدات التي مر فيها، كما نظّم له "حزب الله" استقبالاً شعبياً مشهوداً في معقله؛ بنت جبيل. وخلال الزيارة، التي صاحبه فيها أيضاً الرئيس ميشال سليمان والرئيس سعد الحريري، سجّل "حزب الله" حضوراً لافتاً من خلال عدد من قيادييه، بينهم مسؤول الحزب في الجنوب حينها الشيخ نبيل قاووق، وعدد كبير من أعضاء مجلس النواب اللبناني عن الحزب. وفيما أولم رئيس مجلس النواب نبيه بري على شرف الأمير القطري؛ قال أمير قطر: "سوف تجدوننا دائماً داعمين لازدهار لبنان وتنميته ومساندين لصوت الحكمة والعقل والعيش المشترك لكل مواطنيه، مسلمين ومسيحيين، سنة وشيعة".
على صعيد "التوظيف" السياسي؛ أعطت زيارة أمير قطر للجنوب اللبناني –في ذلك الوقت- دفعاً كبيراً للدعاية الإعلامية التي يتبناها "حزب الله" وحلفاؤه، والقائمة على أساس أن سوريا وإيران، مضافاً إليهما تركيا وقطر باتوا يشكلون محوراً إقليمياً في مواجهة محور "الاعتدال" العربي، ما من شأنه تغيير وجه المنطقة، بما في ذلك لبنان!.
هذا "التوظيف السياسي" من قبل فريق لبناني محدد؛ ترك امتعاضاً لدى الفريق اللبناني الآخر؛ أي لدى فريق الرابع عشر من آذار، خصوصاً أن هذا "التوظيف" يستقوي بقطر في مواجهة هذا الفريق، ومع ذلك؛ لم يكن يسع فريق الرابع عشر من آذار إلا مشاركة فريق الثامن من آذار في القول: "شكراً قطر"، وهي عبارة انتشرت في الإعلام اللبناني على شكل إعلانات، كما امتلأت بها الشوارع اللبنانية المختلفة. انقلاب الموقف! لم تمض سنة واحدة على زيارة أمير قطر للجنوب، حتى انقلب الموقف من قطر على شكلٍ لم يكن يتصوره أحد. أُزيلت اللافتات التي تشكر قطر من البلدات الجنوبية فجأة، وانتقل الإعلام التابع لـ "حزب الله" من شكر قطر وتمجيد دورها، إلى مهاجمة قطر وتخوين أميرها طفرة واحدة!.
الانقلاب المذهل بدأ عندما أعلنت قطر في شهر آذار الماضي مشاركتها، إلى جانب السعودية والإمارات، في قوات "درع الجزيرة" التي دخلت البحرين بهدف "الإسهام في حفظ الأمن والنظام". أثار هذا الموقف امتعاض "حزب الله" على وجه التحديد، باعتبار أن الموقف القطري جاء مخيباً لآماله، ومحبطاً لجهوده في دعم الاحتجاجات ذات الطابع الشيعي في البحرين.
وبعد نحو شهر على واحد؛ أثار دعم قطر القوي للثوار في ليبيا؛ إعلامياً وسياسياً واقتصادياً وعسكرياً، استياء سوريا، التي حافظت على موقف داعم للعقيد معمر القذافي، وإن كان بشكل غير معلن.
الملف الثالث؛ -وهو الأخطر- الذي أثار غضب سوريا و"حزب الله"؛ هو الموقف القطري من الثورة السورية؛ فقد اعتبرت كل من سوريا و"حزب الله" أن قطر مسؤولة عن "تغطية قناة الجزيرة المؤيدة للثوار"، وبالتالي فهي تسهم في تأجيج الاحتجاجات ضد الرئيس السوري بشار الأسد. كما حُمّلت قطر المسؤولية عن تصريحات العلامة يوسف القرضاوي، التي انتقد فيها قمع النظام السوري للمدنيين. وعليه؛ فقد انطلقت حملة شعواء على قطر وأميرها، انخرط فيها الإعلام اللبناني الموالي لسوريا، تماماً كما الإعلام السوري، بل أكثر.
قطر ممتعضة أيضاً
الامتعاض لم يكن من جانب واحد، فلقطر أسباب وجيهة جداً للامتعاض أيضاً من سوريا و"حزب الله"، فقد سبق انقلاب الموقف من قطر؛ حركة خطيرة فسّرها القطريون ضدهم بشكل واضح، وذلك عندما نفّذ "حزب الله" انتشاراً لعدد من مقاتليه بثياب سوداء، ولكن من دون سلاح، في التقاطعات الرئيسة لبيروت، كرسالة تحذير، وتنفيذاً لتهديدات كان قد أطلقها الحزب من أن "مرحلة ما قبل صدور القرار الاتهامي (المتعلق باغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري) ليست كما بعده". وقد تزامنت هذه الخطوة (18/1/2011) مع زيارة رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم آل ثاني ووزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو إلى بيروت، لبحث الأزمة الناشئة عن إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري. وعلى أثر هذه الرسالة غادر رئيس الوزراء القطري –كما وزير الخارجية التركي- بيروت على الفور، فيما أبلغت قطر زوارها أنها تحمّل سوريا و"حزب الله" مسؤولية إسقاط اتفاق الدوحة، الذي تعب القطريون كثيراً للوصول إليه.
وفي وقت لاحق اتصل الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني بالرئيس نجيب ميقاتي ناصحاً إياه بعدم الترشح لرئاسة الحكومة، لكن ميقاتي لم يستجب. ميقاتي نفسه كشف في حديث صحفي لـ "إيلاف" في 31/5/2011 عن هذا الاتصال، فيما أضافت معلومات صحفية أن رئيس وزراء قطر حمد بن جاسم عاد واتصل بالرئيس نجيب ميقاتي وطلب منه الاعتذار بعد تكليفه، لكنه لم يستجب أيضاً.وقد لمس لمسها النائب وليد جنبلاط هذه الأجواء أثناء زيارته قطر نهاية أيار الماضي، حيث سمع من القطريين كلاماً قاسياً بحقه وبحق من أسهم معه في تغيير الغالبية النيابية في لبنان وإسقاط اتفاق الدوحة، وقد شمل هذا "العتاب" سوريا أيضاً، الأمر الذي دفع جنبلاط إلى تقليص مدة زيارته إلى يوم واحد، والتصريح للصحف بأنه عاد من قطر أكثر تشاؤماً (4/6/2011)!.التهجم على قطر
امتعاض سوريا و"حزب الله" من قطر دفعهما إلى الوقوف وراء حملة إعلامية قاسية لعل من أبرز مظاهرها:
1- نشر أخبار ومقالات تحريضية بحق قطر؛ لعل من أبرزها ما نشرته جريدة السفير اللبنانية في 5/5/2011، نقلاً عن مصادر في "حزب الله"، حيث اعتبرت الصحيفة أن "شهر العسل القطري اللبناني السوري انتهى"، وأن قسماً ممن "رافقوا الأمير في جولته في الضاحية والجنوب باتوا ينظرون اليوم بعين الريبة الى الدور المشبوه لإمارة المليارات والشيكات على بياض"!، وفي لفتة تبين سبب الانزعاج الحقيقي قالت الصحيفة: إن قطر "حفرت أسس المشروع الفتنوي في سوريا والبحرين والمشاركة في إدخال البولدوزر الأطلسي إلى ليبيا"، لكن ما هو أخطر أن الصحيفة زعمت أن السيد حسن نصر الله تملص بلباقة من مقابلة أمير قطر خوفاً من "كشف موقعه من خلال تحديد مكان وجوده عبر الأقمار الصناعية"!.
2- استضافة الإعلام اللبناني المرئي التابع لسوريا و"حزب الله" مجموعة من الشخصيات التي تهاجم قطر وأميرها، أمثال الوزير السابق ميشال سماحة (هاجم قطر وتركيا والأخوان المسلمين)، والنائب اللبناني السابق ناصر قنديل (اتهم أمير قطر بوقوعه في فخ مساعدة الأميركي للتحكم بثروات المنطقة).
3- بث تقارير في الإعلام اللبناني والسوري تتناول ما سمي "الخلفية الوهابية" لأمير قطر، فضلاً عن علاقات الإمارة بالأمريكيين، وما قيل عن صفقة أبرمتها قطر ثمناً لاستضافة "المونديال"، و"الدور المشبوه لقناة الجزيرة"، وغير ذلك من تقارير؛ بُث عكسها تماماً في فترة شهر العسل السوري- القطري!.
4- شنْ الإعلام الرسمي –وشبه الرسمي- السوري حملة شعواء على قطر وكل من تستضيفه (على سبيل المثال؛ العلامة القرضاوي الذي وُصف بـ"الشيخ التابع للإمارة"، وعزمي بشارة الذي وصف بأنه "مجرد مرتزق عند إمارة قطر"... علماً أن كليهما كان يُمجّد على الإعلام الرسمي السوري)، كما رفعت قناة "الدنيا" (يملكها ابن خال الرئيس السوري رامي مخلوف) شعاراً مثيراً: "الجزيرة مهما كبرت تبقى أصغر من الدنيا"!. ووصل الأمر إلى حد ادعاء قناة "الدنيا" وجود "تظاهرة مليونية في الدوحة ضد النظام"!، وبث صور من البحرين على أنها في الدوحة، ومطالبتها تالياً "السماح لقناة الدنيا تغطية الأحداث الجارية في قطر"! (29/5/2011).
5- الإيعاز إلى أبواق النظام السوري بمهاجمة قطر؛ وفي هذا الإطار شنت أكثر من شخصية مؤيدة للنظام السوري هجمات على الإمارة الخليجية، (على سبيل المثال قال وئام وهاب في 29/6/2011 من اللاذقية: "قطر عبارة عن سيارة صغيرة ذات بوق عالٍ ألا وهو قناة الجزيرة). وقد نقلت صحيفة تشرين السورية عن هذه الشخصيات قولها إنه؛ بعد فضائح قناة الجزيرة مهنياً، "بدأت إدارة الفضائية القطرية تفكر جدياً في تغيير اسمها، وتغيير طريقة الأداء بما يقطع مع الماضي ويؤسس للمستقبل بوسائل أخرى" (28/6/2011)!.
... ولا تنسوا الفضل بينكم
لعل أكثر ما يلفت في ملف علاقة سوريا و"حزب الله" بقطر؛ أنه انقلب كالسحر من التمجيد إلى التهجم، ومن المديح إلى الذم. وما يلفت أكثر أن الخصومة لم تراعِ فضلاً سابقاً للإمارة وأميرها، وأنها تستسهل التخوين و"فبركة" الأضاليل، تماماً كما كانت تفعل –وما تزال- مع خصوم النظام السوري و"حزب الله" في لبنان والعالم



بقلم: فادي شاميه



0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية