هناك بعض التفاوت الإعلامي المستفز في تسمية ما يدور تحديدا على الساحة السورية، فمنهم من أطلق عليه اسم «أزمة»، وآخرون سموا ما يحدث بـ«مطالب شعبية»، وغيرهم سموها «حراكا عاما»، وحقيقة الأمر أن جزءا أساسيا من تشخيص الموضوع السوري هو تسمية الأمور بأسمائها الواضحة، فاليوم نحن في الشهر السابع من «الثورة» السورية، وهي كذلك أرتال من القتلى من مختلف الأعمار، قام بقمعهم النظام السوري المستبد بشكل دموي، لم يسلم من ذلك الأمر لا النساء ولا الأطفال، وتحول الموضوع إلى مواجهة يومية، صباحا ومساء، في أكثر من 600 موقع في سوريا، بين مدينة وقرية ومحافظة وحي، انشقاقات في صفوف الجيش بعشرات الآلاف، وهو الذي يفسر التوتر المرعب الذي أصاب قوات الأمن، وجعلها ترفع من وتيرة وعنف درجات القمع ضد الثوار. فالشبيحة باتت لديهم أوامر من رؤسائهم بأن «يدبروا» حالهم في حالة اقتحامهم للمنازل، فلهم الحق أن يسرقوا كل ما يجدونه، ويخطفوا الناس مقابل «فديات» يتم الاتفاق عليها. النظام تشقق واهترأ، وبات ركاما وحطاما من صرح ورقي قديم. كل المعطيات التي بناها وأسس عليها حكمه القمعي سقطت، وكل الأقنعة التي ارتداها لتغطية الوجه القبيح سقطت.. الوجه الطائفي البغيض ظهر بشكل فج، درعا التي ذاقت الأمرين في أول طلعة الثورة كانت «مركزا» لبدء سياسة القمع في حق الثوار، وإهانة رموزها ووجهائها بمختلف خلفياتهم، وكان هذا بمثابة قطع النظام ليده اليمنى التقليدية، وهي قطاع الفلاحين الواسع الموجود في منطقة حوران، الذي كان هو والعشائر محسوبين على النظام، ولكن النظام وبرعونة شديدة تمكن من إهانة الناس وفقدان قاعدته الشعبية الهشة هناك، وكان النظام أمعن في إهانة رموز أعيان درعا، بمن فيهم أحد المشايخ الدينيين الذين انشقوا عن النظام، أجبر على «سحب» انشقاقه في التلفزيون الرسمي السوري، والمسدس موجه إليه خلف الكاميرا التي تصوره، هذا مجرد عينة لأفعال النظام في شعبه، وطبعا هناك لغز العدوان الانتقامي الكبير بحق منطقة الرستن، وهي منطقة فلاحين ومزارعين هي الأخرى، وإليها ينتمي مصطفى طلاس، وزير الدفاع الأسبق، الذي كانت له علاقة بحافظ الأسد وابنه، يمكن وصفها بأنها مميزة، مكنته عبر السنين من الحصول على «حصة» لأبناء مدينته في الجيش السوري، حتى عرف بأن في الجيش بات ما يعرف باسم مجموعة الرستن، وكان يطلب طلاس منهم «المبالغة» في إظهار الولاء للنظام والتمجيد للأسد، وكان بها أكبر تماثيل حافظ الأسد بسوريا كلها، ومع انطلاق الثورة تم هدم التمثال من قبل الناس، وحطموه (إربا)، ودعس رأس التمثال بالأقدام، وجن جنون ماهر الأسد، وكان الانتقام المهووس بحق أهل الرستن الذي لا يزال قائما، وخصوصا أن انشقاقات كبيرة بالجيش السوري كانت تأتي من مجموعة الرستن، وكانت هي نواة كتيبة خالد بن الوليد المنشقة عن الجيش، التي تقاوم النظام ببسالة، واتخذت من حمص والرستن مواقع لها ضد النظام، وساند في حمايتهم ودعمهم أبناء المدينة، وهو الذي يفسر كل ما يحدث من وحشية وتفظيع بحق حمص والرستن. حمص التي دفعت الفاتورة الأعلى في الثورة السورية حتى الآن، للارتفاع المهول في عدد القتلى فيها، والتمثيل بجثث أبنائها، وفي تطور أخير لافت أشار خبر كبير، ولكنه خبر مؤكد، إلى أنه تم «الانتقام من رستم غزالة ومساعده»، من قبل بعض الأهالي؛ تبرئة لشرف نسائهم اللاتي تم اختطافهن في بساتين حمص، وتم الاعتداء عليهن لابتزاز رجالهن، ورستم غزالة أحد رجال النظام النافذين الفاعلين، وهو محسوب على محافظة حمص، وكان ينفذ ويشرف على بعض العمليات الأمنية. وحماه هي الأخرى لا تزال تدفع فاتورة متواصلة منذ الثمانينات الميلادية الماضية، وانضمت إلى هذه المدن دير الزور، وتلكلخ، والزبداني، واللاذقية، وبانياس، وجسر الشغور، والبوكمال وإدلب، وغيرها من المدن والقرى السورية.
وليد المعلم، إحدى واجهات النظام، تم منعه من السفر خوفا من انشقاقه، ولم يعد يحضر أي اجتماعات خارج البلاد، وتكلف بتلك المهام بثينة شعبان ابنة الطائفة والنظام، التي رعاها وصرف على تعليمها وترقيتها في السلم الوظيفي الحكومي. فاروق الشرع (ابن درعا) الذي تم إسكاته سياسيا من قبل ماهر الأسد، ظهر لدقائق في مناسبتين لمجرد التأثير، ولكن بات لا قيمة له. اليوم النظام السوري أدرك أنه انتهى وأن لا مجال لوجود «مخرج سياسي آمن»، وبالتالي هو سيراهن على القمع حتى النهاية، دون أن يدرك أن نهايته قد حسمت من شعبه.
0 comments:
إرسال تعليق