الثلاثاء، نوفمبر 01، 2011

النظام السوري يعود إلى "سيناريو العصابات الإرهابية" .. ولكن في الداخل




بعد احتلال العراق في العام 2003 خاف النظام السوري على نفسه، ولم يجد من وسيلة لدرء الخطر إلا باعتماد "سيناريو العصابات الإرهابية". و"العصابات الإرهابية" في مفهوم هذا النظام هي جماعات إسلامية سنية، راغبة بممارسة الجهاد، من دون أن تكون بالضرورة جماعات غالية أو تكفيرية.
استفاد النظام السوري من كون هذه الجماعات مقموعة لديه، وتوجد أعداد كبيرة منها في السجون، فعرض على هؤلاء إمكانية الإفراج عنهم مقابل التوجه إلى العراق لقتال القوات الأميركية، وهو خيار لا يمكن لهذه الجماعات رفضه، لأنها تريد الجهاد أصلاً، ولأن البقاء في سجون نظام الأسد أشد من الموت نفسه.
ووفق السيناريو إياه؛ فإن النظام يستفيد من جهتي القاتل والمقتول؛ فهو يتخلص من الجماعات الإسلامية من جهة، ويضرب خصومه من جهة أخرى، وعند الضرورة فإنه يقمع هذه الجماعات ويمنعها من التوجه إلى العراق فينال "الأمان" من الولايات المتحدة الأميركية... وهذا ما حصل بالفعل.
ولأن النتائج كانت جيدة، فقد نقل النظام السوري السيناريو نفسه إلى لبنان، حيث كان يغض الطرف عن الجماعات الإسلامية السنية الراغبة بممارسة "الجهاد" أسوة بـ"حزب الله"، قبل أن يطبق عليها بالتعاون مع الأجهزة الأمنية اللبنانية، ويقدمها قرابين في معرض تقربه من الغرب وبهدف إطالة أمد وصايته على لبنان، على أساس أنه يواجه التطرف الإسلامي.
والواقع أن هذا السيناريو طُبق في لبنان قبل العراق (أحداث الضنية عام 2000 على سبيل المثال لا الحصر)، ولكن بعد العام 2003 استخدم النظام السوري هذا السيناريو لمواجهة التوجه الاستقلالي اللبناني، لا سيما الشق السني منه، ممثلاً بالرئيس رفيق الحريري (تبني مجموعة إسلامية قصف تلفزيون "المستقبل" في حزيران 2003 على سبيل المثال لا الحصر)، الأمر الذي تطور إلى الحد الأقصى مع اغتيال الرئيس الحريري في شباط من العام 2005 وتبني مجموعة إسلامية مجهولة العملية (نطق باسمها شاب مخطوف يدعى أحمد أبو عدس) على نحو كاذب، بإقرار من الجميع راهناً. كان السيناريو المرسوم يقضي بتحميل جماعات إسلامية سنية اغتيال الزعيم اللبناني السني الأبرز.
في العام 2007، وبهدف تقليم أظافر تيار "المستقبل" في بيئته "السنية"، صدّر النظام السوري مجموعة جديدة من الإسلاميين المعتقلين لديه، ولكن هذه المرة إلى لبنان بدلاً من العراق. أراد النظام السوري بتصديره التنظيم الذي عُرف لاحقاً باسم "فتح- الإسلام" أن يُتعب تيار "المستقبل" في مناطق نفوذه، وأن يحرجه أمام حلفائه المسيحيين إذا ما تساهل مع المجموعات الإسلامية، وأن يُتعب الجيش اللبناني نفسه إذا ما قرر المواجهة، فيما تكفل حلفاؤه في لبنان بالحملة الإعلامية على أساس أن "المستقبل" موّل وسلّح هذه الجماعات للوقوف في وجه "حزب الله"، ثم "انقلب السحر على الساحر"!
في مذكرة سرية صادرة عن السفارة الأميركية في دمشق، تحمل الرقم 15810، نشرها موقع و"يكيليكس"، ونقلتها عنه تباعاً صحيفتا "الجمهورية" و"المستقبل" في وقت سابق من هذا العام، كشفت ناشطة سوريّة في مجال حقوق الإنسان أنّ "أعمال الشغب التي حصلت في سجن صيدنايا بين تموز وكانون الأول 2008 وكانون الثاني 2009 كانت من تنظيم جماعات إسلامية متشددة، ممن تم إرسالهم إلى العراق في العام 2003 للقتال هناك". وجاء في اجتماع ضم مسؤولين من السفارة الأميركية في دمشق والناشطة الحقوقية أن الأخيرة ذكرت أنّها سجّلت خلال الأشهر الأربعة الأخيرة مقابلات مع ثلاثة عسكريين وحارس سجن وسجين سابق في صيدنايا، وبحسب الذين حاورتهم الناشطة، "قدّمت الحكومة السورية فرصة إلى السجناء في صيدنايا للحصول على تدريبات عسكرية في سوريا، ومن ثم السفر إلى العراق لمحاربة قوات التحالف، كاشفة أن بين الذين عادوا من العراق، بقي الكثير منهم أحراراً وعلى علاقة بالنظام، وتم إرسال آخرين إلى لبنان، بينما تم القبض على مجموعة ثالثة (من الإسلاميين) وزجّ أعضائها في سجن صيدنايا مجدداً". وتعود أهمية الوثيقة في أنها تظهر كيفية استغلال النظام السوري الإسلاميين، سواء بإرسالهم إلى العراق أو لبنان، وكيف أنه صدّر "سيناريو العصابات الإرهابية" على الدوام إلى جيرانه ليقبض الثمن لصالح نظامه في سوريا.
غداة اندلاع الثورة السورية- التي لم يتوقعها بشار الأسد- عاد النظام السوري، وفق نظرية معروفة في العلم الجنائي، إلى الأسلوب نفسه، ولكن هذه المرة استعمل "سيناريو العصابات الإهاربية" في الداخل السوري، حيث ارتكبت أجهزة الأمن السورية الفظائع بحق المدنيين، ونسبت ذلك إلى جماعات أصولية متطرفة، بل أجبرت ذوي الضحايا على توقيع إقرار بهذا المعنى رغماً عنهم، تحت طائلة عدم تسليم معتقليهم أو جثث ذويهم، أو حتى تحت التعذيب والتهديد بالاعتقال أو الموت.
وتُنبئ مجريات الأحداث في سوريا اليوم أن النظام السوري ما يزال يتمسك بأسلوبه المعهود، لكن من سوء حظه هذه المرة أن العالم ما عاد قابلاً للخداع بهذا السيناريو، بعد التجارب السابقة في العراق ولبنان وسواهما، وبعد التضحيات المذهلة التي قدمها الشعب السوري، لا ليكشف خداع نظامه فحسب، بل ليُسقط شرعيته... وإلى الأبد. اللافت، على الصعيد اللبناني، أن استعمال النظام السوري سيناريو الجماعات الإرهابية داخل سوريا، خلافاً للسابق، أدى إلى إرباك غير مسبوق لدى حلفائه اللبنانيين، إذ ليس قليلاً أبداً أن يضطر حزب يربط اسمه بالذات الإلهية، وهو أصولي ومسلح حتى العظم، إلى تخويف العالم والمسيحيين على وجه الخصوص من "البديل الإسلامي" للنظام السوري!، حتى لكأنك تخال نفسك تستمع إلى حزب يميني في فترة الحرب الأهلية اللبنانية لا إلى "حزب الله"! كما ليس بالقليل أبداً أن يضطر حلفاء هذا الحزب، من رتبة وئام وهاب فما فوق، إلى مهاجمة "الأخوان المسلمين"، بدعوى أنهم عملاء المخابرات الأميركية الجدد، في الوقت الذي يجد فيه "حزب الله" وهؤلاء الحلفاء أنفسهم مضطرين، بفعل صعود "الأخوان"، إلى الإشادة بـ"حماس" ("أخوان" فلسطين) وبـ"الأخوان المسلمين" في مصر، وبحزب "النهضة" في تونس... ما يرسم مشهداً بالغ التناقض، ويعبر عن حالة الضياع التي يعيشها حلفاء سوريا راهناً في لبنان... ولعله يكفي هؤلاء اليوم أنهم يشهدون ويبررون تلغيم النظام السوري الحدود مع لبنان، وكأنه في جوار عدو، في الوقت الذي كانوا يعيبون على قوى 14 آذار مطالبتها بمجرد ترسيم الحدود، على أساس أن هذه المطالبة تنم عن عداء تجاه سوريا!

بقلم فادي شاميه

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية