الجمعة، يناير 13، 2012

الثائر سعد الحريري!




فادي شامية

رغم ألمه الشخصي، وغضب جمهوره وكثير من اللبنانيين، بسبب إسقاط حكومته... ورغم تغير الأكثرية عبر التهديد بالسلاح ثم خروجه من البلد... فقد تحرر سعد الحريري من أثقال الحكومة التي رئسها، ومن أوهام الوحدة الوطنية بوجود السلاح، فانتقل إلى «جنة» المعارضة، وما لبث أن خلع ثوب الحذر ووشاح المداراة، فتحول ثائراً كبيراً في قلب الثورات العربية، لا سيما أمجدها؛ ثورة الكرامة السورية.
ليس سهلاً أبداً أن يسبق سعد الحريري الجميع في لبنان وفي المنطقة، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، بدعمه الثورة السورية، ابتداءً من احتضان النازحين، وصولاً إلى إطلاق أقوى المواقف المناهضة لـ «الظالم بشار الأسد». وليس بسيطاً أبداً أن يتجاهل الحريري الترهيب الوقائي أو اللاحق الذي تعرض له تياره، عبر إطلاق خبريات تربط بين تهريب السلاح إلى سوريا وتيار «المستقبل» وبعض نوابه. وليس قليلاً أيضاً أن يتحمل الحريري وفريقه سفاهات أبواق النظام السوري وتهديداتهم، أو مخاطر ما يمكن أن يقدم عليه حليف الأسد اللبناني المسلح!.
خاطر سعد الحريري بذلك كله؛ وعبر «التويتر»، الذي بات رمزاً لثوار الربيع العربي، قرر الحريري أن يطلق أقوى المواقف، بعد أن مهّد بمواقف علنية مؤيدة للثورة السورية، جرّت عليه غضب الخصوم، وبعد أن أعطى تعليماته لإعلام «المستقبل» أن يتخلى عن الحذر والخوف في التعاطي مع الثورة السورية، بما في ذلك الاعتراف عبر جريدة «المستقبل» بولادة «المجلس الوطني السوري»، بعد ساعات من تشكيله، ليكون بذلك أول فريق سياسي في العالم العربي يعترف بهذا المجلس.
بمواقفه؛ وازن الحريري بين حدين: التحرك ضمن «أجندة» لبنانية لا تسمح بالتدخل المادي في الثورة السورية من جهة، ومناصرة المظلوم وتأييده في وجه ظالمه كموقف أخلاقي من جهة ثانية. ووفق هذين الحدين؛ تدرجت مواقف الحريري من «الخجل من مواقف الحكومة اللبنانية» (3/11/2011) إلى القول في اليوم التالي: «بشار الأسد انتهى». ثم القول بعد أيام (14/11/2011) معلقاً على قرارات حكومة الرئيس ميقاتي: «لقد اختاروا الجانب الخطأ. جانب القاتل والديكتاتور والهوية المعادية للعروبة. هؤلاء سيحكم عليهم اللبنانيون والعرب والتاريخ، بسبب لا أخلاقيتهم وبسبب معاداتهم لكل وطنية وكرامة إنسان. بشار الأسد يحاكم الآن من خلال محكمة شعبه، وإذا زرت سورية مجدداً، فهذا يعني أن هذا النظام قد سقط.» ولأن متابعيه ذكّروه بأنه سبق أن زار دمشق وصافح الأسد؛ لفت الحريري في اليوم التالي هؤلاء بالقول إنه فعل ذلك من أجل لبنان، مستدركاً: «لقد كانت هذه أصعب لحظات حياتي». ثم عاد وفصّل أكثر بعد نحو شهر: «ذهبت بصفتي رئيس حكومة لبنان للقاء رئيس سوريا، لمصلحة لبنان، ولم يكن يذبح شعبه بيده في حينها» (8/12/2011).
في 20/11/2011 وصف الحريري وزير الخارجية السوري وليد المعلم بأنه «كاذب يردد أكاذيب معلّمه بشار الذي كان يردد التصريحات التي سبق أن أطلقها الدكتاتوريون الذين رحلوا منذ زمن، والعالم العربي بأكمله سيستفيد من سقوط الأسد، فلا مزيد من التسويات». وقبيل المهرجان الذي أقامه تيار «المستقبل» في طرابلس وجّه الحريري تحية إلى الثوار العرب جميعاً، وخص بالذكر ثوار سوريا، قائلاً: «لقد كان أردوغان محقاً. الطاغية بشار يجب أن يرحل».
في 8/12/2011 قال الحريري: «موقفي واضح، إذا كان حزب الله مع نظام بشار الأسد على رأس السطح، فنحن مع الثورة السورية والشعب السوري على رؤوس الأشهاد. وأتوقع للثوار النصر بإذن الله». وبعد أسبوع قال لأحد السوريين: «نحن ندعمكم على طول الخط يا أصدقائي، وسوف نقوم بكل ما أمكن من أجل مساعدتكم سياسياً. النظام في سوريا سينهار كحائط من زجاج، غداً تدخل الثورة السورية شهرها العاشر في مواجهة القمع والمأساة. إنها مناسبة لتأكيد التضامن مع الشعب السوري، وهي مناسبة أيضاً لدعوة جميع العرب، شعوباً ودولاً وجامعة لمساعدة الشعب السوري في نضاله من أجل الحرية والكرامة.» (14/12/2011). وفي تعقيب منه على كلام وزير الدفاع حول وجود «القاعدة» في لبنان، قال الحريري: «هناك قاعدة واحدة وهي شبيحة بشار. الرئيس السوري خسر كل أصدقائه في العالم إلا القتلة، وهو سيسقط سقوطاً عنيفاً» (26/12/2011). وبعد يوم واحد أطلق الحريري موقفاً مدوياً دعا خلاله لـ «تشكيل قوة عربية- تركية مشتركة لإسقاط النظام السوري، ووقف المجزرة بحق الإنسانية» (27/12/2011). كما وجه الحريري نصيحته للمراقبين العرب بالقول: «عليكم أن تقولوا الحقيقة وليس كما يريدها النظام (2/1/2012).
ولأن مواقف الحريري قاطعة مع الأسد فقد لفته أحد متابعيه إلى ضرورة حفظ خط الرجعة. جواب «الثائر الحريري» كان كالآتي: «لا أريد أي خط رجعة مع هذا النظام. كفى يعني كفى. هذا النظام يجب أن يسقط. إن أحداً لا يمكنه الوقوف صامتاً تجاه ما يجري في سوريا» (7/1/2012). وفي مواساة واضحة للثوار بعد صدمة بيان اللجنة الوزارية العربية، قال الحريري: «صراحة، الله يعين الشعب السوري، لكنه سيكون حراً -بإذن الله-. جامعة الدول العربية وقعت في الفخ، ولكنني واثق بأن الشعب السوري سيتحرر! وأنا لم أر شجاعة مثل شجاعة الشعب السوري، وهو يقف في مواجهة الدبابات ويتعرض لنيران المجرمين» (8/1/2012) .
ولأن الحريري صار ثائراً؛ فقد جاءت مواقفه اللبنانية أقرب إلى مواقف الثورة. على سبيل المثال قال الحريري عن الحلف الرباعي: «كان خطأ، ولو كنت أعرف وقتها ما أعرفه اليوم، لما قمت بهذا الاتفاق» (15/11/2011). فضلاً عن إعلانه الصريح رفض انتخاب الرئيس نبيه بري رئيساً لمجلس النواب إذا فاز بالانتخابات القادمة، ورفضه حكومة وحدة جديدة تحت ظل السلاح، وغير ذلك من المواقف «الثورية».
في الواقع؛ فإن مواقف كهذه لم يكن ممكناً أن يطلقها الرئيس سعد الحريري وهو بالسلطة. هذا أكيد، لكن الحريري كان حريصاً دائماً –حتى مع هذه المواقف النارية- على التأكيد أن «ثورته» سياسية فقط، وأن سببها الجرائم التي ترتكب في سوريا بحق الشعب، ما يحتم التدخل بهذا الأمر للقول –بحق التدخل الإنساني- إن هذا الأمر غير مقبول!.
في تجارب التاريخ؛ فإنه حين يثور الأحرار، لا سيما الأوائل منهم، فإنهم لا ينظرون إلى المكاسب، بل يتحسبون للمخاطر، لكنهم بعد الانتصار يلبسون رغماً عنهم أكاليل الغار ويتوّجون أبطالاً... من يدري كم تبقى من الزمن بعد حتى تنتصر الثورة، ويتوّج أنصارها وداعميها بوسام البطولة، وبمحبة شعب أذهل العالم!.

بقلم فادي شامية

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية