الخميس، يناير 19، 2012

لو كان عبد الناصر بيننا؟




لو كان عبد الناصر بيننا؟، سؤال يتطلب اجابات على مستوى فكري وسياسي وتنظيمي، لكن وانطلاقا مما قاله عبد الناصر نفسه عام 1962 من ان الاهداف ثابتة فيما الاساليب تتبدل ووينبغي اعادة النظر فيها كل عقد من الزمن، ساعود وباختصار الى ثوابت فكر جمال عبد الناصر لنبحث ما اذا كان بامكاننا الاستغناء عن واحد منها او عن مجملها، ام انها مازالت صالحة لمواجهة تحديات الحاضر والمستقبل في آن.

في فكر جمال عبد الناصر يبرز الايمان الديني بغير تعصب وبغير افراط او تفريط. واذا كان المجال لايتسع لانجازات عبد الناصر الاسلامية فلا بد من الاشارة الى ان في عهده تحول الازهر الى جامعة لا تقتصر مواد التعليم فيها على الفقه والشرع بل اخذت بكل اسباب العلم كالهندسة والطب والاقتصاد والادارة والابحاث العلمية، واتسع ليضم طلابا من مختلف انحاء العالم الاسلامي، وفي عهده ايضا انحسرت لغة التعصب كما التطرف ولم تحدث مشكلة طائفية لا في مصر ولا في اي بلد عربي، وقد عشنا نحن في لبنان لايعرف احدنا هوية الاخر الطائفية او المذهبية. لقد كانت الوحدة الوطنية سياجا لحماية الاوطان وسببا من اسباب تحررها من نير الاستعمار. فهل بات مطلوب اليوم استبدال الايمان الديني غير المتعصب بايمان يكفر الاخرين ويوسم الاسلام السمح بما ليس فيه؟ واذا تم اختيار جماعة دينية ما، هل تقبل بها جماعة دينية اخرى؟ والجواب يدركه اي متتبع لاحوال الجماعات االدينية المنتشرة في لبنان وعموم المنطقة العربية؟ ثم الم تقم تجربة اسلامية في السودان منذ مايزيد على عقدين من الزمن، فهل حافظت هذه التجربة على وحدة السودان ام انها كانت سببا اضافيا لانفصال الجنوب وارتباطه بالعدو الصهيوني؟ ومن يحمي الاوطان التي تضم مسلمين متنوعين في المذهب او الاجتهاد ومسيحيين من اثارة النعرات الطائفية والمذهبية والعرقية، وهذه النعرات تلقى التشجيع والتأييد والتمويل من دعاة الشرق الاوسط الكبير والجديد والذي يستهدف كما بات معروفا تقسيم سبع دول عربية يليها تقسيم دول اسلامية اقليمية.

جانب آخر من فكر وتجربة جمال عبد الناصر هو الاستقلال القومي فهو لم يكتف بتحرير مصر من الاستعمار البريطاني بل دعم ثورات التحرر العربية من المحيط الى الخليج اضافة الى ثورات التحرر في بلدان العالم الثالث، ويوم حصلت مشكلة بين العراق والكويت عام 1961 تحرك سريعا لمنع التدخل الاجنبي وحل المشكلة في البيت العربي، وكذا حصل عام 1980 يوم اندلع القتال في الاردن مع الفلسطيين وقد دفع حياته ثمنا لوقف اراقة الدم العربي بيد عربية، لا كما يفعل البعض اليوم اذ يسخر كل امكاناته لاستدعاء التدخل الاجنبي وتجربة ليبيا مثال حي، فهل بات الاستقلال القومي اليوم مطلبا رجعيا لايتناسب ومنطق زمن العولمة. هل بات مقبولا احتلال العراق واستمرار احتلال فلسطين ومحاولات تفتيت الاوطان العربية الحالية؟ هل بات مقبولا الانتقال من التجزئة الجغرافية الى التجزئة الطوائفية والمذهبية؟ واذا كانت التجزئة الجغرافية سببا من اسباب التخلف العربي فهل تكون التجزئة الطوائفية والمذهبية طريقا صالحا لتقدم الشعوب، ام سببا لحروب لا تنته؟

وفي فكر جمال عبد الناصر تلازم الحرية السياسية بما هي مشاركة شعبية حقيقية في صياغة الحلول لمشاكل المجتمع مع الحرية الاجتماعية التي هي كفالة حق المواطن في الحياة الحرة الكريمة في ظل تشريعات للعدل الاجتماعي وتكافؤ الفرص، اي مابات يطلق عليه اليوم في التعبير الاعلامي حقوق الانسان، فهل نتنازل عن مفاهيم حرية الوطن وحرية المواطن لصالح مفاهيم الحرية الفردية المطلقة والتي يعبر عنها بحرية الجنس التي كانت اساسا في هدم المجتمع الغربي من خلال هدم الاسرة، ام نتنازل لصالح العودة بالمرأة الى اسوار التقوقع مخافة الغواية الشيطانية؟ والحرية الاجتماعية لم تكن عند عبد الناصر مجرد شعار فهو ادرك ان العدالة في التوزيع يتطلب كفاية في الانتاج لذلك بنى السد العالي الذي لولاه لكانت مصر اليوم تفتقر كما حال اللبنانيين الى ابسط مقومات الحياة الحديثة الا وهو الكهرباء كما اقام المصانع التي تحول دون سرقة الموارد الطبيعية من جهة وتحافظ على الاستقلال الوطني والامن الاجتماعي من جهة اخرى واقام ايضا الاصلاح الزراعي وتعميم التعليم المجاني، ليلغي المجتمع الاقطاعي الزراعي الذي كان سائدا والذي عاد في زمن الارتداد على الثورة ليتمثل باقطاع مالي ادى الى غنى افراد وافقار مجتمعات.

نسأل من يتهمنا باللغة الخشبية هل تتحقق حقوق الانسان بمعزل عن الحرية السياسية والحرية الاجتماعية التي نادى بها عبد الناصر وننادي نحن بها اليوم؟

ومن فكر جمال عبد الناصر الدعوة الى الوحدة بين العرب واساسها الوحدة الوطنية في كل قطر عربي. فهل بالسير في ركاب الاوسط الكبير تبقى دول وكيانات؟ واذا كان مجلس الوزراء البريطاني برئاسة بالمرستون قد اقر وقبل كامبل بانرمان بخمسين عاما وجوب وجود كيان غريب يفصل بين مشرق الامة ومغربها ليحافظ على امكانية نهب ثروات المنطقة، ومشروع الشرق الاوسط الجديد لم يعد سرا ولا مجرد خطط اعلنها اوديد بينون من فلسطين المحتلة عام 1982، فهل يكون الرد بالتنكر للوحدة ام بايجاد سبل متنوعة للوصول اليها وهذا ماطرحه جمال عبد الناصر في فكره وتجربته؟ لقد جربت الامة التضامن في حده الادنى فانتصرت في تشرين واصبحت القوة السادسة في العالم وجربت التناحر كما هو واقع الحال اليوم فتقسم السودان وطُمست القضية الفلسطينية واطل شبح التقسيم يهدد سوريا ومصر ودول الخليج العربي، فهل يجب علينا ان ننحاز لفكر عبد الناصر الوحدوي ام نقع اسرى التعابير التي تطلقها مراكز ابحاث متخصصة وتعممها وسائل اعلام مأجورة؟

لنحذر الارهاب الفكري الذي يحاولون تلخيصه بكلمات معدودة وجمل رنانة مثل: العصر عصر التكنوجيا لاعصر الايديولوجيا، او العصر عصر العولمة لاعصر القوميات او مقولة اقتصاد السوق لا اقتصاد الدول الوطنية، فالارهاب الفكري مورس في ستينيات القرن الماضي ووقع اسراه مثقفون فكانت النتيجة انحراف بعضهم ويأس بعضهم الآخر. ونحن لانريد للاجيال الصاعدة ان تيأس او ان تنحرف فنضع امامها فكر وتجربة عبد الناصر لا تكررها بل لتستلهما وتسير على ثوابتها بأساليب تتناسب مع طبيعة العصر والتحديات التي يفرضها.

عدنان برجي

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية