الخميس، أبريل 19، 2012
إيران الصفوية.. محاولة شريعتي الإصلاحية
الخميس, أبريل 19, 2012
لأهمية علي شريعتي الفكرية والنقدية كان يمكن أن تعنون قراءة كتابه "التشيع العلوي والتشيع الصفوي بالآتي "شريعتي يفتتح طريق الإصلاح الشيعي"، لولا أن هناك عدداً من المصلحين، من علماء الشيعة، رأوا من قبل أن ما دخل على التشيع كان ضرره أكثر من فائدته، وأنه لصالح تركيز سلطة سلطان لا فكر مذهب.
عاد علي شريعتي إلى إيران، بعد الحصول على الدكتوراه من فرنسا، وأسس حسينية الإرشاد (1969)، ومن على منبرها ألقى جل محاضراته، وكذلك الشيخ مرتضى مطهري (اغتيل 1980)، وثالثهما آية الله محمود طالقاني (ت: 1979). والغريب أن حياة الثلاثة انتهت بمأساة، وفي ظرف استثنائي، فإذا كان مطهري اغتيل علانية أمام داره بطهران، وهو رئيس مجلس قيادة الثورة، فالشبهات مازالت تدور حول وفاة علي شريعتي (1977)، بين جنود من عسل أرسلهم جهاز السافاك الشاهنشاهي، وبين الحريصين على التشيع الصفوي، وبما فيهم منهم من أركان الثورة الإسلامية نفسها.
إن رأي شريعتي، وحسب ما كتبه نجله، في مواجهة الماركسية وغيرها من الفلسفات أنه "في الطب من الأفضل تقوية مناعة الجسم بدلاً من استخدام الأدوية والوسائل الأخرى، وعلينا نحن أيضاً أن نعتني بتطوير أنفسنا وتقوية صفوفنا بدلاً من الانشغال بالخصوم".
ويضيف الابن قائلاً "أن شريعتي لم يستخدم قلمه من أجل تفنيد الشيوعية وإسقاطها، وإنما وجه رماحه ضد الرجعية، التي سادت في بلادنا منذ العهد الصفوي، وكانت تمسخ الإسلام والتشيع بإظهارهما في صورتهما الصفوية".
بسبب كتابه الذي بين أيدينا، ومجمل آرائه، أاتهم علي شريعتي بتهم خطيرة، حسب السائد في داخل إيران من مفاهيم من التركة الصفوية، منها اتهامه بتبني الوهابية، وبالتالي تحوله من المذهب الشيعي إلى السُنَّي، وأخرى أنه يدافع عن الدولة العثمانية، وهي الدولة المحاربة لإيران لقرون من الزمن.
يمثل شريعتي التركة الصفوية الداخلة بقوة في التشيع بقصة دلاك في حمام عمومي، يدلك لمختلف الرجال، من الأشراف والوضعاء، وحصل أن اشتكى له عميد قوم، من زبائنه، وجعاً في رأسه و أوجاعاً أخرى، وأراد الزبون أن يقضي الوقت في الكلام عن أحواله، لا بدافع طلب العلاج من دلاك. فلما أنهى حديثه عن وجع رأسه، وقلة نظره، وآلام ظهره وسواها نصحه الدلاك عليه بدواء الخاكشري "علاج مجرب"، وهو حسب الهامش "نبات شبيه بالسمسم ينفع شاربه بإزالة الحمى".
ولما اعترض الزبون على وصفة الدلاك بأنها تفيد لكل داء رد عليه بالقول "مهلاً عليك سيدي، فقد مضت عليَّ ثلاثون سنة وأنا أنقع الخاكشير ليلاً وأتناوله وجه الصباح دون أن أرى أي مكروه"! ويعلق شريعتي بالقول "هو ذا التشيع الخاكشيري، ومذهب أصالة الخاكشير"، ويعني التشيع الصفوي، حتى سماه "مذهب الخاكشيري".
والثانية: أن طباخاً لدى أحد الأمراء، وهو أمير سبزوار الإيرانية، اشتهى طعام الباذنجان، فما كان من الطباخ إلا أن أخذ يعدد للأمير فؤاد الباذنجان، وعلى وجه الخصوص باذنجان سبزوار، وكيف أنه مفيد للمعدة، وللبدن. ولكن بعد لحظة غير الأمير رأيه وطلب من طباخه أن يعدَّ له مرق الكمثرى، فاستحسن الطباخ الفكرة وأخذ يذم الباذنجان، وأن ما يزرع منه بمدينة سبزوار يسبب المغص، وأخذ يمتدح الكمثرى. ولما رأى الأمير هذا التناقض غضب من طباخه، فاجابه الطباخ بالقول: "عفواً سيدي! أنا خادم الحاكم ولستُ خادم الباذنجان"!
ومثلما كان الخاكشير دواءً لكل داء وأن الطباخ يتبدل حسب هوى مخدومه فتجد الدنيا بإيران كلها تبدلت واستحسنت التشيع الصفوي، بينما هو تشيع للسلطان لا لعلي بن أبي طالب وآله، وأن أتباع هذا التشيع هم أتباع السلطان لا أتباع علي. وكان في مقدمة المستحنين: الشعراء والفقهاء، فأخذت القصائد والمؤلفات طريقها إلى الناس بما ليس في التاريخ. ويذكر شريعتي أهم الكتب التي فاضت بتلك الروايات ومنها، أو في مقدمتها كتاب "بحار الأنوار" لمحمد باقر المجلسي (ت 1699 ميلادية)، وهو يشغل (110) جزء بالتمام والكمال، وحوت ما حوت من الروايات المختلقات.
حدد شريعتي للتشيع حقبتين: تبدأ الأولى من القرن الأول الهجري "حيث كان التشيع معبراً عن الإسلام الحركي في مقابل الرسمي والحكومي"، ويعني بالمذهب الأخير السُنَّي الأموي. وتبدأ الحقبة الثانية بالدولة الصفوية (القرن العاشر الهجري) "التي تحول فيها المذهب الشيعي من تشيع حركة ونهضة إلى تشيع حكومة ونظام". ويصف شريعتي وجود الدولة الصفوية، واتخاذها للتشيع بالطريقة التي أرادتها، وحربها ضد العثمانيين بـ "الهجوم الغادر".
قال "بينما كان العثمانيون منهمكين في دحر القوات الغربية، وتحقيق الانتصارات المتوالية إذا بقوة جديدة تظهر على حدودهم الشرقية، وتباغتهم من الخلف: ثورة في إيران يقودها رجل من سلاسة الشيخ صفي الدين الأردبيلي أحد أقطاب التصوف"! إنها الدولة الصفوية ليكون الإسلام الرسمي إسلامين متحاربين!
وبطبيعة الحال، يكفي هذا التصريح أن تُشن حملة ضد شريعتي، ومنبر الحسينية التي ألقى خطبته فيها، وقد شخص الذين تبنوا المجاهرة بعدائه بتسميتهم "رجالات التشيع الصفوي".
والغريب أن أحدهم من الباحثين المعروفين، وله كتب في كشف المختلقات في التاريخ مثل "عبد الله بن سبأ وأساطير أُخرى"، "خمسون ومائة صحابي مختلق" وغيرها، وهو السيد مرتضى العسكري (ت 2007) كان أحد مؤسسي حزب الدعوة الإسلامية بالعراق، وهذا لا يذكره شريعتي، ولعلَّ لا علم له بذلك، وإلا أن المعروف عن الأحزاب الشيعية العراقية تتحدث عن عدم صفوية التشيع بل عن عروبته.
وما يستغرب أيضاً في أمر العسكري أن أورد في بيانه ضد شريعتي قصة لا صلة لها برواية تاريخية، بقدر ما فيها من تأصيل الفرقة المذهبية، وسذاجة الكتابة في التاريخ بهذه الطريقة.
يروي صاحب "بحار الأنوار"، وهو من مؤلفات الفترة الصفوية، قصة الصلة بين العنصر الساساني الفارسي والعنصر العلوي بالحكاية الآتية: أن الإمام الحسين تزوج من ابنة كسرى بعد هزيمة الفرس بالمدائن، عند فتح العراق، وأنها جلبت أسيرة، وبمشورة من الإمام علي بن أبي طالب أكرمها عمر بن الخطاب، وأراد علي لها الزواج من ابنه، لتلد الإمام علي بن الحسين، المعروف بزين العابدين، ومن ذريته يكون بقية الأئمة، إلى المهدي المنتظر. وبهذا يكون الإمام الرابع بعد علي والحسن والحسين حفيداً ليزدجرد كسرى الفرس المهزوم، ومن هذا النسب أتت الصلات بين الساسانيين والعلويين. ويظهر بالحكاية التي يردها المجلسي بأن علياً كان يتحدث بلسان فارسي مع الفتاة، والرواية مثلما تأتي منسوبة أيضاً للإمام جعفر الصادق.
استطاع المفكر علي شريعتي من كشف ما طرأ على التشيع العلوي الأصيل، وكان الأقرب إلى أهل السُنَّة، بل إن المؤلف لايجد الفوارق كبيرة بين الجماعتين، وإذا كان الفارق كبيراً في مسألة الإمامة فهي أصبحت قضية تاريخ، لا بد من علاجها بما تصرف في حينه علي بن أبي طالب شخصياً إزاء حقه بالخلافة على ما يرد، حسب العقيدة الشيعية، في خطبة الغدير، يوم قال النبي "هذا علي أوالي مَنْ والاه..." إلى آخر الخطبة، ولا ينفي أحد من مؤرخي وعلماء أهل السُنَّة وجودها، لكنهم يختلفون مع علماء الشيعة في تفسيرها، هل هي: وصية سياسية أم معنوية اعتبارية؟


Posted in: