السبت، أبريل 14، 2012

حديث الوثائق بين محمد حسنين هيكل و مصطفى أمين


تبدو العلاقة بين الأستاذين الكبيرين محمد حسنين هيكل و مصطفى أمين فى غاية التعقيد والغموض خاصة من جانب مصطفى أمين
تم إلقاء القبض على الأستاذ مصطفى أمين فى 21 يوليو 1965 متلبسا مع ضابط المخابرات المركزية الأمريكية بروس تايلور أوديل فى حديقة منزل الأستاذ مصطفى أمين
وأثبتت الوقائع والأدلة عن القضية التى كانت تتابعها المخابرات العامة المصرية أن مصطفى أمين يتجسس على مصر لحساب المخابرات المركزية الأمريكية ،
وقد حوكم الأستاذ مصطفى أمين وأدين وحكمت عليه المحكمة بالأشغال الشاقة المؤبدة
طوال فترة المحاكمة والسجن كان الأستاذ هيكل على اتصال دائم بمصطفى أمين ، بل أنه هو الذى قام بتوكيل محام للدفاع عنه وكان يمده فى سجنه بكل مستلزماته من أقلام وأوراق وأغذية وأدوية
وحاول الأستاذ هيكل أكثر من مرة مع الرئيس عبد الناصر أن يخفف الحكم عن مصطفى أمين وأن يكتفى بكون مصطفى أمين تم كشف عمالته ويتركه يرحل خارج مصر
ولكن رفض الرئيس عبد الناصر كان قاطعا وقال لهيكل انه لا يستطيع العفو عن الجواسيس
كما قام الأستاذ هيكل بمساعدة أسرة الأستاذ مصطفى أمين أثناء محنته، وكانت علاقاته مستمرة مع تؤام مصطفى أمين ، الصحفى على أمين والذى كان يعمل مراسل للأهرام بأوروبا ومركزه مدينة لندن .
أصدر الرئيس السادات قراره بالإفراج الصحى عن مصطفى أمين فى 27 يناير 1974 والإفراج الصحى لا يسقط عن مصطفى أمين تهمة التجسس و لا حكم الإدانة
وفى 31 يناير 1974 خرج الأستاذ هيكل من الأهرام بعد تفاقم خلافاته مع الرئيس السادات عن الكيفية التى انتهت بها حرب أكتوبر 1973 والأسلوب السياسى الذى يتبعه السادات فى حل قضية الصراع العربى الإسرائيلى وبسبب شعورالأستاذ هيكل المبكر باتجاه السادات لصلح منفرد مع إسرائيل على حساب باقى الأطراف العربية ولرفض الأستاذ هيكل اعتماد الرئيس السادات المتزايد على الدور الأمريكى
عقب خروج الأستاذ هيكل من منصبه تم تعيين الأستاذ على أمين الذى عاد من لندن رئيسا لتحرير الأهرام وتم تعيين شقيقه المفرج عنه صحيا مصطفى أمين رئيسا لتحرير الأخبار
وبدأت حملة إعلامية ضارية من الأخوين أمين ضد الرئيس جمال عبد الناصر وعهده ورجاله بتشجيع من السادات ونظامه وبتمويل سعودى ، وتخطيط أمريكى وعبر إستكتاب كتبة وصحفيين أكلوا على كل الموائد وأستفادوا من كل العصور وضمن هذه الحملة وضمن ما طالته من رموز كان الأستاذ محمد حسنين هيكل الذى تم نعته بشتى التهم سواء من السادات نفسه أو من أبواقه وكتبة نظامه
فى تلك الفترة كتب الأستاذ مصطفى أمين سلسلة روايات من سنة أولى سجن إلى سنة تاسعة سجن وفيها لم يقدم دليل أووثيقة واحدة تبرئه من تهمة العمالة والتجسس للأمريكان بينما أنشغل الأستاذ هيكل بمقالاته وكتبه التى تنبأ فيها بالمصائب التى ستحدث لمصر وللوطن العربى جراء سياسات السادات المتحالف مع الأمريكيين والسعوديين كما دافع فيها عن المشروع الناصرى وفند أكاذيب وخرافات أعدائه
ثم جاءت لحظة الحقيقة عام 1984 عندما أصدر الأسناذ هيكل كتابه الوثائقى ( بين الصحافة والسياسة ) والذى تناول فيه قضية الأستاذ مصطفى أمين بالتفصيل وكتب الأستاذ هيكل فى مقدمة الكتاب انه ينشر هذا الكتاب وكل أطراف القضية على قيد الحياة ومن أجل التاريخ وتحدى الأستاذ هيكل الجميع وأولهم الأستاذ مصطفى أمين ان يستطيعوا تكذيب معلوماته و وثائقه
يقول الأستاذ هيكل فى كتابه عن دار أخبار اليوم و عن الأخوين على أمين ومصطفى أمين
ان دار أخبار اليوم تم انشاؤها بأموال المخابرات المركزية الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية عندما أيقنت الولايات المتحدة بخروجها منتصرة من الحرب
بدأت إنشاء سلسلة من دور النشر الصحفية التى هدفها الترويج لسياسة الولايات المتحدة ونمطها فى الحياة والدفاع عن التوجهات و المصالح الأمريكية
نشر الأستاذ هيكل فى الكتاب مقالات الأستاذين مصطفى وعلى أمين فى تمجيد الملك فاروق والهجوم على حزب الوفد كما نشر مقالاتهما فى تمجيد الرئيس عبد الناصر حتى قبل القبض على الأستاذ مصطفى أمين بأيام معدودة ،
نشرالأستاذ هيكل وثيقة من 60 صفحة بخط يد الأستاذ مصطفى أمين وبأسلوبه المعروف فى الكتابة تتضمن الوثيقة رسالة منه للرئيس عبد الناصر يعترف فيها بعمالته للأمريكان ويطلب فيها العفو من الرئيس عبد الناصر .
فند الأستاذ هيكل إدعاءات مصطفى أمين بتعذيبه فى السجن مستعينا بشهادة محامى الأستاذ مصطفى أمين فى قضية التجسس والذى أنكر وقوع أى تعذيب على مصطفى أمين
أستعان الأستاذ هيكل بشهادات أصدقاء مقربين من مصطفى أمين مثل الصحفى اللبنانى سعيد فريحة ورئيس وزراء السودان محمد أحمد محجوب اللذان أكدا كلام هيكل عن عدم تعرض مصطفى أمين للتعذيب فى سجنه .
أتهم هيكل الأستاذ مصطفى أمين انه كان يقوم بتهريب الأموال للخارج عبر أصدقائه فى المخابرات الأمريكية ،
كما أتهم تؤامه على أمين بالعمالة للمخابرات البريطانية ، والسعودية وان السعوديين كان يصرفون عليه أثناء حياته بأوروبا
أتهم الأستاذ هيكل الأستاذ مصطفى أمين انه يجيد فبركة الأكاذيب ويصدقها ويزيد عليها وانه رجل لكل العصور .
نشر الأستاذ هيكل وثيقة شديدة الخطورة عن على أمين هى الوثيقة رقم 28 بملحق وثائق كتاب ( بين الصحافة والسياسة ) وهذه الوثيقة عبارة عن مذكرة بخط الوزير / سامى شرف مرفوعة للرئيس / جمال عبدالناصر بتاريخ 3 يونيو 1970 .
وهى ترصد مجموعة من التحركات التى تتم ضد مصر على الصعيدين الداخلى والخارجى وقد قام الأستاذ هيكل بالشطب على كلام الوزير سامى شرف الذى يرصد هذه التحركات لاعتبارات تتعلق بالأمن القومى وقت صدور الكتاب .
ولكن ما يتعلق بموضوعنا هو تأشيرة بخط يد الرئيس عبدالناصر على الطرف الأيسر أعلى الصفحة كتب فيها : ( لقد تقابل على أمين فى روما مع أحد المصريين المقيمين فى ليبيا وقال له أن الوضع فى مصر سينتهى آخر سنة 70 ) .
لقد كان على أمين هاربا من مصر بعد اتهام أخيه مصطفى أمين بالتجسس على مصر لمصلحة الولايات المتحدة الأمريكية وكانت الشبهات تحيط بعلى أمين أيضا لذا فضل أن يظل خارج مصر ولكن كيف علم على أمين أن الوضع فى مصر سينتهى آخر 1970 ؟
لقد توفى الرئيس / جمال عبد الناصر فى 28 سبتمبر 1970 أى قرب نهاية العام 70
وبوفاته انقلبت كل الأوضاع فى مصر وفى الوطن العربى .
فكيف علم على أمين بوفاة الرئيس " جمال عبد الناصر " قبل الوفاة بثلاثة أشهر ؟!!
ومن هو المصرى الذى قال له على أمين أن الوضع فى مصر سينتهى أخر سنة 70 ؟
ولماذا كتب الرئيس "جمال عبد الناصر "تلك التأشيرة بالذات ؟ ولماذا تذكر على أمين بالتحديد ؟!

ذكر الأستاذ هيكل فى كتابه ( بين الصحافة و السياسة ) ان قضية الأستاذ مصطفى أمين هى القضية رقم واحد فى سجلات المخابرات العامة المصرية وان وثائقها و تفاصيلها فى متحف المخابرات العامة المصرية .
قال هيكل ان الإفراج عن مصطفى أمين جاء ضمن صفقة لإرضاء الأمريكيين ،والسعوديين وانه أفرج عنه مع مجموعة من عملاء أمريكا وإسرائيل وبطلب من كيسنجر والأمير سلطان بن عبد العزيز .
وتساءل الأستاذ هيكل لماذا تأخر السادات فى الإفراج عن مصطفى أمين كل تلك المدة من 1970 حتى 1974 لو كان يعتبره بريئا ؟
ولماذا أفرج السادات عن مصطفى أمين إفراج صحى إذا كان واثقا من براءته ؟
ولماذا لم يرفع الأستاذ مصطفى أمين قضية يطلب فيها إعادة محاكمته لتبرئة ساحته وتنظيف سمعته من تهمة العمالة
والتجسس للأمريكان ؟
وفى عام 1990 أصدر الأستاذ هيكل كتابه ( الانفجار 1967 ) عن حرب 1967 وفيه أعاد إتهام الأستاذ مصطفى أمين بالتجسس لحساب الأمريكان ونقل محضر لقاء بين الرئيس عبد الناصر و الزعيم الباكستانى ذو الفقار على بوتو ، يدين فيه الرئيس عبد الناصر الأستاذ مصطفى أمين وينقل لذو الفقار على بوتو وقائع قضيته كدليل على تأمر الأمريكان ضد مصر
ولمدة 13 عاما كاملة بعد صدور كتاب ( بين الصحافة والسياسة ) و7 سنوات بعد صدور كتاب ( الانفجار 1967 ) وحتى يوم 13 أبريل 1997 يوم وفاة الأستاذ مصطفى أمين
لم يرد الأستاذ مصطفى أمين على كتابات هيكل ووثائقه وقائمة اتهاماته رغم تحدى هيكل له ان يرد إذا أستطاع ورغم ان الكتب التى تدينه أمام التاريخ وزعت الاف النسخ وطبعت عشرات المرات ولا تزال تطبع .
أنشغل الأستاذ مصطفى أمين خلال هذه المدة بصياغة كتب من نوعية مذكرات اعتماد خورشيد ومذكرات برلنتى عبد الحميد لتشويه عهد عبد الناصر عبر حكايات صفراء مثيرة ،لا يصدقها عاقل وتثير غرائز الجهلة و العوام فقط .
حتى الأن مازالت بعض الأقلام تهاجم عبد الناصر وهيكل ،وتدافع عن براءة مصطفى أمين ولهؤلاء جميعا أتوجه بالسؤال
هل تحبون الأستاذ مصطفى أمين أكثر من نفسه ؟
هل تتوقعون كسب قضية فشل صاحبها نفسه فى كسبها ؟
هل هو إصرار أعمى على تزوير التاريخ؟
ورغم مرور كل تلك السنين
يبقى السؤال معلقا دون إجابة
لماذا لم يرد الأستاذ مصطفى أمين على كتب و وثائق الأستاذ محمد حسنين هيكل ويبرئ ساحته و ينظف سمعته من تهمة خيانة وطنه وهى أبشع تهمة قد يتهم بها إنسان ؟
والإجابة متروكة لذكاء القارئ
بقلم : عمرو صابح
كاتب و باحث عربى من مصر
.....................................

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية