السبت، أبريل 14، 2012

هنا صوت الإسلام


لطالما تهربت من الصلاة خلفه في يوم الجمعة، فهو يطيلُ، بحيث تخرج كل المساجد في خان يونس، وغزة، ويعود المصلون إلى بيوتهم، وهو لا يزال على المنبر، ولطالما اندهشت وأنا أسمع ثناء المصلين عليه، فلم أتخيل في لحظة أن هنالك الجديد الإبداعي في خطبة يوم الجمعة، إلى أن قدر الله لي يوماً أن أقصر المسافة، واستمع إليه، فإذا بي أمام ظاهرة خطابية غير تقليدية، فلا الكلام الذي يرد محكوم للعادة، ولا الألفاظ الموظفة في الخطابة يشوبها الإسفاف، ولا الفكرة التي يتناولها في الخطبة بعيدة عن هموم الناس، وجدت نفسي أمام خطيب متميز، يلاحق الأخبار، ويتابع المستجدات، ويراقب ما يكتب في المواقع الإخبارية، ويتناول بالتعليق والتحليل أحداث الساعة في فلسطين، فإن كان المُصلي عارفاً بقواعد اللغة فالخطيب لغوي، وإن كان ملماً بالبلاغة فالخطيب إمام، وإن كان له اهتمام بالسياسة فالخطيب يتناول القضايا المصيرية بالتحليل، والتشريح، والتعقيب.

يبدأ الخطبة بالإعلان عن المكان الذي تجرد من منافع الدنيا، وهو يقول: هنا صوت الإسلام، وكأنه يحدد الاتجاه الفكري من البداية، ليتلو آية من القرآن الكريم، يكون قد اهتدى إليها بعناية فائقة تحقق المواءمة بين الفكرة، وبين ما يجري على الأرض، بين قول الخالق، وما ينطبق على المخلوق، ويسوق الشواهد، وكأن الحديث نهر حقائق يجرف الباطل الذي تكدس على طريق وعي الفلسطينيين السياسي.

انتبهت إليه يوم الجمعة وهو يربط بشكل إبداعي بين عصا موسى عليه السلام، وبين الأفكار في عصرنا، لقد استطاع خطيب خان يونس الشيخ أحمد نمر حمدان أن يستخلص بذكاء تلك العلاقة القائمة بيت السحرة الذين استقدمهم فرعون لنصرة أفكاره، وتعزيز حجته، وبين أي حاكم أو سلطان يحوّط نفسه بمجموعة المنظرين، والمتكلمين، والمفكرين، والكتاب الذين يبررون قراراته، وتصرفاته. فلما ألقى السحرة حججهم الفكرية، ألقى موسى عصاه، فابتلعت فكرة التوحيد التي مثلتها عصا موسى أفكار السحرة، واحتوت قناعاتهم التنظيمية، ونظرياتهم الوضعية، وآرائهم السياسية، التي وقفت عاجزة في الدفاع عن نفسها أمام الحق. ولم تكن المفاجأة في سجود السحرة، وتخليهم عن فرعون كأول إشارة على انهيار النظام. لأن المنطق، يقول: إن كل ذي عقل؛ سواء كان كاتباً، أو مفكراً، أو سياسياً، أو إنساناً قادراً على فهم المتغيرات، وتجرد من المصالح، هو أول من يتغير، ويركل الأصنام، ويأبى التحجر، وهو ينضُّ عن نفسه الثوب البالي الذي يثير لونه الثيران فقط.

فيما سبق، كان الإمام يخطب، وكنت أهيم بخيالي في آخر الدنيا، فلم يقو خطيب المسجد الذي يهشم اللغة العربية على شدي إليه، ولم يقو الخطيب الذي لا يربط بين الدين والدنيا على الاستحواذ على عقلي، لأجد نفسي مجبراً على متابعة كلام الشيخ أحمد نمر بشغفٍ، وانتباهٍ، وكأنني تلميذٌ في مدرسة خان يونس الإعدادية للاجئين. أتعلم اللغة العربية على يد الشيخ أحمد نمر، الذي يرفض إلا أن يظل معلماً، وهو يقول للناس: أعرف أنني أطلت عليكم، ولكن؛ أيكم يضمن لي حياتي حتى الأسبوع القادم!.
د. فايز أبو شمالة

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية