السبت، أبريل 14، 2012

حال السنة في إيران: عمليات ضد الحرس الثوري

يتميز تنظيم "جند الله" عن غيره من الحركات والأحزاب العاملة في إقليم بلوشستان، بميوله إلى العمل العسكري عنه إلى العمل السياسي؛ فيكاد نشاطه السياسي يقتصر على المراسلات في الداخل والمناشدات التي كان يرسلها قائد التنظيم عبد المالك ريغي إلى بعض قادة الدول العربية والإسلامية، في محاولة لاستقطاب الدعم منهم.

أما في المجال العسكري فتظهر دينامية التنظيم بجلاء من خلال العمليات النوعية التي كان يشنّها على حرس الثورة الإيراني، وحيث استطاع أن يكبّدهم خسائر كبيرة طالت جنوداً وقادة كبار في الحرس الثوري، ناهيك عن الخسائر اللوجستية والمعنوية الأخرى، ومن أبرز تلك العلميات:

- في أول عملية لها قامت "مجموعة جند الله البلوشية" بخطف تسعة جنود من حرس الحدود الإيرانيين 2005، حيث طالبت آنذاك بالإفراج عن بعض أعضاء مجموعتها المعتقلين في إيران والمحكومين بالإعدام، بتهمة "محاربة الله والفساد في الأرض".

- كما قامت عناصر من منظمة ريغي في مارس (آذار) 2005 بقطع الطريق الواصل بين مدينتي زابل وزاهدان في منطقة تاسوكي، وهاجمت قافلة لمسؤولين مدنيين وعسكريين كبار في الإقليم قتلت خلال العملية 21 شخصاً منهم، وقد نجا حاكم مدينة زاهدان من الموت بأعجوبة.

- وقامت عناصر من التنظيم في فبراير(شباط) 2005 بتفجير عدة قنابل استهدفت قوات الحرس الثوري الإيراني في الإقليم، حيث قتلت نحو 11 منهم.

- وفي أيار(مايو) قامت عناصر من الحركة بخطف 16 عسكرياً إيرانياً في هجوم لها على مخفر للشرطة في مدينة سراوان، حيث قامت باغتيالهم بعد أن رفضت الحكومة الإيرانية طلبهم بالإفراج عن المعتقلين البلوش والعرب والكرد في السجون الإيرانية.

- قامت عناصر من الحركة في نيسان (أبريل) 2006 بقطع الطريق بين مدينتي بام وكرمان في منطقة دارزين، حيث سقط إثر هجومها 34 قتيلاً والعديد من الجرحى وخطفت عدداً آخر.

- تبنّت جماعة "جند الله" أكبر هجوم على الإطلاق استهدف الحرس الثوري الإيراني في 18/10/2009 بمدينة سرباز، ما أدى إلى مقتل 42 إيرانياً بينهم قادة كبار في الحرس الثوري، وقالت المصادر الرسمية إن من بين القتلى نائب قائد القوات البرية للحرس الثوري الجنرال نور علي شوشتري، وقائد الحرس الثوري في إقليم سيستان بلوشيستان الجنرال رجب علي محمد زادة، وقائد الحرس في مدينة إيرانشهر، وقائد لواء أمير المؤمنين، وعدد آخر من قادة هذه القوات.

تميّزت هذه العمليات التي شنّها التنظيم ضد الحرس الثوري الإيراني بفاعلية عالية، ودقة استخباراتية متناهية، فقد أعادت حسابات الحكومة العسكرية في الإقليم، سيّما أن هذه التكتيكات العسكرية، يراها أكثر المحلّلين أنها تحمل بصمة تنظيم القاعدة العسكرية، وهو ما يدلّل على أن ثمة تمدّد أيديولوجي في المثلث الساخن لحركة طالبان والقاعدة، وهو ما يؤكده مركز الدراسات البلوشية، ما يجعل حسابات القوة والضعف والربح والخسارة غاية في التعقيد ضمن جملة متناقضات من الحسابات السياسية والمضاربة الأيديولوجية بين أفغانستان وباكستان وإيران، وهو ما سنحاول رصد سياقاته في خاتمة هذا البحث.

مما لا شك فيه، أن تنظيم جند الله، وبفعل تكتيكاته العسكرية المرعبة في إيران، وتبنّيه استراتيجية بعيدة المدى، من خلال جهوده في التنسيق بين المجاميع الإسلامية النشطة في الأقاليم السنّية الأخرى، وخطته للاختراق في العمق الإيراني، يشكل هاجساً أمنياً للسلطة المركزية الحاكمة في إيران، ولكن يبقى الخطر الأكبر للتنظيم والهاجس الأمني الأعظم للدولة الإسلامية هو قدرته على التمدّد ضمن حواضنه القبلية والأيديولوجية والعقيدية المتوافرة في بلوشيستان بأقاليمها الثلاثة في باكستان وأفغانستان وإيران، ما يمكّن التنظيم من رفد قوّته اللوجستية والعسكرية وتوسيع نطاق عملياته في جبهات جديدة ضد النظام الإيراني.

من جهة أخرى، قد يشكّل هذا التمدّد للتنظيم خطراً واضحاً على الدولتين اللتين تتقاسمان الإقليم مع إيران؛ وعلى وجه الخصوص باكستان التي بدأ ينتشر في إقليمها الوعي النضالي ضد ما يقال إنها ممارسات قمعية للحكومة الباكستانية ضد البلوش الباكستانيين، وأفكار التمدّد بالجملة يباركها تنظيم القاعدة الذي يرى في الحكومات الرسمية الثلاث: باكستان وإيران وأفغانستان حكومات ساهمت في تقويضه وإضعافه وخسارة قاعدته في تلك الدول.في المقابل، فإن هذه الدول، ورغم كل المتناقضات السياسية والتضاربات الأيديولوجية بينها، فإنها ما زالت تحافظ على مسافة من التقاء المصالح الأمنية للحيلولة دون تمدّد جسور الاتصال والتنسيق بين جند الله والتنظيمات الإسلامية النشطة في تلك الدول.

بالموازاة مع ذلك، فإن وجود التنظيم في المثلث الساخن لعمليات القاعدة وطالبان يطرح الهاجس الأمني بقوة عند الحكومة الإيرانية، ويضخّم من خطورة التنظيم في الوعي السياسي والأيديولوجي والعسكري عند الإيرانيين، ويعكس في وعيهم نماذجية منطقة القبائل في باكستان وأفغانستان، وهو ما قد يساهم في تفريخ وعي أيديولوجي مدعوم بالعمليات العسكرية لانفصال الأقليم، يضاف إلى ذلك، ما تردّد عن دعم سري من الولايات المتحدة للتنظيم لإقلاق حرس الثورة الإيراني وخلخلة السلطة الإيرانية بموازاة الملف النووي والضغط الإسرائيلي من جهة أخرى، لتتشكّل مجموعة عوامل تحكم القلق الإيراني من المستقبل المنتظر.

صحيح إذن، أن ما يقوم به التنظيم في تبنّيه للخط الجهادي ضد الحكومة الإيرانية في سبيل حصوله على مطالبه الحقوقية كواجهة عمل أثبتت فاعليتها في مسار الضغط السياسي، إلا أن الخطر الأكبر يبقى في مجمله ما يخفيه المستقبل إذا ما نجح التنظيم في الوصول إلى التطبيقات الاستراتيجية التي أشرنا إليها سابقاً والتي بدأ يعمل التنظيم بها مؤخراً.

لذلك فإن الحكومة الإيرانية وحيث تدرك خطورة هذا الموقف، ركّزت في تنسيقاتها الأمنية والاستخبارية لاعتقال قائد التنظيم الذي تم بالفعل مطلع هذا العام في 23 فبراير(شباط) 2010، كضربة استباقية ضد استراتيجية التنظيم، ومحاولة القضاء عليه قبل أن يتمدّد.

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية