الخميس، أبريل 12، 2012

الطريق الى حرب تموز

الطريق الى حرب تموز

علي شهاب

كانت السنوات الخمس التي سبقت حرب لبنان الثانية في تموز 2006 كثيرة التقلبات على الساحة اللبنانية. وقد برزت ثلاث حوادث دراماتيكية وقعت في لبنان وخارجه في العام 2000:

أ) خروج الجيش الإسرائيلي من "المنطقة الأمنية" في أيار 2000.

ب) وفاة الرئيس السوري حافظ الأسد في حزيران 2000. إن تغيير الحكم في دمشق لم يؤثر على سوريا وحسب بل طال "النفوذ السوري" في لبنان.

ج) اندلاع الانتفاضة الثانية في تشرين أول 2000. نتيجة لذلك، باتت اسرائيل معنية بمعالجة "الإرهاب الفلسطيني من خلال بذل الجهد لعدم الانجرار مرة أخرى إلى مستتقع لبناني أخر".

على الساحة الدولية، وقعت أحداث 11 أيلول 2001 وتلاها غزو العراق في العام 2003. وقد نجم عن سقوط نظام صدام حسين "تعاظم قوة إيران وتسارع سعيها، (بالتعاون مع سوريا) من أجل السيطرة على المنطقة". كل هذه التطورات تركت تأثيرها على الساحة اللبنانية.

بناء على ما تقدم، يضع مركز "تراث الاستخبارات الاسرائيلي" روايته لاندلاع حرب تموز، بالإشارة الى أن من خلال فهم المتغيرات المحلية والدولية "يمكن فهم تعاظم قوة حزب الله في السنوات التي سبقت حرب لبنان الثانية".

المعسكرات المتصارعة في لبنان

في أعقاب خروج القوات السورية من لبنان في آذار من العام 2005، تبلور معسكران متخاصمان على الساحة اللبنانية الداخلية:

1- "قوى 14 آذار"، وهي عبارة عن "تحالف مناصر للغرب ومناوئ لسوريا وإيران، وهو مبني على المسلمين السنة بقيادة سعد الحريري، نجل رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة. وقد انضم اليهما جزء من المعسكر المسيحي (أمين الجميل وسمير جعجع) إلى جانب قسم كبير من الطائفة الدرزية بقيادة وليد جنبلاط".

2- معسكر أنصار سوريا وإيران الذي يقوده حزب الله: يضم هذا المعسكر أيضا حركة أمل برئاسة نبيه بري، وجزء من المعسكر المسيحي برئاسة ميشال عون الذي يتمتع بدعم لا يستهان به وسط المسيحيين.

وقد تطور الصراع بين هذين المعسكرين أكثر من مرة الى "مظاهر من العنف، غير أن الطرفين حرصا، ولا يزالان يحرصان لغاية اليوم، على عدم الانجرار إلى حرب أهلية".

الحالة الإستراتيجية الجديدة التي نشأت في الشرق الأوسط بعد العمليات الإرهابية في 11 أيلول، سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على العراق وإسقاط صدام حسين، أدت إلى اعتبار سوريا كواحدة من دول "محور الشر" وزادت الضغوط الأجنبية من أجل رفع سيطرتها عن لبنان، من خلال الحراك الأميركي – الفرنسي الذي "تجسد بداية في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559 بتاريخ 2 أيلول 2004. ويدعو هذا القرار إلى انسحاب جميع القوات غير اللبنانية (أي الجيش السوري) وتفكيك المليشيات اللبنانية (أي حزب الله)".

وصلت العمليات التي نالت من الوجود السوري في لبنان "إلى النضج بصورة دراماتيكية باغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري الذي رفض السير في مسار السياسة السورية". ونجم عن مسلسل القتل اللاحق لاغتيال الحريري "تضامن بين الطوائف المسيحية والسنية والدرزية، في حين بادرت الطائفة الشيعية، ممثلة بحزب الله بتنظيم تظاهرة قوة استعراضية حاشدة، تضم مئات الالاف، في بيروت بتاريخ 8 آذار 2005" دعما لسوريا.

كانت هذه التظاهرة الاعلان الرسمي لـ"صعود حزب الله إلى موقع قيادي في الطائفة الشيعية". ونظرا لموقعه في المنظومة السياسية والاجتماعية الداخلية اللبنانية وتحالفه الاستراتيجي مع ايران وسوريا "يوجد لحزب الله هويتان: الهوية الشيعية اللبنانية والهوية الإسلامية الراديكالية الجهادية الإيرانية؛ وهما هويتان تعملان جنبا إلى جنب بتوتر دائم".

أ) الهوية اللبنانية: كمنظمة لبنانية ذات طابع طائفي، يتمتع حزب الله بدعم كبير وسط الطائفة الشيعية، وهي أكبر طائفة في لبنان وأكثر الطوائف المغبونة. ويحاول حزب الله أن يظهر كمن يعمل من أجل تحقيق مصالح وطنية لبنانية شاملة بخصوص الصراع مع إسرائيل، وفي هذا السياق، فإن حزب الله يعرض نفسه باستمرار على أنه "حامي لبنان" من إسرائيل.

ب) الهوية الجهادية: في الوقت نفسه، فإن حزب الله منظمة ذات طابع إسلامي- راديكالي، وقد تبنى لنفسه أيديولوجية ثورية إيرانية. إن حزب الله، كما هو حال إيران، يحمل طابعا مناوئا للغرب بصورة صارخة (ومناوئ لأمريكا بصورة خاصة)، على النقيض من التاريخ والتقليد اللبناني متعدد السنوات الذي يقوم على الاعتماد على الدول الغربية.

خلال العشرين سنة الماضية، "عزز حزب الله من حضوره في المجتمع الشيعي، ووصل الى مكانة متقدمة، من خلال ادارة نشاطات اجتماعية واقتصادية واسعة وسط الطائفة الشيعية، في مجالات التربية والتعليم والصحة. كما اكتسب الحزب مكانة وسط أبناء الطائفة الشيعية لأسباب لبنانية داخلية دامغة لا علاقة لها بالصراع مع إسرائيل".

وبعد الانسحاب الاسرائيلي من الجنوب عام 2000، "بلور حزب الله قواعد لعب جديدة، ولم يترك العمل ضد اسرائيل، من خلال محاولة تنفيذ عمليات خطف لجنود اسرائيليين وقصف مواقع في مزارع شبعا ودعم الحركات الفلسطينية".



تعزيز البنية العسكرية

بعد العام 2000، صار بمقدور حزب الله، لأول مرة منذ إنشائه في العام 1982، "التفرغ إلى حد كبير من وطأة الحرب اليومية وتركيز عمله في بناء قوته العسكرية وتحسينها، بالاعتماد على دعم لا سابق له من إيران وسوريا حوله من منظمة إرهابية تحارب بنمط حرب العصابات إلى منظمة ذات قدرات تشابه قدرات الدول، وفي بعض الأحيان تفوقها".

هناك شخصية هامة في بناء البنية التحتية العسكرية لحزب الله وتفعيلها "هو الحاج عماد فايز مغنية، النائب العسكري لأمين عام حزب الله، وهو الشخص الذي يقف من وراء الكثير من العمليات الإرهابية التي وقعت ضد إسرائيل والدول الغربية".

وتهدف البنية التحتية العسكرية المحسنة إلى تحقيق الأهداف التالية:

أ) توفير "طول النفس" الاستراتيجي الذي يعني القدرة على إدارة معركة متواصلة ضد إسرائيل بهدف المس الواسع والمتواصل بالجبهة الداخلية، فضلا عن القدرة على إدارة دفاع مخطط في مواجهة هجوم بري اسرائيلي.

ب) إيجاد "توازن رعب" يردع إسرائيل من الدخول في مواجهة أخرى، ويتيح لحزب الله الاستمرار في استفزاز إسرائيل على أساس قواعد لعب يضعها هو. (قواعد اللعب هذه لم تعد موجودة منذ حرب تموز).

ج) تعزيز قوة ومكانة حزب الله في الساحة اللبنانية الداخلية.
ويقوم مفهوم استعداد حزب الله في أنحاء لبنان على أربع مناطق مختلفة يعيش فيها سكان شيعة:

§ هيئة "الأركان العامة" في بيروت التي تضم المقرات القيادية في الأحياء الشيعية في جنوب بيروت (خاصة حارة حريك التي يوجد فيها "مركز الأعصاب" الخاص بحزب الله والمعروف باسم المربع الأمني).

§ "النواة التنفيذية" في جنوب لبنان التي كانت تضم لغاية حرب تموز معظم الصواريخ.

§ منطقة القتال الخلفي في هضبة النبطية إلى الشمال من نهر الليطاني. تهدف هذه المنطقة إلى منح حزب الله عمقا دفاعيا وتفعيل الصواريخ بعيدة المدى.

§ المنطقة اللوجستية: البنى التحتية الخاصة بالإرشاد والجانب اللوجستي في البقاع اللبناني. تستوعب هذه المنطقة الوسائل القتالية التي تصل من سوريا وإيران، ويتم خزنها أو نقلها إلى المناطق الأخرى.

في هذه المناطق الأربع، وخاصة في جنوب لبنان، قام حزب الله ببناء ثلاث منظومات قتالية :

أ) المنظومة الهجومية: وهي منظومة كانت تعتمد لغاية حرب تموز 2006 على مخزون كبير من الصواريخ. وقد تم إخفاء معظم هذه الصواريخ في مستودعات مخصصة لهذا الغرض في قرى جنوب لبنان وبعضها في مناطق طبيعية.

ب) المنظومة الدفاعية: مخصصة لتمكين القتال بنمط حرب العصابات. المكونات الأساسية لحرب العصابات تقوم على المشاة، الصواريخ المضادة للدبابات، المتفجرات، قوات خاصة وأسلحة مضادة للطائرات.

ج) المنظومة اللوجستية: تشمل المستودعات القتالية في المئات من البيوت السكنية والمؤسسات الاجتماعية والدينية.

ووفقا لتقديرات "مركز تراث الاستخبارات"، من أجل تفعيل هذه المنظومات الثلاث، فإن حزب الله "قادر وقت الأزمات على تجنيد أكثر من 10 الاف مقاتل".

ونتيجة للتزويد المكثف من الصواريخ من قبل إيران وسوريا، يستكمل حزب الله ترميم منظومته الصاروخية. "وفقا لتقديراتنا، فإن حزب الله قادر اليوم على إطلاق كمية مشابهة لتلك التي أطلقها خلال الحرب وأن يشمل في دائرة الاستهداف تجمعات سكنية في شمالي دولة إسرائيل وأواسطها ".



القرار 1701

شكل قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، الصادر في 12 آب 2006، علامة تشير إلى انتهاء حرب لبنان الثانية واضطرار حزب الله إلى التأقلم مع الواقع الجديد في جنوب لبنان.

حتى اللحظة "امتنع حتى الآن، في أطول فترة منذ إنشائه، عن القيام بعمليات ضد إسرائيل". من جهة ثانية، فإن القرار 1701 "لم تطبق مكوناته الأساسية: لم يتم نزع السلاح في منطقة جنوب لبنان، ولم يتم فرض حظر على تهريب الأسلحة من سوريا إلى لبنان. التقييم المرحلي يشير إلى تآكل انجازات القرار 1701، وأنه لا يشمل الضمانات الكافية لتوفير الهدوء والاستقرار طويل الأمد في جنوب لبنان وفي لبنان بأسره. قد يغير حزب الله سياسة عملياته محاولا إستعادة مكانته، لدى انتهاء عملية إعادة تأهيله أو لدى تغيير منظومة اعتباراته واعتبارات إيران وسوريا على الصعيد اللبناني الداخلي أو الإقليمي".

عيتا: سرّ التردّد البرّي

انطلقت عملية الأسر التي نفذها حزب الله في 12 تموز 2006 من بلدة عيتا الشعب. وعند بدء العملية، قدّرت الاستخبارات الإسرائيلية أن 30 مجموعة لا تضمّ أكثر من 200 مقاتل كانت تعمل في القرية، وهي مجهّزة بصواريخ مضادّة للدروع وقاذفات «آر بي جي» ووحدات استطلاع. كذلك، كان في القرية 25 خبيراً في الصواريخ المضادّة للدروع بينما انتمى بقية المقاتلين إلى القوّات الخاصة. خلال الـ96 ساعة الأولى، هاجم الجيش الإسرائيلي الطرقات وأهدافاً في أطراف البلدة. طغى القصف الجوي والمدفعي طوال شهر تموز. في صباح 1 آب 2006، قتل ضابط إسرائيلي وجنديان من الكتيبة 101 التابعة لسلاح المظليين وأصيب 25 جندياً آخر بجروح معظمهم بصواريخ مضادة للدروع.

في 13 آب، قتل 4 جنود إسرائيليّين وأصيب 14 بجروح في هجوم صاروخي آخر بواسطة صاروخ مضاد للدروع استهدف وحدة مشاة في تلة «أبو طويل» شمالي عيتا الشعب.

كانت مواجهات عيتا، بحسب دراسة صادرة عن جامعة سلاح الجو الأميركي، من أبرز العوامل المؤثّرة في القرار الاسرائيلي المتردّد بعدم زجّ سلاح البرّ في الحرب.

تابع الجيش الأميركي معارك تموز 2006 عن كثب. وفي حين سجلت اسرائيل جدلا في تقييم الحرب، فإن المؤسسة العسكرية الأميركية لم تشهد سجالا ملحوظا عند استخلاص العبر. "تم القاء القبض علينا غير مستعدين"؛ عنوان احد اهم الدراسات الأميركية، الصادرة عن معهد الدراسات العسكرية في حصن "ليفنوورث" في ولاية كنساس، حول الحرب البرية في تموز.

وفقا لنظريته في القتال، لم يكن لدى رئيس الأركان في الجيش الاسرائيلي اللواء دان حالوتس اي نية لتنفيذ خطة اجتياح بري.

ولكن بعد الحاح من قادة الجيش توصل حالوتس وجنرالاته الى اتفاق للقيام بحملات برية محدودة.

لم يكن هدف هذه الحملات تدمير حزب الله او صواريخه بل عملية خداع لمحاولة استدراج نصر في الوعي الاسرائيلي وتجنب الهزيمة في الادراك لدى الجنود الاسرائيليين. لقد تبين لاحقا أن هذه الخطوة كانت بلا طائل. لم تكن الطلعات الجوية لتدمر صواريخ حزب الله كما هو الحال بالنسبة للحملة البرية.

بحسب قائد اسرائيلي رفيع المستوى "لم يكن هناك معنى على الاطلاق لهذه الخطوة. اما ان تقوم باحتلال كامل منطقة اطلاق الصواريخ او لا تفعل".

في السابع عشر من تموز، بدأت اولى ارهاصات الهجوم البري الاسرائيلي الواسع قرب مارون الراس. احدى وحدات النخبة المشاركة في المعركة كانت وحدة "ماجلان" الأكثر تجانسا بين القوات الخاصة الاسرائيلية. فوجئت هذه القوة بغزارة النيران وصلابة مقاتلي حزب الله.

صباح اليوم التالي، كانت القوة محاصرة. في قيادة المنطقة الشمالية، كان "اودي ادم" غير قادر على تصديق ان إحدى افضل الوحدات في قواته وقعت في الفخ.

بدوره تسائل حالوتس "ماذا يجري مع ماجلان؟".

أجاب ادامز " انهم محاصرون"، قبل أن يضيف " يجب أن ارسل المزيد من القوات".

انطلاقا من الخنادق والانفاق، كان مقاتلو حزب الله في مارون الراس ومحيطها يقاتلون بشراسة. ومع اشتداد المعركة، اجبر الجيش الاسرائيلي على زج المزيد من القوات. سرعان ما دخلت الدبابات المرافقة لثلاث الوية فضلا عن وحدة "ايغوز" التابعة للواء "غولاني" وكتيبة هندسة ولواء مظليين.

في 19 تموز، قتل صاروخ مضادر للدروع أطلقه حزب الله خمسة جنود من "ايغوز" بينما كانوا يختبئون في منزل. في الوقت نفسه، اصيبت عدة دبابات بصواريخ من طراز "ساغر" المضاد للدروع ما ادى الى اصابة العديد من الجنود.

لم يقاتل حزب الله كما كنا نظن أنه سيفعل. قال احد الجنود.

أربكت تكتيكات حزب الله الجيش الاسرائيلي.

وفي حين يلف الغموض الكثير من المشاكل في اداء الجيش الاسرائيلي في مارون الراس، فقد أطلق الجنود والضباط انتقادات حول التكتيك والاصابات.

منذ اللحظات الاولى للمعركة، اشارت التقارير الميدانية الى اصابات كثيرة في صفوف الجيش الاسرائيلي ما سبب قلقا لدى الضباط. كذلك اظهرت التقارير نقصا في الكفاءات والمهارات الاساسية. ذلك ان سنوات القتال ضد الفلسطينيين لم تطور كفاءة القوات الاسرائيلية.

استدعى اولمرت وحالوتس الاحتياط، بعد تفاجؤهم بعناد حزب الله في مارون الراس وعدم فعالية الحملة الجوية، في 21 تموز. تمت عملية استدعاء الاحتياط بشكل فوضوي، في حين كان الدعم اللوجستي متأخرا نحو 48 ساعة عمل عن انتشار الاحتياط.

وعلى عكس مما كان يظنه الكثيرون، لم يكن الهدف من استدعاء الاحتياط دعم القوات النظامية في اجتياح بري لجنوب لبنان. حتى تلك اللحظة، كانت خطة حالوتس لا تزال هي نفسها: لم تكن هناك نية أصلا لإرجاع حزب الله الى ما وراء نهر الليطاني. وقف قادة البر مذهولين يتساءلون عن الأهداف الحقيقية للحرب.

في اليوم الذي استدعي فيه الاحتياط، اضطرت اسرائيل الى طلب ذخائر اضافية من الصواريخ الموجهة من الولايات المتحدة. لقد استخدمت اسرائيل، في غضون عشرة أيام، معظم مخزونها من الذخائر، ومع ذلك لم يغير هذا الأمر في "المنطق العسكري" لحزب الله أو في قدراته القتالية.

في هذه الأثناء، كان الموساد يسرب معلومات الى الصحافة في 28 تموز تفيد بأن "حزب الله لم يعاني من أي اضرار ملحوظة في قدراته العسكرية، وأن المنظمة قادرة على خوض حرب لأشهر طويلة".

أما حالوتس "الخائب" بسبب فشل الحملة الجوية ومقاومة حزب الله واصل جهوده لتأمين "نصر في الوعي الاسرائيلي".

بحلول الرابع والعشرين من تموز، كان عناصر من لواء "غولاني" والكتيبة السابعة المدرعة يتخذون مواقع حول بنت جبيل. وفي الخامس والعشرين من تموز، بدأت كتيبة المظليين الخامسة والثلاثين بالتحرك شمال غرب البلدة محاولة اتخاذ مواقع رادعة.

في اليوم نفسه، أعلن قائد الفرقة 91 غال هيرش أن قواته سيطرت على بنت جبيل. ولكن هذا الإعلان لم يكن صحيحا.

ومع استمرار حزب الله في قصف اسرائيل بالصواريخ، أعطى حالوتس أوامره لقائد المنطقة الشمالية "اودي ادم" لمهاجمة البلدة.

أراد حالوتس التأثير على إدراك حزب الله من خلال استهداف رمزية البلدة حيث ألقى السيد حسن نصر الله خطابه الشهير عام 2000.

ولكن في النهاية، القت معركة بنت جبيل بثقلها على الوعي لدى الرأي العام الاسرائيلي لناحية التشكيك بحرفية الجيش الاسرائيلي.

اعطى حالوتس أوامره لـ"غزو بنت جبيل" بكتيبة واحدة فقط.

في السادس والعشرين من تموز، وبعد قصف مدفعي عنيف للبلدة، تحركت الكتيبة 51 في لواء "غولاني" باتجاه البلدة من الشرق. في هذه الأثناء، كان حزب الله يزج بمزيد من المقاتلين في المنطقة. لم تكن هذه هي المرة الأخيرة التي استطاعت فيها استخبارات حزب الله تقدير خطوات الجيش الاسرائيلي.

عند الساعة الخامسة والنصف من صباح ذلك اليوم، تقدمت المجموعة الأولى والثالثة من الكتيبة الاسرائيلية باتجاه ما بدا انه مخزن لأسلحة حزب الله. احد الجنود الاسرائيليين وصف ما جرى بعدها بأنه "كمين في الجحيم" اثر الاشتباكات التي دارت. في النتيجة، اصيب 30 عنصرا من المجموعة الثالثة، اي ما يوازي ثلث قوة المجموعة، من بينهم نائب قائد الكتيبة روي كلاين. كذلك، اصيب خمسة جنود من المجموعة الأولى.

استمرت المجموعتان الاسرائيليتان "في مقاومة" نيران حزب الله الكثيفة. أحد الشهود العيان وصف الفوضى في مركز قيادة الكتيبة مشيرا الى أن كبار الضباط كانوا يركضون في ارجاء المركز، حاملين خرائط وأجهزتهم الخلوية، في محاولة لتنسيق جهود سحب الجرحى والقتلى.

وفي لحظة ما، أبلغ غال هيرش رئيس الاركان دان حالوتس بما يلي: "لا يمكننا انزال المروحيات لسحب الجنود، المعركة عنيفة". حتى اليوم الأخير من الحرب لم يستطع الجيش الاسرائيلي تأمين بنت جبيل بالكامل.

ولكن مع ذلك، ظل حالوتس، خلال الحرب، مقتنعا بصحة نظريته. في الأيام الاخيرة من شهر تموز، اختار حالوتس تنفيذ استراتيجية " الدخول والانسحاب". شكك جنرالات هيئة الاركان بصواب هذه الخطة، حتى ان اللواء عيدو ناخوشتان ( قائد سلاح الجو حاليا) نصح حالوتس قائلا أنه من دون حملة برية لن يكون الجيش الاسرائيلي قادرا على وقف صواريخ الكاتيوشا، وتابع ناخوشتان " يجب ان تخبر الحكومة بذلك، واذا لم يوافقوا عليهم ايقاف الحرب حالا".

بالرغم من كل شيء، كان الجيش الاسرائيلي، بحلول الأول من آب، يقود عمليات صغيرة في جنوب لبنان. في ذلك اليوم، اعلن الجيش أن فرقة الهندسة والمدرعات اتخذت مواقع لها في محيط قرى ميس الجبل ومحيبيب وبليدا. كما عزز الجيش قواته في الطيبة والعديسة ورب تلاثين وعيتا الشعب ومارون الراس وبنت جبيل.

اختصر المسؤول السابق للقوات الدولية تيمور غوكسيل المشهد بالقول " في العام 1982 استطاع الجيش الاسرائيلي الوصول الى بيروت، اليوم هو لا يستطيع التقدم بضعة كيلومترات".

الاحتياط

بدت هشاشة القوات البرية الاسرائيلية جلية مع استدعاء الاحتياط الى الحدود. أفاد مصدر شديد الموثوقية بما يلي:" علم قادة حزب الله الميدانيين أن القوات الاسرائيلية ضعيفة التجهيز والتنظيم حتى في صفوف الوية النخبة. كان وضع الإحتياط اسوأ وتردد قادة اسرائيل كثيرا في زجهم في المعركة".

أحد الجنود الاحتياط في لواء مدرعات أبلغ مراسل أجنبي أنه " في السنوات الست الماضية، خضعت لتدريب لمدة أسبوع واحد فقط. والنتيجة كانت أننا غير جاهزين لمواجهة مقاتلين حقيقيين كمقاتلي حزب الله".

أحد فصائل المظليين، الذي يضم 30 جنديا اسرائيليا، كان يملك قبضتين اثنتين فقط من صواريخ "لاو" المضادة للدروع. كما ان معظم جنود الاحتياط كانوا يعانون من نقص في البزات المقاومة للرصاص وحاجيات الطبابة والذخيرة ومعدات الرؤية الليلية، فضلا عن مياه الشرب والغذاء. حتى ان جنود لواء "الكساندروني"، وهو احد الوية النخبة، عانوا بشدة من الجفاف في أجسامهم بسبب النقص في الغذاء والمياه، ما ادى الى عرقلة مهمتهم.

بالاضافة الى ذلك، عانى الاحتياط من قصور في التدريب. العميد ايريز زاكرمان، الذي قاد كتيبة مدرعات من الاحتياط، أمضى حياته المهنية في البحرية، ولم يتلق ابدا تدريبات على استخدام الدبابات أو القوات المؤللة. أما العميد ايال ايزنبرغ فقد تعرض لـ"توبيخ شديد" بسبب ادائه الفاقد للكفاءة التكتيكية.

في النتيجة، وبعد ثلاثة أسابيع من الحرب، لم تقدر القوات البرية على التقدم أكثر من أربعة أميال، وبقيت المنطقة الحدودية غير آمنة، كما هو حال قريتي مارون الراس وبنت جبيل.

على الرغم من ذلك، تألفت مجمل قوة حزب الله جنوب الليطاني من 3 الاف مقاتل فقط. حتى ان الحزب لم يضطر الى استدعاء احتياطيه طوال الحرب.

بحلول 8 آب 2006، كان قد قُتل 61 جنديا اسرائيليا، في حين زعم الجيش الاسرائيلي أن 450 عنصرا من حزب الله قد قُتلوا. إن هذا الرقم الأخير فيه الكثير من المبالغة، ذلك ان حزب الله فقد ما يقارب 184 مقاتلا في الحرب كلها.

في الحادي عشر من آب، أصدر مجلس الأمن القرار 1701 بهدف تطبيق وقف إطلاق النار "بأسرع وقت ممكن". كانت الأيام الأخيرة من الحرب أشدها غرابة، اذ أعطى اولمرت ووزير دفاعه عامير بيريتس الأوامر للقوات بالتقدم شمال الليطاني. وفي حين لا يزال سبب هذه المناورة مشوشا، فهي بالتأكيد لم تكن تهدف لـ"تدمير" حزب الله. بدا ان الجيش الاسرائيلي لا يزال يتبع استراتيجية حالوتس في القتال.

بحلول 11 آب 2006، بدأت كتيبة من احتياط القوات المنقولة جوا، بقيادة العميد ايال ايزنبرغ، بالتحرك شمالا باتجاه قريتي "دبل" و"قانا". فجأة، أصاب صاروخين مضادين للدروع منزلا كان يعج بأكثر من 50 مظليا اسرائيليا في "دبل"، بناءً على اوامر ايزنبرغ نفسه. قتل الهجوم تسعة جنود وأدى الى اصابة 31 اخرين.

ومع دخول قرار وقف اطلاق النار حيز التنفيذ، تحركت كتيبة العميد "غال هيرش" بموازاة الخط الساحلي غربا انطلاقا من شمال بنت جبيل، حيث كانت مقاتلو حزب الله لا يزالون صامدين.أسفرت هذه الخطوة عن حالة من الفوضى شبيهة بما حصل في مارون الراس وبنت جبيل مطلع الحرب.

في هذا السياق، أظهر تحقيق حكومي اسرائيل خللا فادحا في المهنية في اداء الكتائب. استنتج التحقيق أن قادة الكتائب لم يتواجدوا مع قواتهم خلال المعارك وفشلوا في فهم اوامر القيادة العليا. كذلك أشار التحقيق الى أن النقص في التدريب أدى الى الفشل في كثير من المواقع.

بحسب مصدر اسرائيلي موثوق، من بين 11 قائد كتيبة، نجح واحد فقط في اجتياز الحدود مع حلول نهاية الحرب.

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية