لم تكن محاولة اغتيال الدكتور جعجع مفاجئة، وإن كان أسلوب القنص جديداً... وفي حرم الحصن المنيع في معراب. والسبب في عدم المفاجأة هو أنّ مراجع أمنية وديبلوماسية كانت وَضَعت مجموعة من الشخصيّات السياسية اللبنانية في أجواء احتمال استهدافها: الرئيس سعد الحريري منذ خروجه من السراي، والنائب سامي الجميّل قبل نحو شهرين، وسواهما...
ولكن، إضافة إلى تلك المعلومات، جاءت التطوّرات الأخيرة في سوريا لتثير الهواجس. ففي قراءة مراجع وثيقة الاطّلاع، أنّ الخصوم الإقليميّين والداخليّين لـ 14 آذار قرّروا اغتنام الفرصة لمحاولة حسم معركتهم اللبنانية، بعدما شعر النظام السوري مرحليّاً بأنّه أكثر ارتياحاً في معركته الداخلية، وبأنّه تمكّن من كسب مزيد من الوقت.
و"حَسم المعركة"، بالنسبة إلى هؤلاء، أدواتُه سياسية وأمنيّة. فالمطلوب كسب انتخابات 2013 النيابية و2014 الرئاسية في أيّ ثمن. ومن هنا الاستعجال المفتعل لإقرار قانون للانتخابات يناسبهم حصراً. ويُراد من القانون أن يُضعف قوى 14 آذار إلى الحدّ الأقصى، وينهي طغيان زعامة جنبلاط الدرزيّة. وفي حال كهذه، يُستَفرَد الفريق "الوسطي" ويصبح أمام حتمية الانخراط الإجباري "في الصف"، فتسقط السلطة في أيدي هؤلاء بكاملها.
ومن هنا، في رأي مصدر رفيع في 14 آذار، تأتي المخاوف من التصفيات الجسديّة. فالدراسات والاستطلاعات التي تجريها المؤسّسات المعنيّة تُشير إلى أنّ قوى 14 آذار تتفوّق شعبيّاً، مثلما كانت عشيّة الانتخابات التي فازت فيها بالغالبية عام 2009. وأظهرت استطلاعات وصلت نتائجها إلى قادة 8 آذار ومفادها أنّه إذا جرت الانتخابات النيابية الآن، فإنّ الأرجحية ستكون لفريق 14 آذار. وهذا الواقع استدعى التسريع المفاجئ في إنجاز قانون "مدروس" للانتخابات في ظلّ الأكثرية والحكومة الحاليتين. كذلك استدعى هذا الواقع، وفقاً للمصدر عينه، شنّ "حملة ترهيب وتصفيات جسديّة ذات تأثير حاسم".
خياران "حريريّان": الابتعاد... أو الإبعاد!
لذلك، بعد "قطوع معراب"، سيواصل الحريري احتماءه خارج دائرة الخطر اللبنانية حتى إشعار آخر. فيما حليفه جعجع يرسم خططاً أكثر مناعةً لحماية أمنه، حتى في داخل منزله الحصين. لكن الأكثر عرضة للخطر بعد جعجع، في تقدير المصدر، هو جنبلاط. فأمن المختارة ليس أقوى من أمن معراب. والإزعاج الذي يثيره "أبو تيمور" لم يعُد اليوم أقلّ من ذلك الذي يتسبّب به رئيس "القوات". وتالياً، لم تَعُد المختارة بعيدة من "منظار القنّاصة"، أو أيّ أسلوب آخر، أكثر من معراب. كما أنّ بين كوادر جنبلاط وجعجع حالاً من التواصل في الجبل. وإذا كان جعجع هو حجر العثرة الأكبر أمام استكمال خرق الحالة المسيحيّة، فإنّ زعامة جنبلاط عقبة أمام خرق الحالة الدرزيّة. والضغط على الرجلين، وفقاً للمصدر، يستهدف وضعهما أمام خيار من إثنين:
- إمّا خيار الابتعاد الجسديّ (نموذج سعد الحريري)
- وإمّا خيار الإبعاد الجسدي (نموذج رفيق الحريري)!
فعندما غادر جنبلاط السرب الذي التحق به قسراً بعد 7 أيّار 2007، ثمّ "القمصان السود"، غامر بالعودة إلى دائرة الخطر الأمني. لكنّه راهن على ضمانات معيّنة، أبرزها الإبقاء على شعرة معاوية مع "حزب الله"، وحاجة "الحزب" إلى دور يمكن أن يضطلع به جنبلاط، كوسيط لبنانيّ احتياطي، في حال سقوط النظام السوري. فمن خلال التعهّد بعدم إسقاط الأكثرية والحكومة الحاليتين، بقي جنبلاط يأمل البقاء في منأى عن الخطر. وهو حاول قبل يومين تأكيد التواصل مع "الحزب"، و"تنظيم الخلاف" معه، واعداً بعدم تغيير معادلة الأكثرية.
لكنّ التطوّرات السوريّة، والإقليمية عموماً، قد تكون أسرع من التوقّعات. وربّما طرأت أو تطرأ معطيات ليست في حسبان المختارة، تجعلها جدّياً في دائرة الخطر. ولذلك، يعتقد المصدر أنّ أمام جنبلاط، وكذلك سائر أركان 14 آذار، مرحلة حسّاسة سياسيّاً وأمنيّاً يصعب تقدير المدّة التي تستغرقها وما يمكن أن تؤدي إليه، لكنّها بالتأكيد مربوطة بالمسار الذي يسلكه الملفّ السوري ومفاجآته المحتملة.
0 comments:
إرسال تعليق