الجمعة، أبريل 13، 2012

عالمية الإسلام باقية على الرّغم من تحريف اركانه وتزويرها

تتجلى عظمة الله سبحانه وتعالى ورحمته ، ان جعل الدّين الذي يقبله ولا يقبل دينا غيره ، هو دين الفطرة التي فطر سبحانه الخلق عليها فقال ( فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون) الروم 30 ، ففطرة الناس منذ خلقهم الله تقوم على اركان واساس هذا الدّين ، بمعنى انّ اركان هذا الدين فطريّه مقبوله للنفس البشريه ولا يمكن الإعتراض عليها ، وتتماشى بشكل طبيعي مع ميول الخلق ، وتتجه اليها النفوس والأرواح والعقول مدفوعة بفطرة الخلق اساساً . يقوم عماد هذا الدّين على مسلّمة ( axiom ) الإيمان بالله واليوم الآخر ، وهذه المسلّمه لا يمكن بحال من الأحوال اثباتها علميا او دحضها علميا ، فهي دائما تبقى مسلّمه غير قابله للبرهان، ويتساوى في قبولها او رفضها الناس جميعا ، ابتداءاً من نبيّ الفيزياء البرت اينشتاين ...... وصولا الى ابو العبد بائع الفلافل ، وفي هذا يتجلّى عدل الله سبحانه وتعالى بين الناس ، أن جعل ايمان التسليم بوجوده متاحا للجميع بنفس الدرجه ودون تمييز بين عالم وجاهل ، فتجد نابغا عالما وينكر وجود الله وتجد جاهلا بسيطا مؤمن به ، او تجد جاهلا بسيطا وينكر وجوده وعالما نابغا مؤمناً به ، ودون ان يكون للعلم او الجهل تأثيراً في قبول او رفض هذه المسلّمة ، التي هي محور الإسلام ،

فالإسلام محورة الله والتسليم بوجوده ، وأيّ دين محوره غير الله لا يكون اسلاماً ، ومن هنا نفهم معنى قوله تعالى إن الدين عنده هو الإسلام، وأنه لا يقبل ديناً غيره ، إذ كيف يقبل الخالق من عباده ديناً هو غير موجود فيه بالأصل ؟ هذاالإيمان تسليما بوجود الله واليوم الآخر سمّاه الله إسلاماً ، فاذا اقترن هذا التسليم عند الفرد بالصراط المستقيم ، اي منظومة القيم الأخلاقيّه ، كان صاحبه مسلماً، سواء أكان من أتباع محمد (الذين آمنوا) أو من أتباع موسى (الذين هادوا) أو من أنصار عيسى (النصارى) أو من أي ملة أخرى غير هذه الملل الثلاث كالمجوسية والشيفية والبوذية (الصابئين) ، والقرءان حسم هذا الأمر بقوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) البقرة 62 ، ونفهم هنا من هذه الآيه أنّ التنزبل يضع للإسلام اركاناً ثلاثة هي :

1 ـ الإيمان تسليماً بوجود الله ، وهذه هي تذكرة الدخول إلى الإسلام . 2 ـ الإيمان تسليماً باليوم الآخر (ولاحظ هنا أن التسليم باليوم الآخر يعني ضمناً التسليم بالبعث). أي أن الإيمان بالله واليوم الآخر هي المسلمة التي لا تقبل النقاش عند المسلم . 3 ـ العمل الصالح .

لكن اي عمل صالح لا يمكن ان يكون صالحا الا اذا كان محكوما بمنظومة القيم ( الأخلاق ) ، هذه المنظومه الأخلاقيّه الحاكمه للأعمال سمّاها التنزيل الحكيم الصراط المستقيم وجاءت في سورة الانعام ، ولنقرأ (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون ، وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ۖ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۖ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۖ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ، وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) 151، 152 ، 153 ، فهذه القيم التعاليم هي الصراط المستقيم حصرا ، بدليل قوله (وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ) وفيها تقوى الله ، التقوى بعمومها ، فقال (ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ، وفيها يكون الوصول الى التقوى ، والوصول الى التقوى معناه الوصول الى الجنه (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا... ) الزمر73 منظومه الأخلاق هذه هي فطرت الله التي فطر الناس عليها ، لأنّه لا يمكن لأحد ان يخرق بند من بنودها الا ويعلم في قرارة نفسه انه يفعل امرا سيئأ وغير مقبولاً ، والنفس البشريه تتعفف بدافع الفطرة اولا ، عن الإساءه الى الوالدين ، وتتعفف بفطرتها عن الخيانه الزوجيه ، وتتعفف بفطرتها عن قتل النفس ، وتتعفف عن الغش في المواصفات ، وتتعفف عن اكل مال اليتيم ، وتتعفف عن شهادة الزور ، وهذه القيم كلّها مقبوله للنفس البشريّه ولا يمكن الإعتراض عليها . وبما انّ هذه القيم اساس الإسلام دين الله للناس جميعا فقد جاءت وتراكمت من نوح الى محمد ، فهي ( الفرقان) عند موسى وهي ( الوصايا العشرة ) عند المسيح ابن مريم ، وهي ( الصراط المستقيم ) عند محمد وهي القاسم المشترك بين هذه الملل الثلاث جميعا ، وهي المنظومه الأخلاقيه التي حكمت حياة الأنبياء جميعا من نوح الى محمّد عليهم السلام ، فهي مفردات الإسلام واركانه ، ولا يمكن بحال من الأحوال ان يخرقها نبّي ، حتى ذلك الذي همّت به وهمّ بها ما كان له ان يتمادى ، فرأى برهان ربّه وصرف عنه السوء والفحشاء ولم يتركه ليخرق احدى بنود هذه المنظومه، فالأنبياء جميعا بهذه المنظومه الأخلاقيه مع ايمانهم بالله واليوم الآخر استحقوا ان يكونوا مسلمين فكانوا مسلمين .

ولكي نعي ونعقل مدى الأهميّه العظيمه لهذه المنظومه في حياتنا ، نراه سبحانه وتعالى تعالى مرّة يقول لعلكم تعقلون ، ثم مرة اخرى لعلّكم تذكّرون ،ومرّة وصاكم به واخيراً لعلكم تتقون ، الّا اننا نلاحظ ورغم كل ذلك التنبيه انها تخلو تماما من الشعائر مثل الصوم والصلاه والحج والزكاه ، والسبب انّه هنا يتحدث عن اركان دين الفطرة ، ودين الفطرة لا بد ان تكون اركانه تتماشى من فطرة الخلق ، فبرّ الوالدين فطرة ولا يحتاج ان يكلفك به احد او ان يدلّك عليه آخر، امّا الشعائر فهي ليست من الفطرة وهي تكليف وتتعارض اصلا مع الفطره ، فالإنسان مفطور على الأكل اي انه كلّما جاع أكل ، فاذا صام فإنه يصوم تكليفا وليس فطرةً ، ومن هنا نفهم انّ الإسلام يقوم على الفطرة والشعائر تقوم على التكليف ، وبما انّ منظومة الأخلاق كلها تقوم على الفطرة وليس بها شعائر نفهم انها بالضرورة هي اركان الإسلام ، وليست اركانه الصوم والصلاه وبقيّة الشعائر ، ولعلّ اسوأ ما فعلته الأدبيات الإسلاميه التراثيّه بالثقافه العربيه والفكر الإسلامي هو استبدالها اركان الإسلام التي هي ( منظومة الأخلاق ) بالشعائر ، فاصبحت اركان الإسلام هي الصلاة والصوم والحج والزكاه ، وهذا بدوره وجّه ضربه قاسمة الى الإسلام ، بأن جعلته الأدبيات الإسلاميه الثراثيّه ينتقل من العالميه الى المحليّه وصار حكرا على اتباع محمّد وحدهم ، لأن الشعائر خصوصيّه من خصوصيّات المسلمين اتباع محمد حصراّ ، ومرّة اخرى حين ربطت مفهوم الدين والتديّن بالشعائر، باعتبارها اركان الإسلام بعيدا عن المعيار الأخلاقي ، فاصبح الحكم على دين الإنسان يتم بدلالة صلاته وصيامه مهما كان شكل تعامله مع الناس ، وهذا ما اوقعنا في ازمة اخلاقيّه كبيره ، فاصبح الكذب والغش وبخس الناس اشياءهم اهون بكثير من افطار يوم في رمضان ، وأصبحت رؤية حاكم مستبد فاسد ، متوضأً بالدماء يصلّي الجمعه تحت عدسات المصوّرين شهاده له بالصلاح ، مع انه في الواقع مجرم ، ونسوا ان الشعائر من صوم وصلاه ليس لها قيمه وليس لها معنى عند الله والناس اذا تجردّت من المعيار الأخلاقي ( الصراط المستقيم )، لأن عبادة الله لا تكون بالشعائر والطقوس ، ولا تكون إلّا باتبّاع بنود منظومة الأخلاق ، التي هي جميعا الصراط المستقيم بدليل قوله (وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ) ، واتّباع الصراط المستقيم هو حصرا عبادة الله (وَأَنِ اعْبُدُونِي ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ) يس61 ،. وأكثر من ذلك فنحن حين نقوم الى الصلاه ، نبدأ صلاتنا بفاتحة الكتاب ، ونقرأ ( إيّاك نعبد وإيّاك نستعين ) ، والسؤال الذي يتبادر لمن يعقل ، وكيف نعبده ؟ وتأتي الآيه الناليه لتقول لك كيف تعبده ، فتقول ( اهدنا الصراط المستقيم ) ، اذن عبادة الله هي اتباع الصراط المستقيم ، الّذي هو منظومة القيم والأخلاق ، التي يجب ان تكون فاعله في نفوسنا ، وتحكمنا في ادارة شؤون حياتنا اليوميه ، وتعاملنا مع الناس ، فعبادته تعالى يجب ان تعود نفعا وصدقا وعدلا وصفاءا وحسن خلق على الناس والمجتمع .

أنّ ما يميّز هذه المنظومه الأخلاقيه انها القاسم المشترك التي تحكم اهل الارض جميعا ، وليست حكرا على اتباع النبي محمّد دون غيرهم من النّاس ، لأنها قيم انسانيه وبالتالي لا يمكن لأي مجتمع ان يتجاوزها ، فالبوذي والمجوسي واليهودي والمسيحي يحسن لأبويه ، دون ان يعلم شيئا عن هذه الآيات ، وقتل النفس حرام قبل الف عام وحرام الآن وحرام بعد الف عام ، وهو حرام في مكه وحرام في هيوستن وحرام في طوكيو ، والتقيّد بالمواصفات والمقاييس والبعد عن الغش او بتعبير القرءان ايفاء الكيل والميزان قيمه انسانيه من قيم المجتمع الصناعي المنتج ، والتلاعب فيها يعرض صاحبها للمساءله القانونيه والعقاب ، ولو جاء رئيس الحكومه اليابانيه وقال بما اننا لا نتبع اي الملل التي تحكمها الوصايا العشر او الصراط المستقيم ونتبّع تعاليم الشنتونيه ــ دين اليابان الرسمي ــ سنسمح بشهادة الزور ، متجاوزا قرار القرءان (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۖ ) لإتهمه اليابانيّون بالجنون ، وطالبوا بعزله كونه يهدم قيمه انسانيه لا يمكن مع اختراقها ان يستقيم المجتمع ، ودون ان يعرفوا انهم يدافعون عن ركن اساسي من اركان الإسلام العظيم ، ولهذا نرى انه ليس على الآرض من امّة الا ويحكم حياتها شيء من الإسلام الذي اركانه ومفرداته منظومة الأخلاق بعد الإيمان بالله واليوم الآخر ، وهنا تتجلى عالمية الاسلام كدين عالمي يحكم اهل الأرض بكثير من مفرداته الأخلاقيه ، حتى ولو بنسب متفاوته بين مكان ومكان وبين مجتمع وآخر. وبالإضافه الى كون هذه المنظومه قيم اجتماعيّه فهي قيم انسانيه فرديه ايضا

ولهذا نجد انه ليس من احد من الناس إلا وله نصيب من هذه القيم وبالتالي له نصيب من الإسلام ، لأنه لا يمكن بحال من الأحوال ، ان يقوم انسان واحد بمفرده ويخرق هذه المنظومه ويخرج عنها دفعة واحده ، فيشرك بالله ويسيء لأبويه ، ويقتل النفس البريئه ، ويغش في المواصفات ، ويقترف الفواحش ، ويسرق مال اليتيم ، ويشهد الزور ، ويخون العهد ويخلف الوعد ، ولإستحالة هذا فلا بد وان تبقى مفردات دين الله الإسلام تحكم الناس ولو جزئياً وفي كثير من مناحي حياتهم عرفوا او لم يعرفوا ، شاءوا ام أبوا ، ، وصدق فقال ( أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ) ال عمران 83 ، صدق الله العظيم .
صائب مراد

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية