الأحد، مايو 13، 2012

سوريا "الممانعة" و"الصمود" و"التصدي"

أيمن شحادة

عبر مراجعة شاملة وسريعة لتاريخ سوريا منذ مجيء آل الأسد إلى سدّة الحكم عام 1971 وحتّى عشية اندلاع إنتفاضة "الحرية والكرامة"، وبالتوقف ملياً عند كلّ حدث أو إستحقاق كان للنظام السوري الدور الأبرز فيه ... نجد أن سيرة هذا النظام كانت دائماً معيبة على جميع المستويات، إذ لا يحتاج المرء سوى لتسليط الضوء على الوقائع الجلية التي لا لبس فيها والتي طبعت سيرة نظام الأسد على ما يفوق الـ 40 عاماً..... ليصل إلى هذا الإستنتاج البديهي الذي لا يقبل الشكّ ولا يحتمل التأويل.

في الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان

اندثرت الحياة الديمقراطية في سوريا ليحل محلها وصاية الحزب الواحد على المجتمع السوري ليس سياسياً فحسب بل واجتماعياً أيضاً كما أمر حافظ الأسد عبر فبركته للمادة الثامنة من الدستور والتي جعلت من حزب البعث وصياً وحيداً على الدولة والمجتمع بكل مرافقه..... ليسود القمع الوحشي وتظلل الإعتقالات والإغتيالات أرجاء سوريا لسنوات طويلة إلى أن أصبح الخوف والخضوع والخنوع جزءاً من ثقافة الحياة اليومية للشعب السوري ..... فغابت سماء الكرامة وعزة النفس والإنتماء وحبّ الوطن .... ليحل محلها غيوم الكذب والنفاق والخداع والتضليل طيلة هذا المدة، ..... وتعيش البلاد لسنوات طويلة في ظلّ حرمان مطلق من حرية الكلمة وحرية الرأي وحرية الصحافة وحرية الإعلام.

في الإقتصاد

في نهاية الستينات وبداية السبعينات كانت سوريا تتمتّع بموقع إقتصادي متقدم إقليمياً على الرغم من الإنقلابات العدبدة التي طبعت سيرتها منذ استقلالها، فلم يتوقف القطاع الصناعي عن النمو والتطور متجاوزاً آنذاك المرافق الصناعية في لبنان والأردن. كما بلغت مساحة الأراضي المستصلحة زراعياً ما يفوق الـ 15 ألف كيلومتر مربع (أي ما يفوق مساحة الأراضي المزروعة في لبنان بأكثر من 10 مرات)، وكذلك نشط إستخراج النفط من آبار عدّة في الجانب الشرقي للبلاد من شماله إلى جنوبه، وبالتالي فإنّ مستوى المعيشة ومعدّل دخل الفرد في سوريا كان في ذلك الحين قريباً جداً من معدلات دخل الفرد في الدول المجاورة.

سوريا لم تدخل في أيّ أزمة إقتصادية حقيقية منذ بداية السبعينات، فتبعات حرب تشرين 1973 تمّ استيعابها بقوة من خلال الدعم الخليجي الكبير آنذاك، ودخول الجبش السوري إلى لبنان عام 1976 كان مغطّى مالياً بالكامل (وأكثر بكثير من المطلوب) عبر جامعة الدول العربية، وبالتالي فإنّ هذه المحطات لم تكن لتتسبب بأيّ عائق في مسيرة النموّ "المفترض" لسوريا وتطوّر حياة المواطن السوري إيجابياً على كافة الأصعدة، .....

إذاً ألا يفترض بعد 40 سنة من حكم البعث لسوريا التي دخلها حين كانت ثابتة مالياً، وقوية صناعياً، وغنيّة زراعياً، ومقبولة نفطياً، وجيدة خدماتياً ، .... وكذلك بعد 40 سنة من الإستقرار السياسي والأمني المطلق..... أن يكون شعبها ينعم بأفضل مستوى معيشي وخدماتي واقتصادي على مستوى المنطقة ؟؟!! خلافاً للبنان الذي أتت الحرب الأهلية على غالبية مقدراته، وخلافاً للأردن الذي هزّت إقتصاده لسنوات طويلة عملية فكّ الإرتباط بينه وبين الفلسطينيّين عام 1988 ؟؟؟!!!! .... ولكن بدل ذلك.... أصبح المواطن السوري في دولة البعث هو الأدنى مرتبة لناحية متوسط دخل الفرد على مستوى الشرق الأوسط، وأصبحت سوريا الأسوأ على مستوى النمو والتطور والخدمات، والأعلى على مستوى البطالة ....لدرجة أن أعداداً هائلة من رجال وشباب سوريا الذين منهم نسبة عالية من حملة الشهادات الجامعية يعملون في لبنان والدول المجاورة كأيدي عاملة رخيصة في البناء والزراعة والنظافة لقاء 200 أو 300 دولار شهريا أي ما يعادل أكثر من ضعف متوسط الرواتب في سوريا ................. في وقت كان يفترض بسوريا أن تكون متقدمة من جميع النواحي على كلّ الدول المحيطة،......... ويضاف إلى ذلك البطء الملحوظ في مواكبة التطور التكنولوجي .... فكانت سوريا آخر دولة عربية تدخلها خدمات الهواتف الخليوية والإنترنت وأيضاً قطاع الخدمات الإليكترونية وخطوط الألياف البصرية التي لا تزال شبه معدومة.

في الوطنية والإنتماء والثقة بالوطن

فشل نظام البعث فشلاً ذريعاً في إيجاد أيّ حالة من حالات الثقة والترابط والتواصل، ولو بالحدّ الأدنى، مع السوريّين في دول الإغتراب، فغابت تماماً عن البلاد أيّ تدفقات أموال تذكر لتبقى نسبة ما دخل القطرالسوري خلال أربعة عقود على شكل ودائع أو إستثمارات لا تتجاوز الـ 1% من أموال المغتربين السوريين في الخارج.

في لبنان

دخل الجيش السوري لبنان عام 1976 بناء على طلب من الجبهة اللبنانية آنذاك، ليمسك نظام الأسد بزمام الحكم في لبنان عبر جهاز إستخباراته العسكرية لمرحلة امتدت على مدى 30 عاماً، تخللها بعض التفاوت الموسمي البسيط لحدود سلطته السياسية والأمنية، .... فكانت واحدة من أسوأ الوصايات عبر التاريخ ... إذ حكم الفساد والإفساد والسرقة والنهب كلّ نشاطات النظام السوري في لبنان ... ووضعوا أيديهم على السياسة والأمن والقضاء والإقتصاد والإعلام والتربية ... وكلّ شيء آخر ... رغماً عن اللبنانيين وخلافاً لما يُردد ويقال عن أن اللبنانيين هم من أفسح المجال للسوريين لكي يديروا الفساد ويتمتعوا بمردوداته، بل كان السيف السوري للإذعان والرضوخ وتلبية الطلبات مسلط على رقاب أهل السلطة في لبنان. كما أساؤوا للبنان كثيراً من خلال تعطيل تطبيق مقررات مؤتمر الطائف الذي وضع حداً للحرب الأهلية فتلاعبوا وعبثوا بالتوازنات الطائفية والمذهبية الهشة من أساسها ... كما كان يحلوا لهم، والذي كان يتجرّأ على مواجهة هذا الواقع كانت تتم تصفيته أو زجّه في غياهب السجون والمعتقلات في سوريا، اللهمّ إلاّ إذا أسعفته الظروف وتمكّن من الهروب إلى الخارج قبل وقوعه في قبضتهم أو قبل تعرضه للإغتيال.

في الصراع العربي الإسرائيلي والمقاومة

منذ اتّفاق الهدنة عام 1974 حصلت هتاك العديد من الخروقات "الوطنية" على الحدود المصرية وكذلك على الحدود الأردنية مع فلسطين المحتلة، .... ولكن على الحدود السورية لم يحصل هناك أي خرق من أي نوع كان على مدى 38 عاماً، إلى أن حصلت "مسرحية" العام الماضي التي فبركها النظام السوري بهدف إيصال رسالة إلى العالم مفادها (... أنظروا إلى ما يمكن أن يحصل على الحدود مع إسرائيل في حال أطحتم بنظامنا .......... ))) ... النظام السوري مكّن العدوّ الإسرائيلي من العيش بهناء ورخاء وأمن في مرتفعات الجولان السورية المحتلة التي كان ضمها مطلع الثمانينات، فكان عناصر الجيش الإسرائيلي يعيشون حالة "باربيكيو" دائم على الجانب الآخر لخطّ الهدنة .... مطمئنين إلى أن أجهزة الأمن السورية اليقظة نجحت دائماً في ضبط كلّ حالات التسلل نحو الحدود التي كان بعض الوطنيين السوريين والفلسطينيين يحاولون القيام بها بين الحين والآخر من أجل القيام بعمليات فدائية في الداخل الإسرائيلي.

النظام السوري حاول تقويض وإخضاع منظمة التحرير الفلسطينية في السبعينات تحت عناوين وحجج مختلفة، وساهم مساهمة فعالة في شقّ صفوفها وشرذمتها وإضعافها. كما شارك في ارتكاب المجازر بحق اللاجئين الفلسطينيّين في بعض مخيمات لبنان إشرافاً وتنفيذاً.

تعرّضت سوريا لإعتداءات إسرائيلية (عرضية وخجولة) متكرّرة لقواتها في لبنان كما لمواقع في الداخل السوري، فكان فيها الكثير من الذلّ والمهانة ..... لبكتفي نظام البعث في كلّ مرة بالقول أنه يحتفظ لنفسه بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين وبالأسلوب المناسب، ...... ولكن بدون أي ردّ حتى يومنا هذا.

الوضع الإقليمي والعلاقات المتردية مع العراق والمضطربة مع الأردن وحرب الخليج الأولى في الثمانينات هي التي فرضت على سوريا إقامة تحالف "سياسي" مع إيران أدى إلى تعزيز التواصل وتسهيل مرور الدعم الإيراني إلى حزبالله وإستيعاب هذا الحزب من قبل النظام السوري ..... بعد أن كانا على طرفي نقيض، خاصّة وأن الحزب كان قد تلقى ضربة قاسية علي يد الجيش السوري مع معاودة دخول هذا الأخير لبيروت مجدداً عام 1987 بعد أن خرج منها مهزوماً ذليلاً خلال حصار الجيش الإسرائيلي لها 1982.

قامت إسرائيل باجتياح لبنان مرتين في ظلّ وجود أكثرمن 40 ألف جندي من الجيش السوري على أراضيه، الأولى عام 1978 تحت إسم "عملية الليطاني" حيث احتل الجيش الإسرائيلي مساحة من جنوب لبنان وصلت حتّى مجرى نهر الليطاني، والثانية عام 1982 تحت إسم "أمن الجليل" حيث تقدّم الجيش الإسرائيلي حتّى خطّ المصنع شرقاً وبيروت غرباً (أي ما يقارب نصف مساحة لبنان) ليحاصر بيروت مدة ثلاثة أشهرتقريباً ويفرض على أبو عمار توقيع اتّفاق تنسحب بموجبه قوّات منظمة التحرير من بيروت ....... كما يجبر قوات الجيش السوري على الإنسحاب نحو البقاع، وهي التي كانت قد تجمعت طول مدّة الحصار في الأساس ضمن منطقة فردان ورأس بيروت بعيداً عن خطوط التماس والإشتباك مع الجيش الإسرائيلي.

التحالف مع حزبالله لم يكن يوماً بدافع الوطنية أو العروبة أو تحرير الأرض أو العداء لإسرائيل، بل فقط وحصراً لدوافع فرضتها المصالح الإقليمية لا غير .... والتاريخ والأحداث الموثقة هي خير دليل على ذلك. والعدوّ الإسرائيلي لم يحظ بأيّ دولة "عدوّة مفترضة" أفضل من سوريا ......<<< إفراط كبير في الكلام والخطاب العدائي .... وإفراط كبير في حماية حدودها والحفاظ على أمن أراضيها المحتلة >>> ...... ، وهذا يتماشى تماماً مع الحلم الإسرائيلي في المحيط العربي ... ومكمن قوة وثبات إسرائيل ... أكبر تهديد وأقلّ خسارة.

أما لبنان وحزبالله، فهذا مجرد ملعب آخر تحاول سوريا إستثمار الحدث فيه لتعزيز دورها الإقليمي لا أكثر.

إذاً أين هي دوافع المؤامرة الصهيونية الأمريكية المزعومة ضد سوريا ولماذا ؟! ..... كيف ستضمن إسرائيل استمرارية حالة الأمن والإستقرار على حدودها مع سوريا والتي لم تهزها رمية حجر واحدة على مدى ما يقارب الـ 40 سنة ؟؟!!

أليس هذا هو حال سوريا الأسد وسوريا البعث على حقيقته المجردة ..... ؟ من يمكنه إنكار كلّ هذه الحقائق التي لا تقبل حتى مجرد الشك ؟ هل هناك سيرة أخرى غير مرئية لم ترها الشعوب أوتستشعر شيئاً منها على مدى 40 سنة وأكثر ؟!
وختاماً لا بد من ذكر أن ديكتاتورية نظام البعث في سوريا (كما كانت أيضاً في العراق) هي من أسوء الديكتاتوريات العربية وأكثرها دموية وظلماً وظلاماً بحق شعوبها (بإسم العروبة والممانعة والصمود)، ولا يمكن تشبيهها بأيّ من الديكتاتوريات الأخرى في المنطقة لا من قريب ولا من بعيد. .... فهذه الأنظمة الفاسدة قتلت من شعوبها إبان فترة حكمها أعداداً فاقت أعداد كلّ الشهداء الذين سقطوا في الصراع مع إسرائيل منذ قيامها قبل 65 عاماً.

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية