كتبتُ مقالتين " تحليلين" مهمتين وخطيرتين، وضمن مبدأ قراءة المستقبل على أسس استباقية و استراتيجية تستند على فكر الأمن القومي للدولة العراقية، وذلك في أواخر عام 2010 ،وأردفتهما بمقالتين في أواخر عام 2011 وبداية عام 2012 وعن نفس الموضوع الخطير، وعندما حذرتُ من خلال تلك التحليلات الاستراتيجية والاستباقية من المخطط " التركي ـ الكردي ـ الموصلي" الذي غايته الاستحواذ على مدينة " كركوك" النفطية، و بصفقة بين البرزاني وأردوغان، وبخطة وضعها وزير الخارجية التركي وعراب المشروع العثماني الجديد "أحمد أغلو" وبالتعاون مع خبراء من مجموعة ""إكسون موبيل" الأميركية لتنتقل بموجبها تركيا من دولة "ترانزيت" لخطوط أمداد الطاقة نحو أوربا والعالم الى دولة تشترك في أنتاج وتصدير الطاقة، أي الى دولة زاحفة ومتمددة نحو منابع الطاقة في المنطقة، لتضمن بقائها واستمرارها وقوة تأثيرها على المنطقة والعالم، ومن هذا المنطلق أصبحت تركيا أحد عرابي ما يسمى بـ "الربيع العربي" الذي أشرفت على أعداده شركات النفط العملاقة في أمريكا وأوربا، وبعلم ودعم من الإدارة الأميركية ومعظم حكومات الاتحاد الأوربي، وعندما توحدت الأهداف بين واشنطن وأنقرة ودول حلف الأطلسي " الناتو" والتي أهمها الهيمنة على منابع وخطوط أمداد الطاقة لضمان البقاء والاستمرار، والاستعداد لمعالجة الهزات الاقتصادية العنيفة والمرتقبة في أوربا وأمريكا، وهي نفس الأهداف التي فرضت التقارب بين موسكو وبكين ونوعا ما مع الهند والبرازيل وإيران وخوفا من الهيمنة الأميركية – الغربية على الطاقة وطرق أمدادها.
فنتيجة هذا المشهد والتشابكات الجيوسياسية والاقتصادية والأمنية ولدت الحروب الباردة والمتناثرة في المنطقة، والتي أصبحت لها عناوين جديدة وأهمها العناوين" الطائفية، والمذهبية، والقومية، والاقتصادية ، والأمنية" فصارت منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، ومنطقة الهلال الخصيب بشكل خاص مسرحا فعليا لهذه الحروب الباردة، وهناك دول كبرى وأخرى إقليمية راحت لتتصارع من أجل فرض مشاريعها في المنطقة. فهناك صراع حقيقي " إقليمي – إقليمي" وصراع " دولي – دولي" و" عربي – عربي" و "عربي – إقليمي" في منطقة الهلال الخصيب صعودا لمنطقة الشرق الأوسط الغاية منه أستباق تقسيم المنطقة للحصول على الامتيازات الجيوسياسية والاقتصادية والديموغرافية والطائفية. فالذي يحدث في الأفق وداخل الدهاليز الدولية أن هناك تحركات واستعدادات وشبه مراسيم لدفن معاهدة " سايكس – بيكو" التي تعيش حالة الاحتضار الآن لتولد بدلها معاهدة أو جغرافية " الشرق الأوسط الكبير" الذي ستذوب فيه المنطقة العربية والعرب، ومن هنا ستتحقق أهداف الفوضى الخلاقة التي تريد فصل العروبة عن الإسلام ،ومن ثم التفرد بهما لأضعاف وتعويم العروبة وللأبد ،وبالمقابل تفريغ "الإسلام" من محتواه الحقيقي والحضاري والروحي، لكي تتحول شعوب المنطقة الى شعوب شرق أوسطية دينها الإسلام وعلى الورق فقط ،ليصار الى" أمركة وأوربة" سكان منطقة الشرق الأوسط، أي تبديل ثقافاتهم وقناعاتهم الدينية والفكرية والاجتماعية، وأن للشركات الكبرى دور خطير في هذا، لأنها على تحالف مع الأنظمة الدولية من أجل فرض الهيمنة على المنطقة والعالم، ولكن بالمقابل هناك رفض ومقاومة لهذه الهيمنة استفادت منها الدول الإقليمية بعد الانقسام العربي الذي فرض واقعا جديدا أصبح العرب فيه مجرد تركة جغرافية واقتصادية تتصارع عليها الدول الكبرى مع الدول الإقليمية وبالعكس!!.
ماذا يحدث في شمال العراق والموصل وجنوبهما!؟
لذا أن ما يحدث في شمال العراق ومنذ أكثر من سنتين، ونشط بعد الانسحاب الأميركي في العراق ما هو إلا صفقات سرية شعارها المصالح ،وتصب في تحقيق الأهداف الأخرى من احتلال العراق ،ولهذا تقارب الأعداء والخصوم وكأنهم أصدقاء وحلفاء تاريخيين، فلقد تقارب بعض الأضداد والخصوم العراقيين بعد تعليق التنافر الطائفي والقومي والمذهبي فيما بينهم، و تقاربت تركيا مع إسرائيل سرا والغاية ثروات كركوك، وتقارب البرزاني مع النظام التركي والغاية النفط مقابل الحماية، وتقاربت أنظمة خليجية وعربية مع الأكراد والغاية أرباك العراق وإيران وتعزيز الدور التركي والسعودي في العراق، وتقاربت بعض الخطوط العربية السنية العراقية مع الأكراد وتركيا والغاية العراق والثروات، وتقاربت الموصل وآل النجيفي مع الأكراد وتركيا والغاية الثروات والنفوذ والتغيير الديموغرافي ، ووراء جميع هذه التحالفات النفعية شركات النفط الكبرى وفروعها في الخليج والمنطقة ،وعلى رأس هذه الشركات هي شركة "إكسون موبيل" الأميركية التي تحاول أستنساخ تجربة شركات النفط البريطانية في العراق قبل تأميم النفط في العراق.
فخطة هذه الشركات وعلى رأسها مجموعة" أكسون موبيل" هي تأسيس " عراق كونفدرالي جديد أساسه أدارة البرزاني الكردية، مع الموصل ومع بعض المناطق السنية العربية مع إبقاء المجال مفتوحا للوصول الى تخوم بغداد التي يقبع تحتها وبين ثناياها مشروع تقسيمي هو الآخر على أسس طائفي وقومي وبتخطيط من نفس الجهات العراقية التي ارتبطت بمشروع الشرق الأوسط الكبير وبمخططي الفوضى الخلاقة، وسوف يكون هذا العراق الكونفدرالي هو الراعي والممول للدويلات التي ستولد في لبنان وسوريا كمرحلة أولى"، وسيكون هذا العراق "الكونفدرالي" أقوى وأهم من العراق الأصلي الذي عاصمته بغداد، أي سيكون العراق الذي سينافس العراق الأصلي والجاذب لجميع الطاقات والكفاءات العراقية البغدادية والجنوبية ، أي أننا على موعد مع موجة من هجرة العقول والكفاءات من بغداد وشمالها ومن مدن جنوب العراق نحو العراق الكونفدرالي، وبخطة التهجير الاختياري" الترانسفير" والتي تقود الى تصحير بغداد والجغرافية الشيعية من الكفاءات والعقول مقابل دعم الساسة والقادة الثيوقراطيين في بغداد وجنوب العراق للاستمرار بتجسيد استراتيجية التخلف والأمية في بغداد وجنوب العراق مع التركيز على أغراق تلك المنطقة بالخرافة والاعتماد على العلوم البدائية لأن تلك الشركات أخذت على عاتقها تنمية هذا الجزء من العراق " الشمال والموصل وأغلب المحافظات السنية" مقابل سرقة الثروات .وبالفعل باشرت بفتح الزمالات الدراسية الى أمريكا وأوربا والتي سترعاها شركة " أكسون موبيل" وشركائها والتعهد بتنمية المصانع والمعامل الخاصة مع تمتين البنية التحتية في تلك المناطق من حيث الصناعة والزراعة والتجارة.
وبالتالي سوف تكون لهذا العراق "الكونفدرالي" حدود صارمة وخطوط حمراء وليست بالضرورة معلنة ومسجلة دوليا في الوقت الحاضر ولا يجوز تجاوزها من قبل حكومة المركز وغيرها، فالمراهنة الآن على تحقيق الحدود الأمنية والجغرافية والديموغرافية لهذا العراق الكونفدرالي التي رسمته شركات النفط وعلى رأسها " إكسون موبيل"، وسوف يكون هذا العراق الكونفدرالي هو الحاضن والعراب والراعي والداعم لولادة الكيانات الطائفية والمذهبية والقومية في لبنان وسوريا وداخل العراق ومستقبلا نحو دول أخرى مثل الكويت والأردن وغيرهما.
تحالف الأضداد ضد بغداد!
فمثلما أكدنا في مقالات وتحليلات وندوات سابقة بأن الجغرافية الكردية التي يديرها السيد " مسعود البرزاني" في حالة انحسار سياسي وجغرافي وحتى ديموغرافي بسبب التقسيمات السياسية التي ولدت في شمال العراق" كردستان" في الفترة الأخيرة، والتي دقت ناقوس الخطر في مكاتب وغرفة البرزاني، والتي سببها هيمنة الحزبيين الكرديين " الاتحاد والديمقراطي". فالبرزاني وبسبب سياسية الاستحواذ التي حرص على تطبيقها في شمال العراق منعا لهيمنة غريمه السيد جلال الطالباني شعر في الفترة الأخيرة بأنه أمام جبهات كردية رافضة لسياسة الاستحواذ التي أنتهجها هو وأبنائه وقادة حزبه "الديمقراطي" والتي أعطت نوعا ما راحة وطمأنينة لخصمه التقليدي والتاريخي جلال الطالباني المدعوم من إيران. فلقد ولدت وعلى سبيل المثال:
أولا: .... جبهة "دهوك" الإسلامية الرافضة لسياسات البرزاني والباحثة هن هويتها واستقلالها الذاتي بطرق ناعمة ومتصاعدة، وبعد أن نسجت أقوى العلاقات مع الحزب الحاكم في تركيا ومع تنظيم الإخوان المسلمين الدولي ،وحتى مع الحركات السلفية في الخليج والمنطقة، والتي أرسلت للبرزاني أكثر من رسالة من خلال بعض المظاهرات وحالات الرفض لتُعرّف البرزاني والجهات الكردية وحتى الموصل بأنها تمتلك القوة الجماهيرية الضاربة. وبهذا أربكت حسابات البرزاني وحسابات آل النجيفي في الموصل
ثانيا:.... جبهة " التغيير" الكردية والتي ولدت بدعم من بعض الدوائر الأميركية والإقليمية لإيجاد حالة توازن بين جبهة البرزاني من جهة وجبهة الطالباني من جهة أخرى، أي ولادة قوة كردية ثالثة تمنع الاحتكاك والصدام بين الحزبيين الرئيسيين داخل البرلمان الكردي، وحتى داخل الجغرافية الكردية وفي نفس الوقت احتواء جميع المعارضين والرافضين لسياسة الحزبين الكرديين في شمال العراق "كردستان".
ثالثا: ... جبهة " الشباب" أي الحراك الشبابي والثقافي الرافض لسياسات جميع الأطراف الكردية.
رابعا: ... جبهة الحركات الإسلامية والسلفية الكامنة والمتحركة داخل إقليم كردستان والباحثة عن هويتها
بعيدا عن التكتلات الكردية البارزة في المنطقة الكردية... ووجود حركات أخرى.
كل ما تقدم جديد ومخيف بالنسبة للسيد البرزاني، فلم يبق البرزاني قيصرا أوحدا في شمال العراق، ولم يبق السيد الطالباني غريما وحيدا للبرزاني، بل ولدت جبهة عريضة بالضد من سياسات البرزاني ونوعا ما ضد سياسات الطالباني، وصار الطالباني أقرب نوعا ما لخصوم البرزاني. ولكي يمنع احتواء الطالباني لخصومه ولكي لا يفقد نفوذه السياسي والجغرافي والاقتصادي في شمال العراق راح البرزاني فأرتمى في الحضن "التركي" أولا ومن ثم في الحضن " السعودي الخليجي" ثانيا، فراح فلوح للأتراك بالنفط والتحالف الاقتصادي والأمني وفتح الطريق للشركات التركية نحو الاستثمار في النفط والوصول لكركوك، ومن هناك راح فلوح للسعودية ولبعض الأنظمة الخليجية بالورقة الطائفية والمذهبية بالضد من إيران ،وبالضد من المحور الشيعي في المنطقة، بحيث راحت الرياض وبعض الأنظمة الخليجية لتضغط على القائمة العراقية ورئيسها "أياد علاوي" لتتقارب لا بل لتتحالف مع البرزاني، وهو تحالف الضدّين لأن علاوي قومي عربي والبرزاني قومي كردي، ولكن المصالح والجهات الراعية لهاتين الجبهتين كانت ولا زالت سببا باتحادهما أو تحالفهما، خصوصا وأن السياسات "التركية _ السعودية _ الخليجية" تكمل بعضها البعض من ناحية الخصام مع إيران ،ومن ناحية الوقوف بوجه المحور الشيعي، وبوجه صعود القوى الشيعية في العراق والمنطقة.
ولكي يتمهد الطريق للأتراك نحو نفط وثروات كركوك لكي يضمن البرزاني الحماية من الأتراك، فلابد من خلق أزمة مع حكومة المركز أي مع بغداد، وبما أن البرزاني وجغرافيته بعيدة عن بغداد، أي ليست على تماس مع بغداد، صار لابد من كسب الجغرافية السنية في العراق والتي تمثلها " القائمة العراقية" وبعض الشيوخ ورجال الأعمال السنة لتصبح على تقارب مع البرزاني والأكراد وليس على تقارب مع بغداد، فمن هنا صار الاتفاق بين "الرياض وأنقرة" بالضغط على القائمة العراقية مع ضخ الأموال الهائلة على بعض رموزها ،وكذلك على الكثير من شيوخ ووجهاء المنطقة السنية ليصبح هناك تحالفا بين "الأكراد/ جناح البرزاني وبين القائمة العراقية ومعهما جبهة الوجهاء والشيوخ ورجال الأعمال السنة " وكل هذا برعاية مجموعة " أكسون موبيل" الأميركية وبدعم مباشر من اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، ومن أصحاب الشركات النفطية في أوربا والخليج. وبالفعل ولدت تلك الجبهة بالضد من حكومة المركز في بغداد، لا بل بالضد من شخص السيد نوري المالكي ومساعده النفطي السيد حسين الشهرستاني الذي تعتبره أكسون موبيل خصما لدودا لها ،لذا قررت ومن خلال البرزاني والعراقية وبعض القوى الشيعية الى أسقاط المالكي ليصار الى طرد الشهرستاني خارج اللعبة السياسية من أجل تحقيق هذا المخطط من خلال جلوس شخصية بديلة عن المالكي تذهب لتوافق على مخططات اكسون موبيل الأميركية.
ولكن البرزاني وكعادته لا يغمض له جفن وهناك جبهات في طريقها لتصبح خطيرا عليه، بل أكثر خطرا من غريمه الطالباني، وأهمها جبهة "الموصل + دهوك" ولكي يُحاصر جبهة دهوك ولا يدعها تتحالف مع بغداد راح فضغط على الأتراك لترعى التقارب والتحالف بين الموصل وأربيل وضمن شعار البرزاني " لا طريق أمن نحو ثروات كركوك أن لم تصبح الموصل حليفة لأربيل وداخلة ضمن التحالف التركي – الكردي – السعودي الخليجي" فحرك هذا عند الأتراك بعدا تاريخيا من خلال العلاقة بين تركيا والموصل مادامت العائلة التي خلقها العثمانيون في الموصل هي التي تدير الموصل الآن وهي عائلة " النجيفي" صار الأمر سهلا بالنسبة للأتراك، خصوصا وأن "القنصل التركي" في الموصل هو العقل المدبر للخطط والسياسات في الموصل وخصوصا في السنتين الأخيرتين، وهناك معلومات مؤكدة بأن هناك "مصاهرة في الطريق بين آل النجيفي وأسرة هذا القنصل" لكي تكتمل الحلقة التركية، وبالفعل راحت الرياض وأنقرة فكسبت "آل النجيفي" الى التحالف الذي أبرم مع البرزاني، فصار آل النجيفي حلفاء للبرزاني فكسبوا الدعم المالي والاقتصادي والوعود من الشركات النفطية في أوربا والخليج، أي صارت الموصل حليفة لأربيل برعاية مجموعة " أكسون موبيل" وهنا هدأ بال البرزاني بعد أن طوق دهوك من جنوبها ومنعها من التحالف مع بغداد بضغط من تلعفر، وعندما أسقط مخلب " تلعفر الشيعي "بحيث أصبح محاصرا ومن جميع الجهات ،فسقط سلاحا شيعيا مهما في تلك المنطقة وبتحالف بين تركيا والبرزاني والموصل.
أكسون موبيل تفخخ العلاقة بين الموصل وبغداد!
من جانبها سارعت مجموعة " أكسون موبيل" الى دعم آل النجيفي والموصل من خلال البدء في محادثات مع مجموعة إكسون موبيل الأميركية بشأن تطوير احتياطيات ضخمة محتملة من النفط في الموصل وضواحيها لإسكات المعارضين الموصليين لخطوات وتحالفات النجيفي مع الأكراد وتركيا والرياض، ولكي تصنع ملفا جديدا ضاغطا على بغداد والمالكي. ولكن في نية " الأكراد وأكسون موبيل" تأجيج الصراع بين الموصل وآل النجيفي وبين الحكومة المركزية في بغداد على السيطرة على موارد الطاقة في البلاد، والهدف زيادة الضغط على المالكي وتشتيت قواه، ومن ثم التلويح بانفصال الموصل والمناطق السنية عن المركز أداريا واقتصاديا.
..فأثارت إكسون موبيل وهي أكبر شركة طاقة مدرجة غضب العراق ورئيس الحكومة عندما تمادت نحو الموصل هذه المرة ، ولكن البرزاني سعيدا لأنه وجد التصعيد بين أكسون موبيل والموصل ضد بغداد والمالكي يصب في مصلحته، لأن في أخر المطاف سوف يوافق المركز والمالكي على ما تريده أكسون موبيل والأكراد في شمال العراق مقابل تأجيل أو أغلاق المحادثات مع الموصل وعلى الأقل من وجهة نظر البرزاني. فشركة أكسون موبيل وقعت عقود مشاركة في الإنتاج مع منطقة كردستان شبه المستقلة في شمال العراق ولكن الحكومة المركزية لم توافق على هذه العقود لأنها غير قانونية وغير دستورية. وقالت مصادر نفطية إن امتيازين من أصل ستة امتيازات للتنقيب وقعت إكسون موبيل عقودها يقعان في منطقة تزعم كل من نينوى وكردستان أحقيتها فيها، ولكن في الحقيقة هي متعمدة للتنقيب في تلك المناطق لتصبح ملفا مغريا للتدخل التركي الذي يفرض التحالف بين الموصل وأربيل، وبين آل النجيفي والبرزاني ولقد نجحت في هذا عندما ضغطت تركيا على آل النجيفي ليتحالفوا مع البرزاني، وبالفعل تحالفوا وساروا في المباحثات المشتركة حول التنقيب والشراكة الاقتصادية . بحيث قال أثيل النجيفي محافظ نينوى إن المحافظة ينبغي أن يكون لها حصة في تلك العقود وإنها تعكف على خطة استراتيجية من أربع مراحل للتعامل مع إكسون وشركات نفط أجنبية أخرى والتعاون مع حكومة إقليم كردستان. وقال النجيفي إن المحافظة تقوم من الناحية القانونية بدراسة الخيارات المتاحة أمامها لبدء التفاوض والتعاقد مع إكسون للاستثمار في نينوى. ولكن حكومة المركز رفضت ذلك واعتبرته غير قانوني وطالبت الرئيس أوباما بالتدخل. لكن ذلك لم يثن النجيفي الذي اجتمع مع مسؤولين في إكسون لمناقشة كيفية قيام الشركة الأميركية بتطوير موارد الطاقة في نينوى، وقال النجيفي إن إكسون مستعدة للعمل في نينوى. وتابع أن نينوى تسعى لأن تكون جزءا من الصفقات التي وقعتها حكومة كردستان وبصفة خاصة تلك التي تقع داخل حدود المحافظة. وأضاف أنه حالما يوافق مجلس المحافظة على إجراء محادثات فإن سلطات المحافظة ستكون لديها القدرة على إبرام صفقات مباشرة مع شركات النفط الأجنبية ومع حكومة كردستان. ومن جانبه قال اشتي هورامي وزير الطاقة في كردستان الشهر الماضي إن كردستان قد تبدأ في امداد نينوى بالكهرباء وهو الشرط التركي على البرزاني، فتركيا لديها خطة الوصول لمنابع الطاقة في كركوك والمنطقة ومن ثم تحويل الموصل الى أمارة تركية غير معلنة خصوصا وأن هناك خطط كاملة وبرعاية آل النجيفي لنشر اللغة التركية في المحافظة من خلال نشر المدارس التركية والمراكز الثقافية التركية في نينوى . ولكن تركيا تريد تأمين جنوب كركوك لكي لا تتصادم مع الأطراف الشيعية وإيران لهذا تحرك بالبيادق العراقية.، ولكن في جوهر الخطة التركية هو الوصول الى شراكة إيران في أدارة العراق من خلال البوابة الاقتصادية والأمنية والطائفية.
خطط بغداد الرادعة!
ولمنع تأسيس وتأصيل عملية الانسلاخ الناعم بالنسبة للموصل عن المركز وبغداد، ولمنع الأتراك من فرض شراكتهم على بغداد وطهران في العراق، ولمنع مخطط مجموعة " أكسون موبيل" في العراق والذي يقود الى تأسيس " عراق كونفدرالي" داخل العراق الكبير يقود الى أضعاف بغداد، وعزل الجنوب عن المنطقة السنية والمنطقة الكردية، وفسح المجال لإسرائيل وتركيا بالوصول الى ثروات كركوك والموصل والمنطقة الغربية في العراق، راحت بغداد فطالبت بإقالة رئيس البرلمان العراقي " أسامة النجيفي" الذي يعتبر أحد عرابي هذه المخططات ولصالح أنقرة والرياض والشركات النفطية الطامعة بثروات كركوك والمناطق المجاورة لها، لا بل طالبت بإقالة محافظ الموصل " أثيل النجيفي" الذي يعتبر المنفذ رقم واحد للمخططات التي تصله من شقيقه ومن أكسون موبيل ومن أنقرة.
ولكن جبهة الخصوم التي طالبت بسحب الثقة عن المالكي بدعم من الرياض والسعودية ومجوعة " أكسون موبيل" لازالت تصر على إقالة نوري المالكي في محاولة منها لإيجاد صفقة مع جبهة المالكي للإيقاء على النجيفي في البرلمان وعلى النجيفي في الموصل، ولكي لا تتأثر مخططات أكسون موبيل، ولكي لا يتصدع التحالف بين تركيا والبرزاني والرياض والذي يقود الى تطويق المحور الشيعي في العراق والمنطقة، ويقود لإسقاط النظام السوري وتطويق الشيعة في لبنان والعراق والبحرين واليمن ضمن استراتيجية بائسة وعندما أصرت الرياض ويعض الأنظمة الخليجية على أن الشيعة العرب في العراق والشيعة العرب في المنطقة هم تابعين لإيران وللسياسة الإيرانية ويجب حصارهم وأضعافهم وتشويه رموزهم وقادتهم، ومحاولة سحب عقولهم وكفاءاتهم في محاولة لتصحير ساحاتهم وإغراقها بفوضى العنف والتخلف والأمية ،والغوص في مستنقع الخرافة ليصار فيما بعد الى تنفيذ الأقسام الأخرى من المخطط الكبير والتي هي أكثر خطرا من المخططات السابقة و الحالية!.
فالولايات المتحدة بدّلت احتلالها للعراق من خلال سحب القوات الأميركية بملابسها العسكرية لتحل محلها الشركات النفطية ولوبياتها السرية لتباشر في المرحلة الجديدة من الاحتلال وضمن مشروع الفوضى الخلاقة التي يقود الى تحقيق الشرق الأوسط الكبير الذي سيختفي في جوفه العرب أسما وفعلا وتأثيرا، أي سيندثر العرب تماما فيما لو عممت خارطة الشرق الأوسط الكبير، وكذلك سيندثر العراق التاريخي والأصلي نحو ولادة دويلات متناحرة ولا قيمة لها من الناحية التاريخية والإستراتيجية والسوقية! نحو بروز دويلات قومية وطائفية تتسيد على العراقيين وتستمر في أستبدال ثقافتهم وتاريخهم وصولا الى مسح ذاكرتهم التاريخية والحضارية والثقافية والدينية.
سمير عبيد
Sa.obeid@gmail.com
كاتب ومحلل في الشؤون السياسية والأمن القومي
0 comments:
إرسال تعليق