هل يشكّل اضاعة الوقت وتبرير المجازر جزءا من مهمة كوفي انان؟ ذلك ليس مستبعدا نظرا الى ان طبيعة الرجل الذي شغل في الماضي موقع الامين العام للامم المتحدة تؤهله للعب مثل هذا الدور. لو لم يكن الامر كذلك، لما زار المبعوث العربي والدولي طهران سعيا الى "تسوية سياسية" في سوريا، علما ان ايران متورطة الى ما فوق اذنيها في الصراع الداخلي السوري ان بشكل مباشر او عبر اداتها اللبنانية المسمّاة "حزب الله". ايران لا يمكن ان تكون جزءا من اي تسوية نظرا الى ان مستقبل وجودها الطاغي في سوريا مرتبط ببقاء النظام او رحيله.
مع رحيل النظام، لا يمكن لايران ان تكون موجودة في سوريا. ولانّها باتت مقتنعة في ذلك، لم يعد امامها سوى دعم النظام السوري الى النهاية. انه الخيار الوحيد الباقي امام النظام الايراني الذي يسعى في الوقت ذاته الى اغراء روسيا باتخاذ مواقف متصلبة حيال كلّ ما من شأنه اطالة عمر النظام واغراق الشعب السوري في مزيد من الدم. ليس سرّا ايضا ان ايران تلعب دورا محوريا في جعل العراق، المنقسم على نفسه، ممرّا لجزء من المساعدات اتي تصل الى النظام السوري من منطلق طائفي ومذهبي ليس الاّ...
ماذا ذهب انان يفعل في طهران؟ هل يستطيع اقناع المسؤولين الايرانيين ان لا مصلحة لهم في زيادة التورط في الصراع القائم في سوريا، وهو صراع بين شعب يريد استعادة حريته وكرامته من جهة ونظام يعتبر البلد مزرعة والسوريين عبيدا لديه لا اكثر من جهة اخرى؟
لا مخرج في سوريا ولسوريا في غياب موقف واضح ياخذه المجتمع الدولي كلّه انطلاقا من الواقع المتمثل في ان النظام انتهى وان على الرئيس بشّار الاسد وافراد عائلته والقريبين منه ترك السلطة. لا مفرّ من مرحلة انتقالية تتولاها قيادة او حكومة وحدة وطنية لا علاقة للنظام القائم بها من قريب او بعيد. كلّ ما عدا ذلك مجرد اضاعة للوقت وزيادة لعذابات الشعب السوري الذي اثبت انه لا يمكن ان يخرج من الشارع قبل سقوط النظام.
المؤسف، في ضوء تصرّفات انان، اقلّه الى الآن، انه يبدو وكأنّه لم يستوعب تماما ما يجري على الارض السورية. الاهمّ من ذلك، بلدو انّه لم يقرأ في كتاب ما بعد الثورات العربية التي اطاحت زين العابدين بن علي وحسني مبارك ومعمّر القذافي. لم ينجو منها الاّ علي عبدالله صالح الذي عرف كيف يساوم من اجل البقاء في صنعاء ولكن خارج دار الرئاسة...اي السلطة.
يفترض في الامين العام السابق للامم المتحدة ادراك ان ما يدور في سوريا هو امّ الثورات العربية. لا عودة عن الثورة في سوريا الا باسقاط النظام. هناك شعب يقدم يوميا عشرات الشهداء من اجل استعادة حرّيته. وهناك حاكم يرفض اخذ العلم بذلك ويتصوّر ان الشعب لا يزال معه. اذا لم يكن في استطاعة كوفي انان عمل شيء من اجل وقف العنف ليعلن صراحة ان المجتمع الدولي مقصّر وليسمّ الاشياء باسمائها، بما في ذلك الاعتراف بانّه كلّما طالت الازمة السورية، زادت مخاطر تفتيت البلد. هل هذا ما يسعي اليه الذين اختاروا كوفي انان مبعوثا دوليا- عربيا الى سوريا؟ هل المطلوب اضاعة الوقت ولا شيء غير ذلك من اجل الوصول الى انهيار داخلي في هذا البلد العربي المهم؟
كلّما مرّ يوم يقترب موعد معركة دمشق. ستكلّف تلك المعركة الكثير من الضحايا. ستزداد درجة العنف. كلّ ما يفترض بانان عمله هو التخلي عن دور الموظف الاداري الذي يتقنه والانتقال الى السياسة.
في السياسة، لم يكن انتقال مناف مصطفى طلاس الى الخارج حدثا عابرا. الرجل نفسه ليس مهمّا. لكن انتقاله يعني اوّل ما يعني ان النظام القائم لم يعد يمتلك سوى فرق "الشبيحة" تدافع عنه. شئنا ام ابينا، كانت عائلة طلاس التي ارتبطت بعلاقة تاريخية مع آل الاسد، بصفة كونها عائلة سنّية من خارج المدن الكبرى، جزءا من النظام. كانت تشكّل بالنسبة اليه آخر غطاء سنّي...
يفترض بشخص مثل كوفي انان ادراك هذا الواقع وابلاغ كلّ من يعنيه الامر ان العنف في سوريا لن يتوقف ما دام بشّار الاسد في السلطة وان البحث يجب ان يتركز على كيفية خروجه. الحلّ اليمني فات اوانه الاّ اذا كان واردا انشاء دولة علويّة يلجأ اليها بشّار ومن معه.
ولكن مرّة اخرى، هل يبحث كوفي انان عن مخرج في سوريا ولسوريا ام ان مهمّته تتلخّص بالرغبة في اضاعة الوقت؟ مثل هذا السيناريو ليس جديدا. حدث قبل ذلك في العراق. كان في استطاعة التحالف الدولي الذي حرّر الكويت في بداية العام 1991 استكمال مسيرته الى بغداد. فضّل التوقف عند نقطة معيّنة. انتظر ثلاث عشرة سنة، على المغامرة الكويتية لصدّام حسين، قبل الاقدام على خطوة اسقاط النظام العراقي بالقوة. كان مطلوبا حصول تآكل للعراق من داخل كي لا تقوم للبلد قيامة يوما. هل هذا الهدف من مهمّة انان بغض النظر عن نيات الرجل... التي قد تكون طيبة وقد لا تكون كذلك؟
خيرالله خيرالله
0 comments:
إرسال تعليق