الأحد، يوليو 29، 2012

دجاج إيران السياسي

عرفنا البوعزيزي في تونس، وخالد سعيد في مصر، وأطفال درعا في سوريا. كانوا شرارات ثورة الربيع العربي التي انطلقت منها ثورات قضت مضاجع حكام عاثوا فسادا، جوعوا شعبهم وأذلوهم.

أما في إيران يبدو أن شعلة الثورة قد تشعلها الدجاجات.. نعم، فقد هب سكان مدينة نيسابور في إقليم خراسان في مظاهرات حاشدة بسبب إرتفاع أسعار الدجاج.

المظاهرات بدأت أمام محل دجاج وسرعان ما انتشرت في المدينة، وتراكمت حيثيات أزمة الدجاج مع ازدياد الأسعار بشكل "مبالغ فيه"، لتصبح هذه الوجبة بمثابة حلم للطبقة المتوسطة، خاصة في ظل شهر رمضان حيث تعمر الموائد.

لكن ليس في إيران، والأزمة ليست في ندرة الدجاج إنما في ارتفاع سعر العلف وانخفاض سعر العملة الإيرانية والحصار الاقتصادي ضد طهران.

رئيس الشرطة الوطنية في إيران إسماعيل أحمدي مقدم، زاد الطين بلة، عندما دعا إلى عدم بث صور لأناس يأكلون الدجاج، قائلاً إنها قد تشعل توترات اجتماعية لا يمكن التنبؤ بعواقبها. لكنه في الوقت نفسه أصاب حين قال: "بعض الناس عندما يرى هذه الفجوة الطبقية بين الأغنياء والفقراء قد يستل سكينا ليأخذ ما يرى أنه حقه من الأغنياء".

لم يسلم مقدم من الانتقادات وربما أبرزها رسم كاريكاتوري للرسام الإيراني مانا نيستاني، يظهر فيه شابا يشاهد فيلما إباحياً فيما يحاول والد هذا الشاب حجب قسم من الصورة التي فيها دجاجة، منبها ولده بعدم مشاهدة صور الدجاج.

أيضاً علق الكثير من الإيرانيين على تصريح رئيس الشرطة الوطنية، حيث قال أحدهم أنه يخبئ صورة لدجاجة تحت وسادته ويقبلها كل يوم قبل أن ينام.

وعلى الرغم من محاولة المسؤولين الإيرانيين طمأنة الشارع الإيراني إلى قرب الفرج، وتجهيز جيش من الدجاج للجماهير الجائعة، إلا أن الغضب الشعبي يزداد. فالقضية قضية دجاج سياسي بإمتياز، أي أن ما يحصل في إيران نتيجة حتمية لسياسات إيران، التي تدخلت في كل مكان من بلاد العرب لكنها نست أنها تنام على بركان من الجياع، الذين تتجاوز مشكلتهم الدجاج إلى مشكلة بلد منهك اقتصادياً، بلد ارتفعت فيه الفجوة بين الأغنياء والفقراء، فثورة إيران المقبلة ستولد من رحم الفقر والجوع.

لن يستطيع نظام الملالي إنقاذ نفسه بتصدير أزمته، فمهما حاول عبر زيادة التوتر في المنطقة والتدخل في سوريا واليمن والبحرين، والتهديد بإغلاق مضيق هرمز وكذلك التهديد بزعزعة أمن الخليج، وحتى إثارة قضية تخصيب اليورانيوم، فالشعب الإيراني لا يهمه كل ذلك إذا كان جائعاً، فبكل تأكيد لن يتناول وجبة من اليورانيوم المخصب. ربما دجاجة على وجبة الإفطار أهم عنده من كل قضايا إيران التي صدعتنا وصدعت العالم بها.

ربيع طهران سيكون كما الربيع العربي من رحم الاقتصاد وتردي الأوضاع المعيشية والاجتماعية، بدأها البوعزيزي الذي لم يجد عملاً ليعيل عائلته ومُنع حتى من بيع الخضار على عربته وهو الجامعي، حتى احرق نفسه تحدياً لنظامه الذي فشل في تأمين لقمة كريمة لأهل بلده. وهذا ما سيحدث حتما في إيران: ثورة شعبية لن يستطيع كبتها رجال الدين. فما فائدة كل ما يدعونه من حكم ديني إذا لم يستطيعوا سد رمق الشعب وتأمين الوظائف والمتطلبات الأساسية؟! ربما يحن المواطن الإيراني إلى زمن الشاه والخير الوفير، ويتمنى لو لم تقم ثورة المرشد الخمينية الدينية التي لم يستفد منها سوى تلك النخب الدينية فيما الشعب يحلم بدجاجة!

دجاج إيران قد يقصم ظهر نظامها، فالبلد يتآكل ولا أظن أن هناك داعيا إلى حرب غربية أو إسرائيلية ضد إيران، فالثورة قادمة من الداخل، والأوضاع الاقتصادية شبه منهارة، والعملة في الحضيض؛ قد تفتعل إيران أزمة خارجية جديدة للخروج من مأزقها بشكل مؤقت، كالحركة الرعناء المكشوفة التوقيت التي قام بها رئيسها أحمدي نجاد من خلال زيارة جزيرة أبو موسى الإماراتية المحتلة، لكن خلاص الشعب الإيراني قريب. فماذا استفاد من السياسات الإيرانية التوسعية وتدخلاتها السافرة في كل مكان؟

ربما كان أجدى بهم أن يقتدوا بجيرانهم الذين أسسوا دول قوية اقتصادياً، ووضعوا مصلحة مواطنهم قبل كل شيء، أمنوا له كل ما يحتاج، ووضعوه في المقدمة. التفتوا إلى بناء دولة عصرية دون إطلاق شعارات جوفاء، وتحدي العالم والبشرية جمعاء. لو أن كل بلد يهتم بشؤونه الداخلية وشؤون شعبه فقط، لربما عشنا بسلام ورفاهية دائمة. لكن النمر الورقي والمقتدين به لا يتعظون، فسياسة تصدير الثورة الايرانية أثقلت كاهل الشعب، حيث ركز المرشد على دعم الجهات الموالية له، بغية استقطابهم إلى نظامه الإسلامي كما يراه هو من وجهة نظر برغماتية قائمة على الاستفادة من الدين في خدمة مصالح الملالي، الذين آثروا على حساب شعبهم.

نعم ساهمت إيران بنمو حركات أصولية في بلداننا العربية، دعمت حركات بعينها، غذتها بالمال الوفير والأسلحة في الكثير من المواقف والأوقات، وربما يكون لها ارتباطات مع جماعات الإخوان المسلمين في أكثر من بلد عربي، فإيران تعمل ولا تزال على استقطاب العرب والمسلمين عبر الشعارات الرنانة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي استغلوها أبشع استغلال، ودائماً ما يكيلون التهديد والوعيد لإسرائيل. لكن المفارقة أننا لم نرهم يحركون عسكريا إيرانيا واحدا ضد هذا الكيان، بل استخدموا القضية ضمن صفقات التفاوض وأدخلوها في حسابات الربح والخسارة!

ربما يتعظ البعض ممن خان وطنه وراهن على أنظمة مثل الإخوان أو دول أخرى غير دولته، يتعظ بعد أن يشاهد ما يحدث وما سوف يحدث من الداخل الإيراني، وربما يشكر ربه على الخير الوفير والحياة المرفهة التي يعيشها ويلتفت إلى أن يكون عضواً منتجاً في بلده، بدل أن يستقوي بهذا أو بذاك، وأن يكون أداة يستخدمها من يشاء ثم يرميها بعد انتهاء صلاحيتها، أليس كذلك؟!

د. سالم حميد

كاتب من الإمارات

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية