السبت، يوليو 28، 2012

ضحك تونسيّ بالألوان!

من حقّ الشعب التونسي أن يضحكَ. بل هو، بعد 14 يناير، لا يستطيع إلاّ أن يضحك "بَرْشة بَرْشة". وكيف لا يضحك ودولته تلهث من ثقل أزمة مالية خانقة خلقت تضاربًا بين تقرير مؤسسة ستاندرد اند بورز الذي خفّض التصنيف الائتماني السيادي لتونس بمقدار درجتين (عالي الخطورة) وبين تفاؤل بيانات حكومة النهضة التي تقول بأن نموّ الاقتصاد بلغ نسبة 4.5% خلال الربع الأول من عام 2012، وهو تضارب كان محافظُ البنك المركزي المُقال قربانَه الأقْرنَ؟ وكيف لا يضحك الشعب وبعض محافظات البلاد تشكو، في عزّ الشهيلي، نقصًا حادّا في الماء الصالح للشراب، إضافة إلى أن كثبان الأوساخ صارت تغطّي الرُّكب على حوافّ الطرقات الرئيسة السياحية، ناهيك عن عشرة آلاف لِحْية حَيّةٍ تتكركر على إسفلت الشوارع في نشازٍ ظاهر عن كلّ جماليات المَدَنية الحديثة، وآلاف أخرى من الأجساد تمشي مُكوّمةً في السواد؟

الظاهر أن أفضل شهر للضحك التونسيّ هو شهر رمضان، ففيه تبدو البلاد كما لو كانت في جوع أزرق، إذْ تنفتح شهيّة كلّ شيء على وسخ الدنيا، وترتفع فيه أسعار البضائع مكذِّبةً تطمينات الحكومة بأنّ البلاد بخير إن شاء الله. وفي هذا الشهر أيضًا، تنخفض القدرة الشرائية للمواطن حتى يتحوّل معها الشراء من فعل مادي إلى فعل متخيَّل رغم مَكرمةٍ من الحكومة للعائلات الفقيرة بقيمة 75 دينارا تونسيا (46 دولارًا لكامل الشهر!). وفي شهر رمضان، يزداد العنف بين الناس كأنّ بينهم ناقةَ البسوس، وتكثر حوادث الطرقات بعد الرابعة ظهرا وتتعطّل حركة السير بالطرقات نِكايةً في عصر السرعة وقانون الأضواء.

ومع هذا، فإنّ كلّ شيء بخير في تونس خلال شهر رمضان، والحمد لله.

ولئن كنتُ لا أجد سبَبًا منطقيًّا يبرّر استئثار شهر رمضان بالبرامج التلفزيونية "الضاحكة" وحرمان بقيّة الأشهر القمرية الأخرى وخاصة منها رجب وشعبان رغم وعود الربيع العربيّ بتحقيق العدالة للجميع، فإنّ ما شاهدتُ منها خلال الأيام الثلاثة الأولى فيه ما يُبَكّي المُشاهدَ ويزيد من نكد الدنيا عليه. إذْ كشف الضحك التلفزيّ التونسيّ عن الفهم الخاطئ لفعل الضحك لدى المشرفين على إنتاج الدراما التلفزيونية وإخراجها. من ذلك أنّ برنامج "قلابس نسمة" الذي تعرضه قناة نسمة تي في، والذي يسعى إلى إضحاك الناس عبر تجسيد طبائع بعض الشخصيات السياسية والفنية، قد خانته حبكة السيناريو (رغم أن قلبسًا من قلابسه كاتب روائيّ)، وهو ما جعل أغلب مَشاهده مجّانية تدفع إلى البكاء عليه بالمجّان. وفي المنحى نفسه، عمّت الفوضى أحداث مسلسل "دار الوزير" الذي تقدمه قناة نسمة من إخراج صلاح الدّين الصيد، حيث قلّت فيه أسباب الضحك رغم الاجتهادات الشخصية للممثّل كمال التواتي الذي تقمّص فيه دور "إسماعيل بوريقة" وزير البيئة المعزول بعد ثورة 14 جانفي، وكثرت فيه الركاكة الفنية لبعض الممثِّلين وتملّقهم الخارج عن آداب الفنّ، وكشف عن أزمة حقيقية في كتابة النص التلفزيوني. وأزعم أنّ كمال التواتي يعظّ الآن أصابعه ندمًا على دخول دار الوزير، وإني أخشى عليه من أن يهرب منه جمهورُه الذي كسبه بعمله الرائع "دار الخلاعة".

أمّا قناة حنّبعل، فقد اختارت أن تساهم في إضحاك الشعب التونسي بمجموعة من البرامج نذكر منها "كبار الحومة" الذي أخرجه المنصف الكاتب، و"ديبانيني" الذي كتبه وأخرجه حاتم بالحاج، و"يا مسامح يا كريم" وهو عمل ثلاثيُّ الأبعاد بصوتيْ الهادي ولد باب الله وعبدالرزاق الشابي. ودون تحمّل مشقّة الدخول في تفاصيل هذه الأعمال، وخاصة من حيث محاملُها الاجتماعية ومضامينُها القولية وطرائقُ تقديمها إلى الناس، أقول إنّني لا أستطيع أن أصفها إلاّ بكونها "لعب عيال" ولكن ليس على طريقة أحمد حلمي بل بشكل بدائيّ غير بريء، وهي بذلك لا تُضحك الناس بقدر ما هي دافعة لهم على الضحك من هؤلاء المُضحكين. ولم يشذّ عن هذا التوصيف المسلسلُ الهزليّ "شُبّيك لبّيك" الذي أخرجه عصام بوقرّة لفائدة قناة التونسية ويقوم بدور البطولة فيه جعفر القاسمي.

وبالعودة إلى برامج القناة الوطنية1، ومنها خاصة "ضحكة عالطاير" و"سياسي في الفخ" (إخراج رشاد الصالحي)، فإنّ ما مرّ منهما من حلقات يجعل المشاهد يقف على نباهة فيهما من جهة تصوّر الحدث، واختيار الشخوص، وتنسيب الفضاء للفكرة. كما أنّ الرغبة في إضحاك المشاهدين لم تمنع المشرفين على هذيْن البرنامجيْن من تخيّر الموضوعاتِ السياسية والاجتماعية التي تمسّ المواطن وتلبّي أفق انتظاراته الثورية بعد يوم من الصوم. ولعلّ "سياسي في الفخ" مناسبة أخرى لتذكير الشعب التونسي بغباء سياسيّيه من المعارضة ومن الحاكمين.

عبد الدائم السلامي

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية