السبت، يوليو 28، 2012

المستنقع السوري ووحل الشرق الأوسط

اين هذا السلاح لتحرير الجولان؟
يبدو أن الأحداث الساخنة المتسارعة في الساحة السورية، وتأثيراتها على المنطقة عموما، والبلدان المحاذية لسوريا خصوصا، ما زالت أمامها أيام عديدة، وزمن زاهر من التطورات، السعيدة القليلة والدراماتيكية الكثيرة، فنظام الأسد يدرك جيدا أن ليس أمامه خيارات كثيرة، فالحلفاء صاروا يعدون على أصابع اليد الواحدة، والبعض منهم صار الشك يراوده ويبحث عن مخرج لحفظ مصالحه، والأعداء صاروا، رغم اختلاف أسبابهم، من الكثرة التي لا تحصى ولا تعد.

في حوصلة سريعة، لم يبقَ لنظام الأسد سوى إيران وحزب الله والجبهة الشعبية لجبريل الجهات التي يبدو أنها ما زالت في خندقه، وستبقى فيه، للارتباطات الطائفية والإيديولوجية، تمده بالسلاح والرجال والمال والعتاد، وهناك العراق أو حكومة العراق ومجموعة 8 آذار التي ما زالت تعتبر سندا سياسيا، وممرا للمساعدات الإيرانية، دون المغامرة أكثر، وهناك بدرجة أقل روسيا والصين اللتين لن تتوانى عن التخلي عن صاحبهما أمام "الضمانات الدولية" لمصالحهما، و"التطمينات الأكيدة" لدورهما المستقبلي في المنطقة، و"حقوقها المحفوظة" في مرحلة ما بعد الأسد.

وفي الجانب الآخر، فسيفساء من الكيانات والجهات، التي تتفق كلها على الرغبة الشديدة للإطاحة بنظام الأسد، ولكن لكل واحدة منها أهداف وأسباب وتطلعات، أولها، مجموعة دول الخليج مع الأردن ومجموعة 14 آذار، وثانيهما تركيا وقطر وبلدان الربيع العربي، وثالثها الغرب وإسرائيل.

بعد عملية دمشق المدوية، التي استطاعت أن تحرم نظام الأسد من كبار أركانه، وكادت أن تقضي عليه برمته، لم يعد بيد الأسد ذلك "الورع الدبلوماسي"، و"التؤدة السياسية"، و"الحلم العسكري"، وهو يعلم أن الوقت قد حان أن يخرج آخر ترسانته العسكرية، وتهديداته الكيمياوية، ويجهد نفسه أن يصدَر إلى دول الجوار أولا والمنطقة ثانيا، قلاقل سياسية، وتجاذبات طائفية، وعراكات مذهبية وإثنية، للتخويف من المستقبل من دونه، وإبراز دوره الاستقراري للمنطقة، وهو في هذا السياق قد بدأ يطلق رصاصاته الأخيرة، التي يمكن إيجازها في ما يلي:

1) السلاح الكيمياوي

فمباشرة بعد عملية دمشق، صرح الناطق باسم الخارجية السورية، جهاد مقدسي على أن النظام لن يستخدم "أي سلاح جرثومي أو كيمياوي، إلا في حال تعرضت سوريا لعدوان خارجي"، لا يخفى على أحد أن الترسانة من الأسلحة الكيمياوية السورية تشكل الهاجس الأساسي لإسرائيل والغرب، ليس في استعمالها فقط، ولكن في وقوعها بيد إما حزب الله، أو تنظيم القاعدة، ولذلك تجتهد الولايات المتحدة الأميركية والأجهزة الإستخبارية العالمية على تأمينها وتحييدها، ومجرد التهديد باستعمال أسلحة غير تقليدية، يشكل سببا هاما على تريث القوى الإقليمية والعالمية، ومراجعة حساباتها وخططها.

2) القاعدة

يتفق المراقبون والخبراء على الدور المتنامي، والحضور المتصاعد، والتأثير المتعالي لتنظيم القاعدة في سوريا، فقد نشرت جريدة "نيويورك تايمز" الأميركية تقريرا حول الدور المميت الذي تلعبه القاعدة في سوريا، مستغلة حالة الانفلات الأمني التي تشهدها، ويخاف العالم أن تتحول القاعدة من مناطقها التقليدية في أفغانستان والعراق إلى سوريا، ومن مآل الأمور على الأمن الإقليمي عموما وأمن إسرائيل خصوصا، كل هذا ينبئ أن فزَاعة القاعدة ليست بالفزَاعة وإنما احتمالا مستقبليا أكثر من وارد، مما يشكل وجع رأس لبلدان الجوار، وما أحداث ليبيا وأسلحتها منا ببعيد.

3) الأكراد

انخرط الأكراد بحذر في الحركة الاحتجاجية، والثورة الشعبية، وحرصوا على سلميتها، لذلك يلاحظ أن الجيش السوري الحر لم يقم بأي نشاط انطلاقا من هذه المناطق، وفي خطوة مفاجئة ومقصودة واستفزازية، انسحبت القوات النظامية من دون معارك من بعض المناطق الكردية (إلا القامشلي)، وانتشرت قوات حزب الاتحاد الديمقراطي، الفرع السوري لحزب العمال الكردي، الذي تعتبره تركيا منظمة إرهابية، مما دفع رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان على اعتبار الأمر موجها ضد تركيا، وأنه لن يتوانى على ضرب شمال سوريا إذا اقتضى الأمر.

4) الأقليات المذهبية

شكلت سوريا لمدة طويلة المثال العالي والصورة الجميلة للتعايش الطائفي والمذهبي، وانصهار الكل في الوطن بنفس الحقوق والواجبات، مما شكل صمام الأمان للمنطقة، كما شكل لبنان في فترة معينة الصورة القاتمة لمآل الأمور لما ترفع رايات الطوائف، وتعلو أعلام المذاهب، وتتشاجر الأديان، مما يشكل سلاحا أخطر من كل الترسانة الكيماوية والجرثومية التي يمتلكها النظام، ولا أشك أن الهاجس الأول للمن سيكون لهم الأمر في الفترة المقبلة هو طمئنة الأقليات، والحذر من وقوع مجازر وإبادات ضد طوائف معينة، وفتح بوابة كبيرة نحو مجهول مخيف.

5) تقسيم سوريا

أمام الانقسام الطائفي الحاصل، والشحن المذهبي الواقع، يبدو أنه ليس هناك حل أولي للفرقاء إلا تقاسم كل طائفة وجنس سوريا إلى مجموعة دوليات، كدولة العلويين، ودولة الأكراد، وكيان الدروز، ودولة المسيحيين، ودولة أهل السنة، ونظام الأسد يعرف ذلك جيدا، لذلك لعب على هذا الوتر، وساعده في ذلك غباء بعض أطراف المعارضة، والبعض من عرَابهم، مما سيزيد من القلق والتوجس من الخريطة السياسية والجغرافية المستقبلية.

إن ألغاما عديدة وضعت من هذا الطرف أو ذاك في بلاد الشام العزيزة، لا يمكن لبضع سنين من إزالتها، وتدميرا هائلا لمكتسبات، ليس من السهل إعادتها، وحالا من التمزق والتشتت، من الصعوبة إعادة لملمته، هذا ما يسمى اللعب بالنار، أخاف أن الحروب ما تفتأ أن تخبو هنا حتى تشتعل هناك.

ومعركة الشام لم تنتهِ بعد، حتى تتعالى أصوات البعض من الإمارات والبعض الآخر من مصر، منذرة ومحذرة ومتوعدة، وروائح معارك مستقبلية بين متحالفين ظرفيين، متشاحنيين مستقبليين، وقانا الله شر ذلك اليوم، وحفظنا في أمتنا من شر الضمير إذا غاب، ومن شر العدو إذا وثب، من شر غاسق إذا وقب.

عبد الكريم رضا بن يخلف

كاتب صحفي

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية