السبت، يوليو 28، 2012

'انتفاضة الدجاج' والاقتصاد الإيراني 'المقاوم'

انتظرت القيادة الإيرانية انفجار "ثورة الخبز" من طهران، فوقعت "انتفاضة الدجاج" في نياسبور. اسعار الدجاج وصلت إلى خمس دولارات للكيلو غرام حسب السعر الرسمي (الدولار يساوي 1200 تومان رسمياً و1900 تومان في السوق) أشعلت المظاهرات في مدينة نياسبور، التي لا تبعد أكثر من 150 كلم من مدينة مشهد، وهي كانت عاصمة خراسان التاريخية وتضم ضريح الشاعر عمر الخيام الذي يرتاده الألوف كل عام. خرج ألوف النياسبوريين في مظاهرة حاشدة. اختار النظام الايراني الالتفاف على المتظاهرين وعدم الدخول معهم في مواجهات قد تتطوّر مثل النار في الهشيم، خصوصاً في شهر رمضان المبارك، وفي ظل أزمة اقتصادية غير مسبوقة يعيشها الشعب الإيراني على وقع العقوبات الغربية. هذه العقوبات التي تدفع يومياً باتجاه رفع منسوب الأزمة الاقتصادية خصوصاً مع اقتراب انتهاء فصل الصيف والاستعداد لفصل الشتاء القارس.

تعدّدت أسباب "انتفاضة الدجاج" والمشكلة واحدة ملخصها ان النظام الإيراني اختار الصعود إلى الفضاء وترك الأرض، دون مراعاة حقيقية لمشاعر ومطالب الايرانيين. ارتفاع سعر الدجاج لا يعود إلى جشع التجار وإنما إلى ارتدادات العقوبات الغربية. ذلك أنّ العلف يتناقص يوماً بعد يوم وهو إذا كان قد ظهر بسرعة في قطاع الطيور، فإنّه لاحقاً سيظهر في قطاع الأبقار والأغنام، في مطلع الشتاء عندما تخف امكانات الرعي في الحقول. ويبدو أنّ الانخفاض الحاد في استيراد العلف من الخارج بسبب المقاطعة وانهيار التومان أو الريال الإيراني في مواجهة الدولار ضاعف التكلفة مئة في المئة وأحدث النقص الكبير في كميات الدجاج في شهر رمضان المبارك حيث يزداد الطلب عليها تبعاً لمتطلبات المطبخ الإيراني الكبيرة.

لكن ما زاد في "الطين بلة" ورفع منسوب الاحتجاج الشعبي أنّ أحد المراجع البارزين في قم آية الله ناصر مكارم شيرازي الملتزم بالمرشد آية الله علي خامنئي قال: "نشهد صراخ كثيرين في شأن الارتفاع الشديد لسعر الدجاج فماذا يحدث إن لم يأكل الناس دجاجاً؟ كل الأطباء يتفقون على أن تناول منتجات اللحوم مضرّة بالصحة". الحادثة الثانية التي هي من نوع المضحك المبكي أن قائد الشرطة الجنرال اسماعيل احمدي مقدم حض شبكات التلفزة على الامتناع عن بث صور لأفراد يأكلون دجاجاً قائلاً "عندما يرى بعض الناس الفجوة الطبقية بين الأغنياء والفقراء قد يستلون سكيناً ليأخذوا ما يعتبرون انه حقهم من الأغنياء".

كل هذا ليس إلاّ قمّة جبل الجليد للأزمة الاقتصادية. أمّا الجسم الضخم للجيل فإنّه يتضمن ارتفاع أسعار كافة المواد الاستهلاكية في مطلع شهر رمضان بالنسبة للسنة الماضية وليس لهذا العام. فقد وصل الى حوالى 40 في المئة بمعدل وسطي، علماً أن بعض المواد تضاعف سعرها مئة بالمئة. لذلك فإنّ متظاهري نياسبور ردّوا على رئيس مكتب الصناعة والتجارة الذي وعد بتقديم دعم رسمي لشراء العلف "ان السبب ليس ارتفاع سعر الدجاج وإنما كل شيء".

منح الأولوية في الدعم لاستيراد السلع ليس أكثر من "حبّة أسبرين" لمرض عضال. لذلك فإنّ القيادات الايرانية اعتمدت سياسة استثارة "الروح القومية لدى الايرانيين ليتحدوا رغم المصاعب بدلاً من الاحتجاجات والانتفاضات".

الرئيس أحمدي نجاد الذي لم يتبق له في الرئاسة سوى عشرة أشهر والذي يواجه "حرباً ضروس" من خصومه المحافظين خصوصاً من رئيس المجلس علي لاريجاني تحدث عن "مواجهة إيران حرباً ضروس ولذلك فإنّ الشعب الإيراني يتلقى ضربة وراء ضربة". بدوره فإنّ خصمه وزير الأمن حيدر مصلحي أقرّ "بأن الأعداء يحاولون إثارة أزمة اجتماعية".

المرشد آية الله علي خامنئي، دعا كل القيادات مباشرة للتفاهم وترك خلافاتهم خارج دوائر القرار وأنهى خطابه فيهم بالإعلان عن الالتزام "بالاقتصاد المقاوم". وقد سارع لاريجاني إلى تفسير هذه الدعوة بالتأكيد على "ضرورة مشاركة الشعب في مجال الاقتصاد".

لكن كما يبدو فإنّ قناعات العديد من القيادات والمسؤولين تتجه إلى غير ذلك لأنها وضعت يدها على الجرح. من ذلك:

ان الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني عزا المشاكل الاقتصادية إلى "سوء الإدارة"، داعياً إلى "إجراء انتخابات رئاسية نزيهة تساهم في مواجهة التهديدات". ترجمة هذه الدعوة فتحت المجال أمام الإصلاحيين للمشاركة عبر ترشيح احدى شخصياتهم في الانتخابات. أما الجنرال رضائي، فقد كشف بأنّ نسبة التضخم مرشحة لكسر حاجز الخمسين بالمئة والقفز إلى 70 في المئة مما سيؤدي حكماً إلى انفجار اجتماعي كبير.

الأهم من كل هذه المداخلات أن بعض الشخصيات السياسية المعروفة لم تعد مقتنعة بالخطاب الرسمي حول "الحرب الاقتصادية"، في وقت تتابع فيه القيادات الايرانية خصوصاً من العسكر بشقّيه الحرس والجيش مباراتها في تعزيز القدرات العسكرية الايرانية ورفع منسوب التهديدات بإقفال مضيق هرمز أمام الملاحة الدولية، علماً ان في صلب الأزمة والعقوبات تعقيدات الملف النووي. لذلك فإنّ الشيخ عبدالله نوري وزير الداخلية الأسبق الذي أمضى أعواماً في السجن وهو أحد أبرز الإصلاحيين والمرشحين للرئاسة طالب علناً أمام أكاديميين وناشطين جامعيين بإجراء استفتاء شعبي حول الملف الايراني قائلاً: "إنّ الأضرار والضغوط الناجمة عن البرنامج النووي الايراني خرجت عن السيطرة وتعدّت أي حد مقبول وعلى النظام اتخاذ قرار منطقي وحكيم لحماية المصالح الحيوية للبلاد والخروج من المأزق".

لن تجد هذه الدعوة كما يبدو صدى لدى القيادة الايرانية لأنه لا يمكنها التراجع عن الالتزام بإدخال إيران المنتدى النووي من جهة وتحويلها إلى قوّة اقليمية كبرى ترسم المسارات في المنطقة.

يبقى أن السؤال انه إذا كان سكان نياسبور قد انتفضوا من أجل الدجاج، فماذا سيفعل سكان المدن الأخرى أمام ارتفاع التضخم وانخفاض المداخيل الذي بدأ يتبلور في صرف عشرات الألوف من العمال الذين أقفلت مؤسساتهم وكانت مظاهرة الأساتذة الين صُرفوا من الوظيفة وعددهم 25 ألف مدرّس أمام مجلس الشورى أكبر مؤشر إلى: أن القادم أعظم.

أسعد حيدر

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية