غداة تفجير دمشق الذي ضرب عقر دار الرئيس بشار الأسد، قال وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا يوم الأربعاء: “بدأ الوضع يخرج عن السيطرة سريعاً. لهذا السبب، من الضروري أن يمارس المجتمع الدولي أقصى درجات الضغوط على الأسد كي يقوم بالصواب، أي التنحي للسماح بتنفيذ عملية انتقالية سلمية”. إن مخاوف بانيتا مبررة لأن سورية لم تعد تخضع لسلطة نظام الأسد فعلياً، وقد بدأت نتيجة الحرب الأهلية تخرج عن سيطرة الولايات المتحدة وحلفائها أو أي قوى دولية أخرى. من الواضح أن دعوة بانيتا إلى فرض أقصى درجات الضغوط الدولية على الأسد كي يتنحى هي مجرد أمنية يريد تحقيقها. ربما ينطبق الأمر نفسه على فكرة إدارة أوباما المتعلقة بـ”المرحلة الانتقالية الموجهة” حيث تتعاون المعارضة مع نظام يبقى على حاله بعد تنحي الأسد.
تصر روسيا حتى الآن على معارضة الجهود الغربية للضغط باتجاه تنحية الأسد.
وفق صحيفة “بلومبيرغ بيزنس ويك” (Bloomberg Businessweek)، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يوم الأربعاء: “إذا كنا نتحدث عن ثورة، فلا دخل للأمم المتحدة فيها. لن يتنحى الأسد ولا يعرف شركاؤنا الغربيون ما يجب فعله”. بعد أعمال العنف الأخيرة في العاصمة، يتراجع احتمال التغيير السلمي الذي تحدث عنه بانيتا ويتبخر أفضل سيناريو اقترحه كوفي أنان لإرساء السلام. من المتوقع أن يحدث تفكك نظام الأسد بطريقة قاسية ووحشية ولن تكون مدة هذه العملية قصيرة بالضرورة.
لا يمكن أن يراهن أي مستثمر ذكي على قدرة النظام على إعادة إرساء وضع المراوحة عبر توسيع نطاق العنف أكثر مما هو عليه اليوم، لكن تشير جميع المعطيات الراهنة إلى أن معظم النخبة السنّية التي دعمت النظام بدأت تبتعد عن الأسد.
في غضون ذلك، يبدو أن فقدان دعم النخبة السنّية يحد من قدرة النظام الذي تحكمه أقلية علوية (بدعمٍ من المسيحيين السوريين، وحتى الأقليات الأصغر حجماً) على حكم بلد يضم أغلبية سنّية تفوق ثلثي الشعب. لا شك أن فقدان دعم السنّة سيحرم النظام من خطابه الأيديولوجي البعثي الذي يدعو إلى الوحدة العربية. لطالما كان إصرار عائلة الأسد على تصوير النظام بأنه حارس القومية العربية وأنه مستعد للوقوف في وجه إسرائيل (حتى لو رضخ بعض القادة العرب للولايات المتحدة) يخدم الوظيفة السياسية المحلية التي تقضي بتشريع حكم الأقلية العلوية في بلد يضم أغلبية سنّية. لكن حتى لو انهار الخطاب العربي القومي، تساهم مصالح النظام الطائفية (ومخاوف العلويين والمسيحيين والأقليات الأخرى من المصير القاتم الذي ينتظرهم في حال سقوط الأسد) في الحفاظ على جوهر النظام حتى الآن. بعد أن أصبح النظام في موقف محرج، من المتوقع أن يتحرك بوحشية أكبر. وإذا تفكك النظام بقوة السلاح في الأشهر المقبلة، فمن السذاجة أن نتجاهل احتمال حدوث أعمال انتقامية طائفية واسعة النطاق خلال الأشهر اللاحقة.
من المتوقع حدوث مجازر هائلة ضد الثوار في الأيام المقبلة لأن النظام سيسعى إلى وقف زخم الثوار. إذا فشلت هذه المساعي، فسيتوقف الوضع على الخطة الاحتياطية التي أعدها النظام إذا وُجدت.
لطالما اعتبر ناشطو المعارضة وبعض المحللين أن الموالين للأسد قد يعترفون بعجزهم عن السيطرة على جميع مناطق سورية وقد يحصرون نشاطاتهم في معاقلهم الخاصة (في شمال دمشق مثلاً في مواجهة الجنوب، وتحديداً في ضواحي العاصمة السنّية بمعظمها حيث احتدم القتال هذا الأسبوع)، أو حتى في دولة علوية معزولة على طول الساحل بدعمٍ من روسيا التي تملك منشأة بحرية في طرطوس. بعبارة أخرى، قد يسعى النظام إلى تفكيك البلد إلى دويلات على طريقة يوغوسلافيا أو إلى خوض حرب أهلية كتلك التي دامت 17 سنة في لبنان المجاور. هناك، لم يكن تقسيم الدولة بين المناطق واضحاً بقدر ما حصل في يوغوسلافيا، فقد سيطرت الجيوش التابعة للخصوم على مختلف أحياء العاصمة.
يظن البعض أن البلد شهد حملة تطهير إثني خلال الاعتداءات على الأحياء السنّية بهدف السيطرة على أراضي الدويلات العلوية. كتبت صحيفة “تلغراف” أن القيادة الكردية في سورية أصبحت جزءاً من الخطط التي ترمي إلى إنشاء منطقة كردية مستقلة تخضع لحماية جيشها الخاص على طول حدود كردستان العراقية: يشجع الزعيم الكردي العراقي مسعود برزاني على حصول تطور مماثل.
يعتبر جوشوا لانديس، خبير في الشؤون السورية من جامعة أوكلاهوما، أن سيناريو قيام دولة علوية غير مقنع: “حين يخسر النظام دمشق، ينتهي أمره. من المعروف أن الجبال العلوية ليست قاعدة كافية لقيام دولة قومية، فهي لا تملك اقتصاداً منفصلاً خاصاً بها ولم يخطط النظام لمواجهة هذا الوضع أصلاً. كذلك، لن يحصل هذا الكيان على أي دعم خارجي: لن تكون إيران في موقع يخولها توفير الدعم اللازم. عندما يسيطر السنّة على العاصمة وعلى المداخيل من حقول النفط، فسيحدون من نشاطات أي مقاومة علوية متبقية”.
بحسب رأي لانديس، حين يرحل النظام من العاصمة، سيضطر بذلك إلى إخلاء بنية السلطة التي أسسها. هذا ما يزيد خطر نشوب قتال أكثر وحشية في المرحلة المقبلة بقيادة وحدات “الشبيحة” التي تتألف من عصابات موالية للنظام ويقودها رجال لا يفوق عمرهم الـ21 عاماً.
لكن حتى لو لم تكن النتيجة النهائية مماثلة، فقد تمر الحرب الأهلية السورية بمرحلة مطولة ودموية حيث تسيطر مراكز القوة المتخاصمة على أجزاء الأراضي المختلفة بطريقة تشبه ما حصل في البوسنة أو لبنان.
كما حدث في يوغوسلافيا، كان مفهوم الدولة القومية السورية من اختراع القوى الغربية المنتصرة غداة الحرب العالمية الأولى. لم تجد تلك القوى أي مصلحة لها في محاولة تجنب تداعيات أعمالها في البلقان بعد سبعة عقود، لكن في سورية حيث ترتفع المخاطر الجيوسياسية والأمنية وتزداد خطورة الوضع، يتوق الناس إلى الحفاظ على سورية التي نشأت خلال العشرينيات، مع قيام دولة مركزية قوية أيضاً، لكن لم يتضح بعد ما إذا كانت هذه النتيجة لاتزال ممكنة. سيتولى السوريون تحديد هذا الأمر.
0 comments:
إرسال تعليق