الأربعاء، أغسطس 01، 2012

المشروع الجديد للوحدة بين العراق وسوريا!

دعا أمير تنظيم ما يسمى دولة العراق الإسلامية، التابع لتنظيم القاعدة، أبوبكر البغدادي، في بيانه الأخير وهو يتبنى عملية مايسمى "هدم الأسوار" الإرهابية والتي راح ضحيتها المئات بين قتيل وجريح في عموم مناطق العراق، الى دعم الثورة السورية وحث المجاهدين فيها على تطبيق الشريعة الإسلامية لتأتي الثورة أكلها، ودعا أيضا إلى هدم حدود إتفاقية سايكس بيكو بإقامة الدولة الإسلامية الموحدة، ولعن في كلمته القومية والتي سماها بالنتنة ولعن الوطنية والتي سماها بالمقيتة، فلا حكم إلا للإسلام وتطبيق شريعته، حسب قوله.

السؤال المهم الذي يجب طرحه هنا: هل سيسعى تنظيم القاعدة لتوحيد النشاطات الإرهابية بين البلدين سعياً لإقامة دولة الخلافة الإسلامية والتي تجمع العراق وسوريا، أي تنظيم دولة العراق الإسلامية بالتنظيمات الجهادية في سوريا؟ هل ستكون تلك الفكرة مشروعاً إقليمياً جديداً يوحد بين العراق وسوريا، أو أجزاء كبيرة منهما، ولكن، ليس كدولة قومية عروبية واحدة، بل كدولة إسلامية تكون قاعدة لدعم النشاطات الجهادية في المنطقة؟

إن فكرة الوحدة بين العراق وسوريا قديمة قدم الدولتين نفسيهما، فالدولتان تتقاسمان جغرافية واحدة بحدود تتجاوز الألف كيلومتر، وكانتا تنتميان في يوم من الأيام لحضارة ما بين النهرين، وفي عصور متأخرة من ذلك كانت الكوفة والبصرة تتبع الدولة الأموية في دمشق، ومن بعدها كانت دمشق تتبع الدولة العباسية في بغداد.

أما شعب الدولتين فلهما نفس اللغة ونفس الدين ويتبع قسم كبير من شعبيهما مذهباً واحداً وتتقاسم بعض العشائر الحدود على طرفي الدولتين. أما الأكثر من ذلك فهو أن الدولتين تقاسمتا في يوم من الأيام قصة الدولة القومية الواحدة وحلم الوحدة العربية، بل تقاسمتا فكرة حزب واحد بشقين، حيث أمسكا بزمام السلطة في البلدين عقود طويلة من الزمن.

إن آخر فكرة للوحدة بين البلدين كانت في نهاية السبعينيات من القرن الماضي وذلك بتوحيد شقي حزب البعث في العراق وسوريا، إلا أن مؤامرات داخل حزب البعث في العراق حالت دون المضي بتلك الفكرة ونتجت عن إعدام العشرات من البعثيين بحجة التآمر على العراق في حادثة مشهورة.

لقد جر النظام الدكتاتوري بكثرة قتل الأبرياء المعارضة للعمل المسلح والذي أعطى النظام مبرراً للتعسف في استعمال القوة ضد المدنيين بقصفهم بلا رحمة.

من جهة أخرى، توجد هناك دلائل كثيرة على الأرض تشير إلى أن تنظيم القاعدة له دور في فعال في العمل المسلح ضد النظام السوري الحالي، بالرغم من أن المعارضة السورية لا زالت تنفي هذه الأنباء.

فقد ذكرت تقارير كثيرة، ومنها موقع العربية باللغة الإنكليزية، بأن مسلحين من دول مختلفة جاءوا للجهاد في سوريا لنصرة أخوتهم من تنظيم القاعدة وقد شوهدوا وهم يسيطرون على أحد المعابر بين تركيا وسوريا.

أما صحيفة الغارديان البريطانية فقد ذكرت في تقريرها الأخير بأن هناك مقاتلين من دول مختلفة يحاولون السيطرة على مشهد القتال هناك وهم يقومون بمساعدة الجيش السوري الحر بصنع القنابل والسيارات المفخخة وتنفيذ بعض العمليات لخبرتهم الطويلة والتي إكتسبوها من القتال في العراق وفي بعض الدول التي ينشط فيها تنظيم القاعدة.

يقول أبو قادر، وهو قائد ميداني: نحن لا نقاتل من أجل سوريا بل من أجل إقامة دولة إسلامية نطبق فيها الشريعة ونقيم فيها حدود الله.

ويستمر أبو قادر بالحديث ويقول نريد أن نجنب سوريا نفس مصير العراق لذلك علينا تجنب أخطاء الماضي. أما أحد قيادات الجيش الحر، في أحد القرى ويدعى سليم أبو ياسر، فانه ينظر بريبة لتنظيم القاعدة هناك ويقول بأنهم يعملون بتكتم وينظرون الينا بإزدراء، وهم مقاتلون أشداء لكن مشكلتهم بأنهم يعدمون الجنود ميدانيا من غير الرجوع للمحاكمات وهذا مايخيفنا منهم في المستقبل.

من جهة أخرى رصد عبور كثير من المطلوبين للحكومة اللبنانية بتهمة الإرهاب وممن ينتمون لتنظيم القاعدة هناك وهم يقاتلون جنبا إلى جنب مع مقاتلين سوريين وعرب في سوريا ومنهم من لقي حتفه هناك وهو مطلوب بقتل لبنانيين.

أضف إلى ذلك أن الكثير من العمليات التي تقوم بها المعارضة السورية، ومنها عمليات انتحارية، كان لها طابع تنظيم القاعدة، هذا ما قاله مراقبون للحكومة الأميركية، وقالوا لهم أيضا بأن أعدادا كبيرة من المقاتلين من تنظيم القاعدة بدأو ينتقلون من العراق إلى سوريا لدعم المقاتلين هناك، والذي جعل الأميركان يتعاملون بحذر مع الملف السوري، بالخصوص موضوع مد العون لهم وتسليحهم.كل هذه المؤشرات تدل على أن تنظيم القاعدة سيقاتل حتى الموت باقي الفصائل السورية ليأخذ بزمام الأمور بعد رحيل الأسد وربما ستدخل سوريا حربا أهلية هدفها الحصول على السلطة، حتى أن الكاتب كون كافلين دعا في صحيفة الديلي تلغراف إلى النظر إلى الأزمة في سوريا وكأنها تهديد للمنطقة بدل كونها مأساة إنسانية.

لا بد أن نفصل بين عمل القاعدة وعمل الجيش السوري الحر، الذي يضم في صفوفه مقاتلين من جميع الأطياف والخلفيات والأيدلوجيات والذي يأمل بتحرير سوريا من الحكم الدكتاتوري بأي ثمن.

وإن صدق هذا التعاون مع تنظيم القاعدة فإنه سيكون مرحليا ويستند لقاعدة العدو الواحد والمصلحة الواحدة بإسقاط النظام السوري الحاكم.

لكنهم بالتأكيد سيختلفون في نهاية المطاف، بالخصوص أن أهداف الجيش السوري الحر، والذي يضم في صفوفه الكثير من العلمانيين، هي إقامة الدولة الديمقراطية وهم يطلبون الدعم من لدول الغربية على هذا الأساس.

إن المشكلة هي ليست في ما يحدث الآن، بل بما سيحدث في مرحلة مابعد سقوط نظام الأسد حيث ستدخل الفصائل المسلحة في صراع على السلطة، وهنا تتضح خطورة تسليح بعض الفصائل على حساب الفصائل الأخرى، والذي يمكن أن يؤدي لحرب أهلية في سوريا.

نعم، لا يمكن إلى أن نفترض بأن تنظيم القاعدة لن يوحد العمل الجهادي بين العراق وسوريا إذا ما كان له وجود على أرض سوريا واتخاذ سوريا كقاعدة من جديد لتنفيذ عمليات إرهابية في العمق العراقي.

إن الخطاب الإسلامي المتطرف، نجح في تحويل بوصلة الصراع بإعادة ترتيب الأولوية في القتال، فقد جعل الشيعة وحلفائهم من النصيرية في المرتبة الأولى كعدو أول ومن ثم إسرائيل كعدو ثان.

وعلى هذا الأساس سيكون العراق ساحة للصراع من أجل قتال العراقيين بتهمة الصفوية والمجوسية والفارسية، ومن جهتها فستجعل ايران العراق خطاً أمامياً لدرء الخطر عنها إذا ماحدث ذلك.

نعود لسؤالنا الذي طرحناه في بداية المقال: هل يمكن أن ينجح مشروع دولة خلافة إسلامية بين العراق وسوريا، على الأقل في الشمال الغربي من العراق، وشرق سوريا، إذا ما افترضنا بأن تنظيم القاعدة سيحظى بموطئ قدم هناك؟

الجواب، نعم إذا ما استمرت السياسة في العراق تحكمها الطائفية والمحاصصة والفساد والتي تجعل من الحكومة ضعيفة في مواجهة هكذا مشروع، بالخصوص بعد فقدان الحكومة المركزية السيطرة على الحدود لحساب البيشمركة الكردية.

نعم إذا لم تنتبه فصائل المعارضة السورية لخطورة توجهات تنظيم القاعدة الأقليمية، إذ عليها إقصاء كل فصيل لا يعمل من أجل سوريا الديمقراطية في المستقبل، وكل فصيل له أجندة خارجية وتمويل خارجي ولديه مقاتلين من جنسيات مختلفة للقتال في سوريا بحجة الجهاد ضد الحكم الكافر.

نعم إذا تم تسليح قسم من المعارضة السورية لتقوية بعض الفصائل على بعضها الآخر والوقوع في نفق الطائفية الذي وقعت فيه افغانستان والعراق، وإلا لماذا نفترض بأن سوريا استثناء؟

عماد رسن

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية