الاثنين، أكتوبر 15، 2012

الإنقلاب على «13 تشرين»: سحقوهم... وأخذوا توقيعه

في 13 تشرين الأول من كل سنة، تخرج الآلام من صدور المتألمين، أولئك الذين لعبوا دور البطولة على تلال ضهر الوحش وفي دير القلعة. امّا المشهد هذه السنة فكان أكثر رمزية: مقابلات متلفزة، برامج خاصة، شهد فيها الشهود الذين عايشوا اللحظات الصعبة لدخول جيش الأسد الأب تلك المنطقة من لبنان، مع ما رافقها من ممارسات لم تغيّر الأعوام الـ22 من عنفها وقسوتها، ولكن مع فارق أنها تمارس اليوم في مدن سورية، بعنف مضاعف وبساديّة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، إلا مع النازية، «والبولبوتية» (كمبوديا). لو كان الهاتف الخلوي قد ولد في العام 1990 لاستطاع أن ينقل شيئاً من العنف الذي مارسه جيش النظام على العسكر والضباط الذين قاتلوا واستسلموا، فتحوّلوا إلى أسرى حرب، في معركة لم يسمع فيها المنتصرون بمعاهدة جنيف وأخواتها. هذا عسكري يروي كيف حصلت الإعدامات الميدانية، وذاك يخبر عن فظاعات وتفنّن بأساليب القتل، تصِل إلى حدّ ربط الضحية بالآليات العسكرية وتقطيعها إرباً. شهود على واحدة من أكبر الجرائم ضد الإنسانية. شهود أحياء على شهداء لم ينته زمانهم باستشهادهم، فأصبحوا، سواء الذين قتلوا أم الذين عاشوا ليرووا، شهداء أحياء يحيون معاً ذكرى 13 تشرين. لعلّ أقسى ما في ذكرى 13 تشرين 2012، والأكثر رمزية، أنها تحصل، فيما تتكرّر في سوريا مأساة 13 تشرين سورية. فما رَواه عسكريو 13 تشرين عن أساليب البطش، بدا كأنه حدث مكرّر لقصة كل مدينة سورية، يكفي استبدال سوق الغرب بدوما، ودير القلعة بحلب وحمص، لأخذ صورة عن مأساة سوريا . لكن ما هو أفدح من هذا كله، ما قام به الذين احتفلوا بالذكرى، وأوّلهم العماد ميشال عون الذي فضّل هذه السنة أن يكون ضيف تلفزيون النظام السوري في 13 تشرين، وهي تحية تليق بالذكرى، كما تؤكد لأهالي الشهداء أن شهادة أبنائهم لم تذهب هدراً: أليس هذا التلفزيون هو ملك للنظام الأقرب إلى الديموقراطية، أليس هو حامي المسيحيين، أليس هو الذي كشف عن مصير المفقودين، من رهبان وعسكريين، لا يزال ذووهم يرفضون أن يختموا هذا الجرح؟ بعد 13 تشرين 2012، بدا أن العماد عون الذي التصق بالنظام الأكثر ديموقراطية عاجز عن تفسير ديموقراطيته في 13 تشرين، لكأنه مجرد مشاهد عن بعد للآلام التي رواها العسكريون. ليس مردّ ذلك إلى كونه ذهب إلى السفارة الفرنسية، صبيحة ذلك اليوم، وليس اتهامه بالهرب أو عدمه، وهذا أيضاً يمكن أن يناقش. الأخطر أن العماد عون لم يكن يملك استراتيجية لإنقاذ الموقف، والأخطر أن أحداً من أقرب المقربين إليه لم يعرف بما لديه من خيارات في حال تمّ الاجتياح. يقول أحد هؤلاء إنه اكتفى قبل أيام من 13 تشرين بالاستماع إلى تطمينات عون بأن العملية لن تتم، ويذهب إلى حد التأكيد أنه عندما سمع الجنرال يخاطب جمهوره قائلاً إنه سيدفن في مقر قيادته ولن يستسلم، شعر بالثقة اعتقاداً منه بأن عون كان يملك معطيات لا يملكها أحد. صبيحة 13 تشرين، وبعد 47 دقيقة من بدء العملية، كان الذهاب إلى السفارة الفرنسية وإعلان الاستسلام والتسليم. ويسأل المقرّب من عون: هل كان الجنرال يخدع نفسه والعسكر أم الجمهور حين أعلن الاستسلام عبر الإذاعة؟ هؤلاء جميعاً كانوا حتى قبل دقائق من بدء العملية يعيشون أجواء مقاومة حماسية، والدليل أن العسكر قاتلوا بشراسة من دون أن يعرفوا أن عون استسلم، والبعض منهم بقي حتى بعد الظهر يقاتل، لأنه لم يصدّق أن الجنرال طلب بصوته وقف القتال. هل كانت استراتيجية عون في 12 تشرين أن يقاتل ويدفن في مقر قيادته، أم في ما سوّقه بشكل متناقض وفاضح لاحقاً، بأن هدفه كان أن يوثّق للتاريخ أن القوة العسكرية سحقته ولم تأخذ توقيعه؟ الاستراتيجيتان مختلفتان جذرياً كما يقول المقربون، فالأولى تعني المقاومة حتى الموت، أما الثانية فتعني قبول الدخول في معركة خاسرة وقصيرة ومكلفة (عشرات الشهداء والدمار والانكسار السياسي لجمهور التيار) فقط للقول: "سحقوني ولم يأخذوا توقيعي". ما تبيّن لاحقاً أن الذين قاتلوا في سوق الغرب ودير القلعة هم الذين سُحقوا، أما توقيع التحالف مع النظام الأقرب إلى الديموقراطية، فقد وقّعه عون بالخط العريض في العام 2005. يقول رفاق العماد عون الكثير عن الرجل، وعن محطاته قبل توَلّي قيادة الجيش وبعدها. الرفيق الأول عصام أبو جمرة شاهِد على كل هذه المحطات التي اعترض فيها على قرارات مصيرية، ولكنه حتى الآن لا يتكلم. الرفيق الآخر نديم لطيف الذي أودعه عون الأمانة حين كان في فرنسا، أفرج عن بعض ما لديه. الرجلان لا يريدان قول ما يعرفانه عن عون، حرصاً على التيار وحفظاً للشباب الذين ناضلوا بالأمس، وزُجوا اليوم في تحالف مع نموذج طالما قاوموه. يقول ضباط آخرون كانوا رفاقاً، كالعميد عادل ساسين، الكثير. آخرون من رُتب عالية كانوا أقرب المقربين، ابتعدوا بصمت. هناك من غير الرفاق كالعميد سيمون قسيس، من اعتبر أنه ارتكب غلطة العمر بقبول الطلب السوري تعيين عون قائداً للجيش. هؤلاء جميعاً في فمهم ماء، كلّ لأسبابه. لكنهم لم يقرروا أن يشاركوا في كتابة التاريخ للمساعدة في جلاء التزوير الذي ارتكب.

0 comments:

إرسال تعليق

 
تصميم وتنفيذ الادارة التنفيذية