الثلاثاء، أكتوبر 16، 2012
هل نحن أمام "لو كنت أعرف".. مرة أخرى؟
ما قاله الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله يوم الخميس في 11 تشرين الأول حول دور الحزب في لبنان، فضلاً عن موقفه من سوريا، مهم جداً وخطير جداً. لكن الأهم والأخطر هو ما سكت عنه وإن لم يكن يخفى على من يستمع الى الخطاب أو يقرأه: أن "حزب الله" ليس سوى تنظيم إيراني صرف... وهو في لبنان، أشبه بحركة "طالبان" في أفغانستان أو "حركة الشباب" في الصومال، وما على اللبنانيين الذين لم يدركوا ذلك بعد إلا أن يدركوا، وحتى أن يتصرفوا منذ الآن على هذا الأساس. وفي أفغانستان والصومال، دولة وعلم ونشيد وطني ومقعد في الأمم المتحدة، لكن للحركتين المسلحتين موقفاً من ذلك كله لا يعنيه فيه إلا ما يتعلق باستراتيجيته المحلية والإقليمية والدولية. فبالنسبة الى الطائرة من دون طيار، الإيرانية الصنع بدورها، والتي حلقت مئات الكيلومترات قبل وصولها الى الأراضي المحتلة في النقب "ولم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة" كما ذكر نصر الله، أو بالنسبة الى "القرى السورية" التي يقطنها لبنانيون ينتمون الى الحزب ويحملون بطاقة عضويته، أو بالنسبة الى المستقبل الذي "قد نقرر فيه القتال في سوريا إذا لزم الأمر"، لم يقل الأمين العام للحزب إلا أنه لا يعير أدنى اهتمام للبنان ودولته وشعبه ومصالحه الوطنية، وإلا أنه جزء من الآلة السياسية والعسكرية الإيرانية (ليس ولاية الفقيه فقط؟!) وفي خدمة خططها في المنطقة وحتى في العالم. ليس ذلك فقط، بل إن ما سكت عنه، لجهة نفي أو تأكيد أو توضيح تصريحات مسؤولين إيرانيين كبار عن صواريخ "حزب الله" التي ستنهمر على إسرائيل في حال اعتدائها على إيران، أو لجهة تواجد مستشارين عسكريين إيرانيين في لبنان فضلاً عن سوريا طبعاً، لا يفعل في واقع الأمر إلا أنه يؤكد هذه الحقيقة. لكن ما الجديد في الأمر الآن؟. الجديد هو إعلان الحقيقة بهذا الوضوح، وفي هذه المرحلة بالذات، بعد أعوام من "التقية" السياسية من جهة وتعمد الغمغمة والإنكار من جهة ثانية. ولعله ليس من المبالغة في شيء اعتبار أن مسألة الطائرة من دون طيار، إطلاقاً باتجاه الأراضي المحتلة واعترافاً بذلك في الوقت نفسه، انما جاءت في السياق نفسه: التغطية على التورط في سوريا حماية للنظام فيها، ولكن تماشياً كذلك مع الشعار الذي رفعته إيران، ومعها "حزب الله" منذ البداية، والذي يقول إن هدف السلاح هو فلسطين فقط وإن لا هدف له غير هذا الهدف. والجديد هو أنه لم يعد في يد الحلفاء الثلاثة، في طهران وفي دمشق وفي حارة حريك، في ظل ما يعانيه نظام بشار الأسد تحت ضربات الثورة الشعبية ضده، إلا كشف الحقيقة كما هي من دون تمويه أو التباس. جاءت الإشارة الأولى من طهران عندما أعلنت قبل أسابيع أن الحرب على سوريا هي حرب على إيران، وأنها لن تسمح بسقوط النظام فيها مهما كانت الظروف. ولم يفعل نصر الله إلا أنه أعطى الإشارة الثانية، في الاتجاه نفسه، وإن صراحة وعلناً في جزء منه وصمتاً مطبقاً في جزء آخر كما بدا واضحاً في خطابه يوم الخميس الماضي. أين لبنان الوطن والشعب من ذلك كله؟، بل وحتى أين حكومته التي شكلها "حزب الله" وصاغ لها ما سمي بسياسة "النأي بالنفس" إزاء الوضع في سوريا بعد انقلابه على حكومة الرئيس سعد الحريري، فضلاً عما يوصف بـ"الشركاء في الوطن" أو مصالح لبنان وشعبه في عدم التورط بأزمة النظام السوري وتداعياتها الأمنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية عليه؟. واقع الحال، إن هذه الأسئلة هي آخر ما يفكر به أو يخطر في بال قيادة "حزب الله" (فضلاً عن إيران)، ما دامت المسألة تتعلق بالاستراتيجية الإقليمية والدولية التي اختطها نظام الملالي في طهران منذ تأسيس هذا النظام في نهاية السبعينات من القرن الماضي. لكن ما لا شك فيه أن مرحلة جديدة تماماً قد بدأت في لبنان منذ اللحظة التي أعلن فيها نصرالله موقفه هذا من سوريا، بعد أكثر من ثمانية عشر شهراً من "التقية" السياسية إزاء ما تشهده من جهة أولى وما تشهده المنطقة العربية كلها من جهة ثانية. وهي مرحلة لبنانية أولاً وقبل كل شيء... لا يتحدد فيها من هو اللبناني، ومن غير اللبناني، في ظروف لبنان الضاغطة سياسياً وأمنياً واقتصادياً الآن فقط، إنما أيضاً وأساساً مستقبل هذا البلد في الأسابيع القليلة المقبلة وحتى على المدى الأبعد. فلا عاد ينفع البحث في "الاستراتيجية الوطنية للدفاع"، ولا حتى الجلوس على طاولة الحوار والحديث عن جنس الملائكة، ولا أخيراً الكلام على انتخابات نيابية وقوانين انتخابية وحكومة أو حكومات وحدة وطنية، ما دامت هوية السلاح الذي في يد "حزب الله" وقرار استخدامه في أي زمان أو مكان يتحددان عملياً في مكان آخر. والشيء بالشيء يذكر. فبعد العام 2000، عاش لبنان ستة أعوام كاملة تحت عنوان مزارع شبعا والحاجة الى الاحتفاظ بالسلاح من أجل تحريرها، ولم يستيقظ إلا على العدوان الإسرائيلي في العام 2006 ووقع عبارة نصرالله الشهيرة "لو كنت أعرف". فهل يكون العنوان الجديد، بحسب نصر الله، هو القرى والمزارع السورية التي يقطنها ثلاثون ألف لبناني بعضهم أعضاء في الحزب، وتسيير طائرات الاستطلاع الإيرانية (ربما لاختبارها فقط في لبنان) لنستيقظ في يوم على خراب جديد... وعبارة "لو كنت أعرف" جديدة؟. ::محمد مشموشي:: "المستقبل"
0 comments:
إرسال تعليق